26/01/2009 - 14:15

لا أمل بالعودة عن حال الانقسام!./ مصطفى إبراهيم*

لا أمل بالعودة عن حال الانقسام!./ مصطفى إبراهيم*
أبو محمد من منطقة عزبة عبد ربه شرق جباليا، هدم منزله ومنزل ابن عمه الذي اعتقل من قبل قوات الاحتلال، واستشهد ابنه في اليوم الأول للعملية البرية، وظل جثمانه تحت ركام المنزل حتى إعلان وقف إطلاق النار.
قال: "سنبقى صامدون على أرضنا مهما فعلت دولة الاحتلال من إجرام وهدم وتشريد وقتل، لكن من دون أن يجلس الطرفان المتنازعان "فتح" و"حماس" على طاولة واحدة وينهوا حال الانقسام فالعوض على تضحياتنا ودماء أبنائنا".

أبو محمد ليس الوحيد الذي يعلن صراحة أنه من دون إنهاء الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية، لن تقوم قائمة للقضية الفلسطينية، فمن دون التسامي على الجراح والبدء في حوار وطني شامل وجاد ينهي حال الانقسام والفصل السياسي، وإنهاء الحكومتين في شطري الوطن ستبقى حال الفلسطينيين على ما هي عليه من تشرذم وتعميق للانقسام.

ومن الواضح أيضاً أن دعوة أبو محمد وتمنياته بإنهاء حال الانقسام تتبخر كما هي الانجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية في القطاع والصمود الأسطوري للفلسطينيين على رغم شلال الدم النازف والدمار والخراب الذي خلفته دولة القتل.

استبشر الفلسطينيون خيرا بالتصريحات التي صدرت عن السلطة في رام الله بوقف التحريض ومنع التصريحات التي تعمق الخلاف، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، ومن أصدر القرار وصرح به هو من بدأ بخرقه عندما قام بتحميل حركة "حماس" المسؤولية عما جرى من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، ووصف المقاومة بأنها عبثية تجلب المصائب على شعبها، وهو من قمع ومنع المسيرات التضامنية والاحتجاجية ضد العدوان على غزة في الضفة، وكان المنع والقمع ليس للوصول إلى المقاطعة مقر الرئيس بل إلى المنارة أيضاً في مدينة رام الله.

وتوالت التصريحات العلنية والمبطنة ضد "حماس" وفصائل المقاومة، ووصل الأمر ببعض قادة حركة "فتح" بالتهجم على الجبهة الشعبية أثناء اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لمشاركة الأخيرة في مقاومة الاحتلال في غزة.

فالخلاف الدائر داخل السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية حول العدوان على غزة لم يرق إلى الحد الأدنى من المسؤولية الوطنية والأخلاقية، بالمقارنة مع حجمه وقسوته وقذارته الذي استهدف الكل الفلسطيني، ولم يستهدف فصيلاً دون سواه، فحركة "فتح" في رام الله بموقفها المتمثل سواء من عدم قيامها بالمظاهرات الاحتجاجية، واخذ زمام المبادرة للقيام بذلك بإشعال الضفة الغربية طوال أيام العدوان، أو وقف التنسيق الأمني، والإفراج عن المعتقلين السياسيين من حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى، كل ذلك قلل من صدقية حركة "فتح" في الشارع الفلسطيني، وبدد آمال كثيرين من أبناء "فتح" والفلسطينيين الذين شككوا في مواقف الرئيس عباس باستغلال العدوان للتوصل إلى المصالحة الفلسطينية.

فالمواقف التي حملت حركة "حماس" مسؤولية العدوان والتصريحات المشككة في المقاومة وصمود الفلسطينيين في القطاع عزز لدى كثيرين من الفلسطينيين أن هذا الموقف المتخاذل والشامت في حركة "حماس" أعطى الحق لدى حركة "حماس" بالتشبث بمواقفها من العودة للحوار وفرض شروط جديدة على الرئيس عباس والسلطة في رام الله.

