15/07/2008 - 09:19

الوحدة الوطنية بين أبي مازن وأبي عمار../ د.أسعد أبو شرخ*

الوحدة الوطنية بين أبي مازن وأبي عمار../ د.أسعد أبو شرخ*

من المتعارف عليه أن الرجل الأول في الدولة، هو الذي يكون مسؤولاً عن أحوال الدولة والوطن والشعب في أوقات السلم والحرب، لأنه هو الرأس وهو صاحب القرار، وهو من يتخذ القرار حسب ما يتوفر لديه من معلومات يبني عليها "تقدير موقف" يقوده إلى اتخاذ القرار الملائم في اللحظة الملائمة وفي المكان الملائم. ومن هنا يكون رئيس الدولة عادة منغمساً تماماً في أمور الدولة وأحوالها وأحوال الناس عن طريق المتابعة اليومية وما يصله من تقارير من كبار مستشاريه أو كبرى سفاراته أو علاقاته الخاصة مع رؤساء الدول أو أجهزة المعلومات والاستخبارات أو عن طريق علاقاته الدولية أو مجموعة ما يسمى Think Tank من كبار الخبراء والعقول.

وفي أمور الدولة الحديثة، القائمة على المؤسسات لابد من توفير كل هذه العناصر لرئيس الدولة حتى تكون حساباته دقيقة في اتخاذ القرار الذي يؤدي في النهاية إلى خدمة المصالح العليا للدولة وتحقيق أهدافها المنشودة، وحتى لا يكون القرار انزلاقاً إلى المجهول الذي قد يؤدي إلى التهلكة والمهلكة! ومن هنا أهمية أن يكون رئيس الدولة قوياً ذا رؤية وصاحب قرار يعرف آليات إعداد وصنع القرار واتخاذ القرار زماناً ومكاناً، وبالتالي اتخاذه في الوقت المناسب خاصة إذا ما تعلق الأمر بمصير الشعب وأهدافه العليا، لأنه هو الذي يتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة في لحظات الانتصار كما في أحوال الهزيمة! والتي لها تبعاتها لأن المسؤولية أمانة أولاً وأخيراً، والرئيس ينتخب للقيام بهذه الأمانة التي رشح نفسه للقيام بها مدركاً تماماً تبعاتها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. وهنا يجب أن يكون الرئيس شجاعاً يتحمل المسؤولية خاصة في أوقات الشدة، في العسر واليسر، ولا يقوم بإلقاء مسؤولية الهزائم على الآخرين والبحث عن كبش أو أكباش فداء حينما يتعرض لهزيمة معينة أو لهزة مؤثرة.

ولا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس الشهيد أبو عمار كان من أكثر القادة تحملاً للمسؤولية، وأحياناً كان يبالغ في تحمل المسؤولية حتى عن الآخرين، وعن قادة هزموا في ميادين القتال أو السياسة، إذ كثيراً ما كان يتحمل عنهم تبعات المسؤولية ويجد لهم الأعذار ويحميهم!! ولديه أسبابه للدفاع عن مواقفه والتي لم تكن ترضينا في أحوال كثيرة.!!

بيد أن أبا عمار كان دوماً الرجل الأول في ميادين القتال كما في السياسة، وكان دائماً وأبداً في ميدان القتال يقود المعركة بنفسه بشجاعة نادرة بل أسطورية، رغم المخاطر التي كانت تحدق به. ومن أعظم المعارك التي خاضها وقادها بنفسه معركة بيروت 1982، حيث كان قائداً مقداماً شجاعاً يتقدم الجميع إلى ميادين القتال، وفيما بعد حين حصل بعض الانشقاق داخل حركة فتح وتوترت العلاقات بين فلسطين وسوريا، فإن أبو عمار لم يشأ أن يكون بعيداً عن قيادة المعركة، وركب البحر وغامر مغامرة كبرى، إلى أن وصل إلى صيدا وكان مع قواته وشعبه، وحين كانت بعض التنظيمات الفلسطينية تهاجمه وأحياناً بأقذع الكلمات، وتعارضه في مواقفه، كان دوماً يقول أن مسؤولية الأب تختلف عن مسؤولية الابن وأنا رب هذه الأسرة، والتنظيمات أبنائي، بكل ما في هذا التشبيه من قدرة على تحمل المسؤولية ومن معاني المحبة والارتباط والاحترام للعلاقة بين الأب والأبناء.

كان أبو عمار دوماً وأبداً في لهيب المعركة ودائرة الفعل وصلب القرار، وأتصور لو أن أبا عمار كان اليوم بيننا، لما حصل ما حصل من انقسام فلسطيني، لأنه رجل إجماع ورجل الإجماع بامتياز. ومن هنا فإنني أرى أن يكون أبو عمار في سلوكه هذا قدوة لمن تبعه من قادة، وخاصة الرئيس أبو مازن للاستفادة من الدروس والعبر الضرورية للقضاء على الانقسام الحالي.

