09/10/2009 - 08:19

الداخل وشرعية قيادة السلطة الفلسطينية../ امطانس شحادة

الداخل وشرعية قيادة السلطة الفلسطينية../ امطانس شحادة
منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء والجولان في العام 1967، تغير تعريف "القضية الفلسطينية" من قضية سرقة وطن وتهجير أهلها الأصليين وقضية العرب، إلى مسألة تحرير أراض محتلة، ومشكلة ترسيم حدود في حالة سيناء والجولان، وأراض متنازع عليها في حالة الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا للعرف الإسرائيلي. هذا التحول أخرج البقية المتبقية من الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم في العام 1948 - وباتوا يعرفون بالفلسطينيين في إسرائيل- من معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني/العربي ومن حسابات الحركة الوطنية الفلسطينية بل ودولة إسرائيل.

جاءت اتفاقيات أوسلو وتداعيات أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية لتثير تساؤلا متواضعا وأكاديمي الطابع في بدايته، حول مصير الفلسطينيين في الداخل وحول تناقضات يهودية وديمقراطية دولة إسرائيل. من ثم رُمم التيار الوطني في الداخل وتنظم في إطار حزبي مبلور وبات يطرح رؤية ومواقف تطالب بتغيير مكانة الفلسطينيين في الداخل (الاعتراف بهم كأقلية قومية أصلانية ذات حقوق جماعية)، بل تناقش وتعارض في كثير من الحالات مواقف الحركة الوطنية الفلسطينية في مسألة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأصر على تحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية.

التساؤلات حول مكانة ومستقبل الفلسطينيين في الداخل بعد أوسلو والتحولات الجذرية في وعيهم السياسي والوطني، لم تقلق المؤسسة الإسرائيلية بداية. لكنها تحولت إلى كابوس مفزع مع مرور الوقت وتعاظم تأثير إعادة اكتشاف الفلسطينيين في إسرائيل لهويتهم القومية وإعادة فتح ملفات 1948.

هذه التحولات السياسية في عمق الوعي السياسي للفلسطينيين في الداخل بالتوازي مع تحولات داخل المجتمع الإسرائيلي وتبنية لإجماع سياسي ثقافي يميل للطرح المحافظ في المشروع الصهيوني، فضح أباطرة العنصرية الإسرائيلية الذين باتوا يمسكون بزمام المؤسسات الحاكمة في الدولة، وكشف عن عدائهم لكل ما هو فلسطيني.

السيرورة التاريخية التي وصفناها حتى الآن، تعزز عملية إعادة تعريف وضعية الفلسطينيين في إسرائيل من جزء هام من الشعب الفلسطيني إلى مركب أساسي في حل القضية الفلسطينية. خاصة على ضوء الخطاب الصهيوني وسياسات الحكومة المنتهجة حالية تجاه الفلسطينيين في إسرائيل والتي تقود إلى استنتاج أن الحكومة الحالية لن تكتفي بالإبقاء على الوضع القائم في ما يتعلق بوضعية الفلسطينيين في الداخل، بل سوف تحاول أن تفرض على الفلسطينيين وبواسطة القانون القبول بمواطنة تحت سقف الشروط الإسرائيلية، والتخلي عن الهوية القومية الجماعية ومطالب الحقوق الجماعية لأقلية وطن أصلية؛ منح الشرعية لدولة إسرائيل كدولة يهودية وقبول الادعاء الإسرائيلي أن تحقيق المطالب القومية للفلسطينيين في إسرائيل سيكون بواسطة حل دولتين لشعبين وإقامة دولة فلسطينية. وهذه الشروط موضوعة أيضا على طاولة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

في حال عدم رضوخ الفلسطينيين في إسرائيل لتلك الشروط، سيأتي التهديد بتبادل الأراضي أو السكان مع السلطة الفلسطينية، وفرض الاحتواء بواسطة قانون المواطنة وانتزاع اعتراف بيهودية الدولة من السلطة الفلسطينية (وهي التي تمثل الحركة الوطنية الفلسطينية).

مواقف الفلسطينيين في الداخل تجاه السلطة الفلسطينية وإدارتها للمفاوضات تحت هذه التغيرات عليها أن لا تنطلق فقط من مكانتنا كجزء من هذا الشعب وكونها تعبيرا عن موقف وطني أخلاقي يطالب بتصحيح الغبن التاريخي الذي حل بالشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية وفقا للثوابت الفلسطينية. موقفنا اليوم يجب أن يتحدد، بالإضافة إلى دعم الثوابت الفلسطينية، من منطلق أن أية اتفاقية تبرم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سوف يكون لها تأثير مباشر على الوضعية السياسية والقانونية للفلسطينيين في الداخل ويمكنها أن تحدد، إلى حد بعيد، سقف المطالب السياسية للفلسطينيين في إسرائيل، وبهذا تمس أية اتفاقية مستقبلنا ووجودنا بشكل مباشر.

يحق لنا التساؤل إذا، عن قدرة وشرعية رئاسة السلطة الفلسطينية الحالية على إدارة المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي بعد أن اتضح أنها مستعدة للتآمر مع المحتل بهدف الحفاظ على سلطتها وكسب بعض المكاسب العينية. وبعد أن تبين أن قيادات السلطة الفلسطينية قابلة للابتزاز الإسرائيلي نتيجة فسادها السياسي والأخلاقي وتصرفاتها وقراراتها وتعاونها مع إسرائيل.

فإذا كانت السلطة الفلسطينية قد أفشلت إمكانية إدانة إسرائيل دوليا ووصفها بمجرمة حرب، وشفعت لها في أزمتها، كيف يمكن أن تصلح هذه السلطة في التفاوض مع إسرائيل على قضايا اللاجئين والقدس والحدود؟ وكيف يمكن أن نصدق أنها تستطيع أن تقف صامدة أمام مطالب إسرائيل بالاعتراف بيهودية الدولة؟ أو أن ثمة احتمال أن ترفض السلطة الفلسطينية بتركيبتها الحالية تبادل الأراضي أو التبادل السكاني في حال فرضته إسرائيل؟

يمكننا التكهن على ضوء فضيحة غولدستون أن خبايا علاقات رجالات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل والأسرار المتبقية في جعبة المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية يمكنها أن "تقنع" رجالات السلطة بالتخلي عن الثوابت الفلسطينية.

من جانبنا، نحن البقية المتبقية في الداخل، يجب أن نقولها علنا، لا يمكن أن نمنح شرعية لأي اتفاق تتوصل إليه السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بل نرفض أن تستمر السلطة الفلسطينية بتمثيل الشعب الفلسطيني في نضاله لاسترجاع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، لأنها باتت تدور في فلك الجلاد والمحتل دون خجل.

التعليقات