ومما يؤسف له أن تلك التصريحات المبطنة والأحاديث الثنائية والأمل الذي كان لدى كثيرين من أبناء "فتح"، بأن العدوان سوف ينهي حكم "حماس" في القطاع، فقد صرح بعضهم هل انتهى العدوان وكل هذا الخوف والقتل والدمار من اجل أن تبقى حماس؟

الانقسام عميق والشرخ بين الحركتين يتعمق كل يوم وتزداد الهوة وتبعد المسافات بين الطرفين لأبعد مما نتصور، فالكراهية والحقد مخيف ويؤسس لعلاقات أكثر سوءاً وقتامه، ولا تبشر بخير وتبدد آمال الفلسطينيين بالعودة عن حال الانقسام، وباتت العودة إلى طاولة الحوار حلما لدى الفلسطينيين، وأصغر فلسطيني يؤكد أن حال الانقسام ستستمر وتتعمق خاصة مع الخلاف الدائر حول إعادة إعمار غزة.

انتهى العدوان على القطاع وخلف الاحتلال الدمار والخراب وعدد كبير من الشهداء والجرحى والمعاقين، ولم يقنع كل ذلك الحركتين بالنظر إلى الحال المأساوية للقضية الفلسطينية وحالهم اليومية مع الاحتلال وجرائمه المستمرة بحقهم.

ففي قطاع غزة صمد الفلسطينيون، ومع ذلك تم تحميلهم المسؤولية عما حل بهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وفجع الكثير منهم بفقده أغلى ما يملك من الأهل والأبناء والبنات والأخوة والأخوات، وحركة "حماس" استعجلت إعلان النصر وفيما لا يزال الفلسطينيون يلملمون جراحهم، وبعضهم لم يدفن شهدائه، ولم يعثروا على المفقودين منهم، ولم يجدوا المأوى لهم ولأبنائهم.

وبدلاً من طمأنة الناس على حالهم وممتلكاتهم وأبنائهم، ومشاركتهم همومهم وآمالهم، قامت "حماس" بأعمال لا تليق بحركة مقاومة، خاصة ضد أبناء "فتح" وأنصارها.

وتقول "فتح" إن "حماس" اعتدت على العشرات من أبنائها بالضرب والتعذيب وفرض الاقامات الجبرية والمنع من التنقل والحركة وخطف بعضهم وإطلاق النار على أرجلهم، ما تعيد إلى الأذهان فترة الاقتتال الداخلي، والقيام بأعمال مخلة بالأمن والنظام واخذ القانون باليد بحجج غير مقنعة وغير مبررة أخلاقياً وقانونياً.

والأخطر من ذلك أن عدداً من أعضاء "فتح" قتل، سواء عن طريق الخطأ كما يدعي بعض المسؤولين، أو بشكل متعمد، فحركة "حماس" تتحمل المسؤولية عن كل ما جرى من انتهاكات بحق أعضاء "فتح"، وهي مطالبة بالكف عن كل تلك الأعمال وعدم السماح لأي من عناصرها سواء كان القرار فرديا أو مستويات عليا، وتقديم المسؤولين للقضاء.

ومن أخطأ من أعضاء حركة "فتح" تتم معاقبته وفقا للقانون، فحركة "حماس" وحكومتها مسئولتان أمام المواطن في القطاع بالحفاظ على أمنه وسلامته الشخصية في أصعب الظروف سواء كان ذلك وضعا استثنائيا أو طبيعيا.

إن كل ما جرى من الطرفين يعزز حدة الانقسام وتعميقه، وبدا وكأن كل طرف يسعى للابتعاد عن الآخر وعن الاقتراب من المصالحة الوطنية الشاملة، واستغلال التضامن العربي والدولي مع المذابح التي وقعت في القطاع، والعودة للقضية الفلسطينية لتكون على سلم أولويات الملايين من البشر الذين تضامنوا معهم، إلا أن طرفي الصراع يصران على "قتل" كل بارقة أمل لدى الفلسطينيين بالعودة عن حال الانقسام.

التعليقات