23/09/2009 - 13:01

تقرير غولدستون - لو جد جد العرب والعالم../ نواف الزرو

تقرير غولدستون - لو جد جد العرب والعالم../ نواف الزرو
آن الأوان لمحاكمة جنرالات وساسة "إسرائيل" على اختلاف انتماءاتهم بتهمة اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين.

بل لعلنا نؤكد أن هذا الأوان قد آن منذ زمن طويل يمتد إلى نحو اثنين وستين عاما حين سطت التنظيمات الإرهابية الصهيونية على الوطن العربي الفلسطيني سطوا مسلحا في وضح النهار، وحين تسببت بالنكبة الفلسطينية عبر سياسات التطهير العرقي بركيزتيها المجازر الجماعية وتدمير المجتمع المدني الفلسطيني. والذي عطل محاكمتهم بالتأكيد ظروف عديدة لعل في مقدمتها الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل والهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على الأمم المتحدة.

وما بين ذلك الوقت والراهن المتحول، نرى أن المجتمع الدولي ما زال عاجزا عن ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة قضائيا ولنفس الأسباب.

ورغم ذلك العجز والانحياز الأممي المتصل لإسرائيل، إلا أن ظروفا جديدة أخذت تنشأ على ما يبدو، فهذا التقرير الأممي الذي يدين إسرائيل باقتراف الجرائم على إشكالها جاء مفاجئا لقادة إسرائيل الذين أخذوا يشنون حملات إعلامية ودبلوماسية مكثفة لاحتواء تداعيات التقرير و"قبرها" قبل أن تتفاعل كما أشارت مصادر إسرائيلية.

فعلى نحو غير متوقع يأتي تقرير غولدستون ليتحدث عن جرائم حرب وجرائم إسرائيلية ضد الإنسانية، بعد أن كانت صحيفة سويدية كشفت النقاب عن "قيام الجيش الإسرائيلي باستئصال أعضاء الشهداء الفلسطينيين والمتاجرة بها".

ثم تأتي نيكول غولدستون ابنة ريتشارد غولدستون رئيس اللجنة الأممية لتعلن "أن والدها صهيوني ويحب إسرائيل/ إذاعة الجيش الإسرائيلي /2009/9/17"، و"أنه خفف كثيرا من قسوة التقرير، ولو كان غيره لخرج التقرير أشد قسوة بكثير"، ورغم كل ذلك تقوم قيامة إسرائيل ولا تقعد.

فهاهو نتنياهو يصف التقرير بأنه "محكمة تفتيش نتائجها كتبت مسبقا"، وأنه يمنح جائزة للإرهاب، ويجعل من الصعب على دولة ديمقراطية أن تكافحه. وها هي الإدارة الأمريكية تقول: إن قراءة أولية للتقرير تثير المخاوف حول بعض التوصيات التي تضمنها.

ووزير العدل اسحق هيرتسوغ يقترح "تشكيل سلطة تتصدر الكفاح القضائي الإسرائيلي في الساحة الدولية، فإسرائيل تعيش اليوم معركة قضائية عسيرة تتآمر على شخصية وجودها، وعليه فإنه ينبغي لها أن تجند لكفاحها أفضل العقول القضائية تحت تصرفها".

ووزير الحرب الجنرال باراك يقول "هذا التقرير هو ذروة النفاق، هو يقلب الحقائق ويخلط بين الإرهابيين وضحايا الإرهاب، وهو لا يعطي فقط جائزة للإرهاب الذي حدث وإنما يشجع الإرهاب في المستقبل".

أما ليبرمان فيقول"إن اللجنة أقيمت لتحدد ضمنا أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم محددة مسبقا أيضا، وهدف التقرير هو تقويض صورة إسرائيل لخدمة أهداف دول لا ترِد في قاموسها اصطلاحات كحقوق الإنسان وقيم الحرب"، والمدعي العسكري الرئيسي للجيش الإسرائيلي، الكولونيل أفيحاي مندلبليط قال إن "التقرير منحاز ومتطرف بصورة خارجة عن المألوف ولا يمت للواقع بصلة".

