08/10/2009 - 09:58

سلطة أبو مازن... تجاوز مرحلة التفريط../ حنين زعبي

سلطة أبو مازن... تجاوز مرحلة التفريط../ حنين زعبي
لا يشكل موقف سلطة أبو مازن مجرد استمرار روتيني لنهج التفريط، وهو نهج له قوانينه أيضا، بل يعد قرار سحب النقاش على تقرير جولدستون تجاوزا لمرحلة جديدة، تستحق بدورها اسما ملائما لها. والإسم سيتجاوز هو الأخر مسمى "التفريط".

سلسلة التفريطات السابقة استندت إلى سياق سياسي واضح (بالإضافة إلى المكاسب الشخصية التي سيرتها)، وهو سياق الضعف أو الاستضعاف الذاتي، بعد إخراج المقاومة من الخيارات السياسية المقبولة على السلطة، وضمن مناخ عربي مهزوم، وضمن سياق دولي ضاغط ومستشرس ومعربد أحيانا على الضحية.

الحالة الآن مختلفة، مختلفة تماما. حالة الاستنفار الدولي لنقاش تقرير يصف إسرائيل بمجرمة حرب، هو سياق مغاير. نحن لسنا أمام حالة دولية تعربد على الضحية وتطالبها بالاعتدال، فنخر صاغرين، أو نستنكف راجعين ومطأطئي الرؤوس. نحن لسنا أمام حالة تجريم الفلسطيني على "إرهابه"، نحن لسنا حتى أمام حالة اعتدناها من مساواة الضحية بالمجرم، ومساواة الاحتلال مع النضال ضده.

نحن أمام اللحظة الأولى في التاريخ الفلسطيني بعد أوسلو، - لم تعادلها أيضا محكمة الجدار في لاهاي – والتي فيها يقف العالم لا لشيء إلا ليحاكم إسرائيل.

لقد كان كل التسويغ السياسي للتفريط السابق، المهزوم والمرفوض من شعب مناضل، هو أن "العالم ليس معنا"، و"لنكن واقعيين" و"نحن الضحية المتهمة (بفتح الهاء)". لقد كان كل التسويغ السياسي للتفريط السابق أن "موازين القوى لا تسمح"، لا تسمح بإجبار إسرائيل على إرجاع الحقوق، ولا تسمح بمعاقبتها على عدم إرجاع الحقوق. لكن عندما سمحت موازين القوى، بأن تقف إسرائيل بكامل جرائمها، كانت "ضحيتها" هي التي لم تسمح لها بهذه الوقفة.
قد تكون هذه الجريمة الفلسطينية بسحب تقرير جولدستون، استمرارا طبيعيا لسلطة تطلب من محتلها أن يقتل جزءا من شعبها، وأن يحكم الحصار عليه، لكنها استمرار فقط على المستوى الأخلاقي. أما في مستوى النتيجة السياسية، فإنها سابقة. طلب السلطة أن تزيد إسرائيل من قصفها على غزة، لا يغير في الواقع من شيء، فقد قررت إسرائيل أصلا أن تقصف، سواء حققت بذلك رغبة السلطة أم لم تحقق. والسلطة عندما أخرجت خيار المقاومة، وارتضت لنفسها دور الأمن الإسرائيلي على شعبها، أخرجت عمليا نفسها –وليس المقاومة- من دائرة التأثير والفعل السياسي. واعتقال المقاومين قائم إسرائيليا، سواء يلبي رغبات السلطة أم لا، وإن احتاج "لتعاون" فلسطيني لكي يكون بهذه النجاعة. السلطة بسياساتها المفرطة حولت نفسها للاعب غير فاعل سياسيا، لا في ضغطها ضد إسرائيل، ولا في ضغطها على إسرائيل ضد شعبها.

لكن طلب السلطة سحب تقرير جولستون، لا يقع ضمن هذا السياق. وهو خيانة لشعب، ليس فقط لأنه سلوك ضد الشعب، بل لأنه سلوك ضد مسار سياسي داعم لهذا الشعب، ضد مسار سياسي كان جاهزا لأن يعيد لقضيتنا موقع القضية العادلة، الذي تبوأته قبل أوسلو.

سلسلة التفريطات السابقة عكست ضعفا أمام إسرائيل، جريمة التفريط الحالية تعكس قوة وقحة تقف أمام دماء الضحايا، وفي وجه ذاكرة عائلات الضحايا، وفي طريق نضال شعب الضحايا.

لقد آن الأوان لفك ارتباط "فتح" مع السلطة ولإسقاط شرعيتها نهائيا. لقد أن الأوان لإسقاط كل شخوص السلطة، كل هؤلاء المشاركين في حفلة الكذب، والذين يحاولون إسقاط اللوم كل على الآخر. لقد منعت السلطة الفلسطينية العالم من محاكمة إسرائيل، وأمام ذلك لا يستطيع شعبها أن يتردد في إسقاطها ومن ثم محاكمتها.

التعليقات