وأقول للرئيس أبو مازن، بصفتكم الرئيس الشرعي الذي انتخبه الشعب الفلسطيني ليكون الرجل الأول وصاحب القرار الأول في السلم والحرب أنتم المسؤولون - بصفتكم الأب، عن اتخاذ القرار بجمع الأبناء فتح وحماس الآن وفوراً لتفكيك المشكلة وإيجاد حل لكل المعضلات بينهما، وبالتالي إجراء حوار وطني شامل يجمع جميع التنظيمات والشخصيات الوطنية المخلصة بروح من المسؤولية العالية والمحاسبة والمكاشفة التي تحافظ على حقوقنا التاريخية في فلسطين، وتصحيح الأوضاع ليس انطلاقا من مبدأ عفا الله عما سلف، ولكن من مبدأ محاسبه كل من أضر بالقضية الفلسطينية سياسياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو انحرف، أو استغل منصباً أو أثرى بالمال الحرام أو قتل أو أطلق الرصاص وتسبب في إعاقة جسدية أو خان أمانة المسؤولية وذلك بتشكيل لجنة وطنية عليا محايدة ومستقلة للقيام بالتحقيق في كل هذه القضايا وتكون قراراتها سارية ونافذة بمصادقة الجهات التشريعية والدستورية والتنفيذية العليا، وعدم الرضوخ لأي ضغط خارجي سواء كان أمريكياً أو إسرائيلياً أم من أي جهة أخرى لأن حقوقنا ليست للمساومة.

إن المسؤولية الأولى - تقع عليكم وعليكم وحدكم وعلى هذا الأساس ثم انتخابكم، لأن المسؤولية أمانة، ومن يحمل هذه الأمانة، عليه بأن يحملها على وجهها الأكمل ويقوم بها لتحقيق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني. لقد قمتم باتخاذ قرار الحوار الوطني بين الجميع وكان الرد إيجابياً من الجميع، خاصة من حماس والجهاد وفتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية والمبادرة وحزب الشعب وكل تنظيمات المجتمع المدني، وكذلك المثقفين والأكاديميين، والاتحادات النسوية والعمالية والطلابية، ولاقت دعوتكم واستجابة حماس لها والآخرين ارتياحا كبيراً في أوساط الشعب الفلسطيني. إننا نطالبكم ونرجوكم أن تستمروا في تطوير قراركم هذا بصفتكم رئيساً للشعب الفلسطيني، وليس قائداً لهذا التنظيم أو ذاك، وذلك بالإيعاز لقادة فتح وحماس وغيرهم ببدء اللقاءات التمهيدية، بين أبناء فتح وحماس والتنظيمات الأخرى خاصةً في غزة، والبدء بخطوات مدروسة محسوبة بدقة وإخلاص لترطيب الأجواء وتهيئة الظروف للانطلاق إلى المرحلة المقبلة من الحوار الشامل الذي يقضي على الانقسام والاقتسام!

إن حواراً بلا شروط وبلا عقبات وبلا موانع وبلا أعذار وبلا حجج، وبلا أوهام، يجب أن يبدأ فوراً، لأن الانقسام يستفيد منه الأعداء، ونخص بالذكر إسرائيل وأمريكا لأنهما اللتان وضعتا فيتو على الحوار الفلسطيني وهما العقبة الكأداء لذلك. وهذا يتبين من تصريح أولمرت الذي نقلته الصحافة الإسرائيلية بلا رتوش والذي قال فيه لكم بعنجهية وغطرسة إما العودة إلى حماس أو استمرار المفاوضات مع إسرائيل. وقال نفس الكلام بوش وقاله رئيس لجنة العلاقات الخارجة في الكونجرس الأمريكي، وقالته رايس، وقالته ميركل مما استفز أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي رد مخاطباً ميركل ورايس والغرب كله، "أرفعوا الفيتو عن الحوار الفلسطيني - الفلسطيني" أي عن استمرار الانقسام الفلسطيني!

إننا نعرف أن الأمريكيين والإسرائيليين والغرب لا يريدون حماس أو الجهاد أو فتح أو الجبهتين أو أي قوى ممانعة ومقاومة، وذلك في إطار حربهم على ما أسموه بـ"الإرهاب"، رغم أن زعيمتي الإرهاب الدولي هما إسرائيل وأمريكا، هاتان الدولتان هما اللتان حاربتا وقتلتا القائد الشهيد ياسر عرفات لأنه تمسك بحقوق الشعب الفلسطيني، بل أنه رفض زيارة القدس، ولم يقم بزيارة أولمرت في بيته في القدس أو غيره، نظراً لرمزية هذه المدينة في وجدان الشهيد القائد/ أبو عمار، وأن حرب أمريكا وإسرائيل على أبو عمار وقتله بالسم، هي نفس حربهما المستمرة على حماس، وعلى فتح وعلى كل قوى المعارضة الفلسطينية والعربية والإسلامية، مثل الجهاد، حزب الله، إيران، والسودان، وسوريا...الخ"، فهما اللتان تآمرتا على فتح وقتلتا الكثير من قياداتها البطلة، هل تذكرون القائد البطل أبو يوسف النجار؟ والقائد البطل كمال عدوان والقائد البطل ماجد أبو شرار والقائد البطل أبو جهاد والقائد البطل أبو إياد؟

إن القائد التاريخي يتحمل المسؤولية التاريخية تجاه شعبه، ويقوم بما يطلبه منه شعبه تحقيقاً لمصالحة العليا، وهكذا كان القادة الشهداء وآخرهم أبو عمار، إضافة إلى القادة العظام من أمثال القائد البطل جورج حبش وأبو علي مصطفى والشيخ أحمد ياسين والبطل الدكتور الرنتيسي والبطل الدكتور فتح الشقاقي والقائد الشهيد أبو العباس وغيرهم كثيرون.