يضاف إلى ذلك جملة واسعة من ردود الفعل الإسرائيلية المشابهة، فتلك الدولة لم تعتد على مدى عمرها اتهامها هكذا باقتراف جرائم حرب ومساواتها ولأول مرة بالضحية...!
فـ"شعبها شعب الله المختار"...!
- ودماء أبنائها اليهود نقية طاهرة ترقى على دماء الأغيار..!.
- وجيشها نظيف طاهر أنساني هو الأكثر أخلاقية كما يجمعون ويروجون...!
- وبلادها هي الأرض الموعودة لهم حسب أساطيرهم....!
فكيف يجرؤ غولدستون الصهيوني-حسب ابنته- على اتهامها بهكذا تهم من شأنها لو جد جد العرب والعالم والأمم المتحدة أن تجلب تلك الدولة بكاملها.. بجيشها وجنرالاتها وقادتها إلى المحاكم الدولية.

فالحقيقة الساطعة السافرة إذن- ونحن أمام تقرير غولدستون الذي يجرم جنرالات وقادة إسرائيل، أن ما جرى في غزة يرتقي إلى مستوى جرائمي مرعب أجبر غولدستون على إدانتهم، رغم انه يفرغ التقرير من محتواه بدعوتهم إلى تشكيل لجان تحقيق إسرائيلية –تصوروا!، للتحقيق بجرائمهم هم، وان لم يفعلوا فقد يحول التقرير إلى مجلس الأمن...!

حالة غريبة عجيبة لم تحدث من قبل...!
فكيف إذن يترك غولدستون هنا المساحة لإسرائيل المجرمة في أن تحقق في جرائمها؟
فالمحرقة كانت تبث من هناك.. من كل مدينة وبلدة وقرية فلسطينية في القطاع بالبث الحي والمباشر..!.
ومشاهد وصور جثث الأطفال والنساء والشيوخ والشبان الفلسطينيين المحترقين بالفوسفور الإسرائيلي دوت في أنحاء العالم...!.
والمدارس والجامعات ومؤسسات الأنروا والجوامع والمباني العامة المدمرة التي سويت بالأرض تماما لم تتأخر أيضا...!
الجميع شاهدها وتابعها بمنتهى الذهول والاستنكار...
- العالم لم يتحرك ولم يهتز..!.
- الأمم المتحدة كانت متفرجة ولم تستحضر مواثيقها وقوانينها وأدبياتها الأخلاقية الإنسانية لوقف المحرقة..!.

المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي كتب في هآرتس 17/9/2009 حول التقرير يقول: إن مجرمي الحرب يتجولون بيننا، عليهم أن يتحملوا المسؤولية وتلقي العقاب بناء على ذلك، هذا هو الاستنتاج الخطير الذي يتمخض عنه تقرير الأمم المتحدة المفصل"، مضيفا: طوال عام تقريبا ونحن نحاول الادعاء بأن الدم الذي أرقناه في غزة سدى هو ماء، تقرير بعد تقرير والاستنتاجات تتلاحق متشابهة بصورة تثير الجزع، حصار وفوسفور أبيض وتعرض للأبرياء وتدمير للبنى التحتية، جرائم حرب – هذا ورد في كل التقارير بلا استثناء، ولكن بعد نشر التقرير الهام والأكثر أهمية وخطورة منها جميعا، تقرير القاضي غولدستون تتحول محاولات إسرائيل للتملص إلى مشهد ساخر "، مؤكدا: "كانت هناك حاجة للإصغاء للمقابلة المثيرة للانفعال التي أجراها رازي باركائي مع نيكول ابنة غولدستون – حيث تحدثت بالعبرية عن الصراع النفسي الذي مر به والدها المقتنع انه لولا وجوده لكان التقرير اشد جسامة بأضعاف المرات –آن الأوان لتقديم الشكاوي ضد المتهمين".

فخلاصة التقرير والتقدير المدجج بالحقائق والأرقام و الاعترافات والشهادات العالمية والإسرائيلية إذن، إننا أمام مشهد مرعب يستحق أن تتوقف عنده الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها القانونية والإنسانية المختلفة، في الوقت الذي يتعين على هيئات المجتمع المدني وكافة المنظمات والهيئات الحقوقية في أنحاء العالم أن تتعاون وتنسق قضاياها وشكاواها ضد "إسرائيل" وجنرالاتها المتهمون باقتراف جرائم حرب لتقديمهم فعلا إلى محكمة الجنايات الدولية، فالمستوى الذي ارتقت إليه الجرائم والمحارق الإسرائيلية يستدعي ربما أن "تجلب إسرائيل-نفسها إلى كرسي المحاكمة و"الإعدام" السياسي والاجتماعي والأخلاقي على المستوى الدولي...!.

التعليقات