23/09/2009 - 07:58

اعرف عدوّك .. وأخاك../ د.سليم الحص

اعرف عدوّك .. وأخاك../ د.سليم الحص
إن التخلي عن حق العودة في مقابل الأخذ بتسوية تقوم على توطين اللاجئين وتعويضهم إنما يعني فعلياً التخلي عن قضية فلسطين باعتبارها قضية أرض وإنسان. بهذا المعنى يكاد حق العودة يختصر قضية فلسطين.

من ذا الذي لا يعرف أن إسرائيل هي عدو لبنان والعرب؟ قلة قليلة جداً تُدرك موقع الكيان الصهيوني حيال الأمة العربية ولا ترى فيه عدواً. إلا أن عدداً متزايداً من المواطنين العرب يقرون بأن إسرائيل عدو للعرب ولكنهم لا يرون سبيلاً لاتقاء شروره إلا بمصالحته. من هنا أخذ العزف على وتر السلام يتزايد بلا هوادة، حتى بات الحديث عن السلام مع إسرائيل يخدش الآذان.

تجتاح الساحة العربية ما يسمى مبادرة السلام العربية، التي تبناها القادة العرب في قمة بيروت العربية عام 2002، وقد طرحت المشروع المملكة العربية السعودية. وأضيف إلى المشروع بناء على إصرار من رئيس جمهورية لبنان آنذاك العماد إميل لحود المطالبة بحق العودة. منذ ذلك الحين والألسن تلهج بمبادرة السلام العربية. إلا أن المبادرة لم تلقَ صدى عند إسرائيل.

المبادرة العربية للسلام ما كانت لتكون مقنعة لولا إضافة حق العودة إليها. فمن دون حق العودة تساوي المبادرة العربية نصف حل وليس حلاً كاملاً، فهي تدعو إلى عودة إسرائيل إلى حدود العام 1967. ولكن نصف الحل هذا يظل مقبولاً فيما لو كان ثمة إصرار على حق العودة كاملاً، أي لجميع اللاجئين وإلى كل فلسطين أي بما في ذلك الشطر الذي يسمى اليوم إسرائيل. ولكن الخشية من التفريط في حق العودة تبقى واردة في ظل واقع كثيراً ما نسمع فيه أصواتاً عربية تتحدث عن الاكتفاء بحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. والمقصود توطينهم وتعويضهم.

نحن نرى أن التخلي عن حق العودة في مقابل الأخذ بتسوية تقوم على توطين اللاجئين وتعويضهم إنما يعني فعلياً التخلي عن قضية فلسطين باعتبارها قضية أرض وإنسان. بهذا المعنى يكاد حق العودة يختصر قضية فلسطين. فحق العودة يفتح الباب أمام اللاجئين للعودة إلى ديارهم التي هجّروا منها في كل فلسطين، بما في ذلك الأرض التي احتلتها الدولة الصهيونية، وسيكون من شأن حق العودة بالتالي زعزعة الكيان الصهيوني: أولاً باعتبار أن معدل التكاثر بين العرب أعلى منه بين اليهود، ثم باعتبار أن مجرد تبدل أفق الأرجحية لصالح العرب سيحمل كثيراً من اليهود على الإقلاع عن الهجرة إلى فلسطين، ويحدو كثيراً من الذين تدفقوا إلى فلسطين في الماضي إلى الانكفاء والعودة إلى حيث كانوا.

اليهودي في فلسطين لن يكف عن كونه عدواً للعرب إلاّ في حال التوقيع على سلام عادل ينتج عنه إعادة توحيد فلسطين مع حفظ حق العودة لجميع اللاجئين إلى كل الديار التي هجروا منها في كل فلسطين.

هذه رؤية قد يستغرق العمل على تحقيقها وقتاً طويلاً. لقد مر على محنة العرب في فلسطين أكثر من ستين سنة، وقد يمضي أكثر من ستين سنة أخرى قبل تحقيق المبتغى.
في هذه الأثناء يبقى اللاجئون الفلسطينيون بين ظهرانينا.

هؤلاء ليسوا أعداءنا، بل هم أخوة لنا، قضيتهم هي قضيتنا ويربطنا بهم مصير مشترك. ولكننا في لبنان، وبمقدار أقل في أقطار عربية أخرى، لا نعامل اللاجئين الفلسطينيين على هذا النحو، بل نتعاطى معهم والعياذ بالله وكأنما هم من الأعداء. فالقانون اللبناني يحظر على الفلسطينيين ممارسة أكثر من سبعين مهنة، بما فيها مهن حرّة كالهندسة والطب والمحاماة. وحتى أبواب العمل التي لا تتطلب مهارة معينة مثل جمع النفايات وحراسة المباني هي من الممنوعات في وجه الفلسطيني. أما سائر المهن التي تستوجب مهارات خاصة، فالعمل في نطاقها يتطلب الحصول على تراخيص، ومثل هذه التراخيص لم يصدر إلا القليل منها.

ومما يذكر أن التشريع اللبناني يحظر على الفلسطيني مشترى أو تملك الموجودات العقارية، حتى أن النساء اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين يحظر عليهم أن يورثوا أي ممتلكات عقارية لأبنائهن. ومن مطالب الفلسطينيين الملحّة إعادة بناء مخيم نهر البارد بعد أن تعرض للتدمير. وهذا المطلب ما زال بعيد المنال لغير ما مبرر.

الحاجة باتت ماسة لإعادة النظر في أوضاع الفلسطينيين في لبنان وفي أقطار عربية أخرى بحيث يعطى هؤلاء حقوقهم الحياتية الطبيعية، وهي من بديهيات حقوق الإنسان بكل المعايير. إذا كان واجبنا القومي أن نعرف عدونا، وهو الصهيوني، فإن واجبنا القومي أيضاً أن نعرف أخانا وهو الفلسطيني. إن إعادة النظر في أوضاع اللاجئين الحياتية في لبنان هو من واجباتنا حيال أنفسنا. فصورتنا الحضارية أمام سائر شعوب العالم ستبقى شوهاء ما دام الفلسطيني في لبنان لا يعامل معاملة الإنسان المحفوظة كرامته.

أخيراً بعض اللبنانيين يختلط عليهم الأمر في حالة واحدة بين الصديق والخصم، هي حالة الإيرانيين. فإيران دولة تقف إلى جانب العرب قلباً وقالباً في مخاصمة إسرائيل ولا يعترف رئيسها أحمدي نجاد حتى في المجزرة التي تعرض لها اليهود في أوروبا في زمن هتلر والتي تذرّع بها يهود أوروبا في الهجرة إلى فلسطين. وإيران تمدّ يد العون المادي لفئات من اللبنانيين. مع ذلك يقف بعض اللبنانيين موقف العداء من إيران الدولة وينددون بمعوناتها بالقول إن وراءها مآرب. إن سياسة إيران المناهضة لإسرائيل والمحابية للعرب يجب أن تكون كافية لإسقاط إيران في منزلة الصديق الصدوق. وإنكار ذلك إنما يندرج في منزلة الجحود، عدم الوفاء.
"السفير"

التعليقات