إن الشعب لن يقبل أعذاراً من أحد في عدم الحوار، فالحوار مطلب شعبي وطني تطالب به جموع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، والذي يبلغ تعداده أكثر من حوالي عشرة ملايين ونصف فلسطيني.

إن صاحب القرار الأول والأخير في اتخاذ قرار الحوار وجمع جميع الأطراف هو الرئيس، والرئيس فقط لأن المهمة الأولى له هو الحفاظ على الوحدة الوطنية، هذه الوحدة الوطنية التي هي أحد أهم الشعارات الثلاث التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطيني وهي وحدة وطنية - تعبئة - تحرير، كما ارتآها العقل الاستراتيجي الكبير للقائد الفذ أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ترك سجلاً ناصعاً للتاريخ والأجيال، وارثاً نضالياً للوصول إلى فلسطين.

إن الشعب يعرف، والدنيا كلها تعرف، أن العائق في سبيل الوحدة الوطنية هو إسرائيل وأمريكا، لأن المستفيد الرئيس الأول والأخير من هذا الانقسام هو إسرائيل وأمريكا، ولذلك فهما تضعان الضغوط والعقبات لإبقاء حالة الانقسام هذه، ولهذا فإن محاولة إيجاد التبريرات لعدم بدء الحوار مرفوضة من أي طرف كان، ومهما كان بل أن ذلك يرتقي إلى مستوى الخيانة الوطنية!!

إننا ندرك أن هناك بعض الأطراف الفلسطينية التي قد، ونقول قد لا تريد الحوار حفاظاً على مصالحها في هذا الجانب أو ذلك أو لارتباطها هنا أو هناك، مثل هؤلاء لا يجب أن يعطوا الفرصة لتخريب الحوار عن طريق تصريحاتهم الرعناء، وأحياناً أقوالهم الرخيصة والرقيعة، والجوفاء لذلك نرى بأن الرجل الأول هو المخول باتخاذ القرار الحاسم بإجراء الحوار مهما كانت المخاطر التي قد تتعرضون لها وذلك من أجل مصلحة شعبكم والتاريخ سوف يسجل لكم أو عليكم، وفي اللحظات الحاسمة يظهر معدن الرجال، وذلك تماماً ما حدث مع القائد الشهيد أبو عمار في كامب ديفيد، ففي اللحظة الحاسمة تمسك بحقوق الشعب الفلسطيني خاصة اللاجئين والقدس، وفضل أن يسقط شهيداً على أن يكون رئيساً ذليلاً حتى ولو عاش في قصر عاجي محاط بمظاهر العظمة والأبهة!!

سيادة الرئيس أبو مازن، إن شعبكم في قطاع غزة، ينتظر منكم قراراً حاسماً وشجاعاً أسوة بقرار الرئيس القائد الشهيد ياسر عرفات، وذلك بقدومكم شخصياً إلى قطاع غزة انطلاقاً من مسؤولياتكم التاريخية كرئيس للشعب الفلسطيني وإعادة اللحمة والوحدة الوطنية الفلسطينية وتصحيح المسيرة السياسية ورد الاعتبار للقضية الفلسطينية، فوجودكم في قطاع غزة وإعادة الوحدة الوطنية، ولم الشمل الفلسطيني، أهم مليون مرة من كل اجتماعاتكم مع أولمرت وبوش التي أثبتت عبثيتها، ومن كل وعود أولمرت وبوش الواهية والتي لم تسفر إلا عن حصار قطاع غزة والتهام الضفة الغربية وتكريس انقسام الشعب الفلسطيني وتكريس الاحتلال والحصار. فالتاريخ وأنتم في خريف العمر سوف يسجل لكم أوعليكم، ونحن نريده أن يسجل لكم بكل تأكيد حتى تتواصل المسيرة نحو تحرير لوطننا العزيز الغالي فلسطين!

وبعد، فإن شعبنا الصابر المرابط يقول لرئيسه الشرعي المنتخب أبو مازن: هل ستسيرون كما قلتم وفق دعايتكم الانتخابية التي ذهبت إلى إنكم سائرون على خطى ياسر عرفات، الذي ما كان لهذا الانقسام في عهده أن يكون، ولو كان لما كان له أن يستمر، ولو استمر لما كان له أن يستشري كما هو الآن مستشر؟!.

التعليقات