14/11/2009 - 12:19

عنا وعن إيران../ أيمن حاج يحيى

عنا وعن إيران../ أيمن حاج يحيى
قرأت منذ أيام مقالة رائعة للدكتور عمر سعيد ناقشت المسألة الطائفية الشيعية السنية والتي بدأت تلقي بظلالها على ساحة الوطن العربي بثقل متزايد بالعقد ألأخير، آخذة بالتشكل لتكون محور الصراع العربي - العربي القادم، والإسفين الأخطر الذي يهدد بإعادتنا إلى ما قبل عصر العشيرة.

ولا يفوتنا أن المقالة قمة بالروعة من حيث السرد العلمي والتاريخي للأحداث والتداعيات، وتضع الإصبع على الجرح إلا أنها بنفس الوقت تفتح المجال للنقاش في عدد من القضايا والتي لا مفر من مناقشتها وبصراحة علمية من باب استجلاء حقيقة الأزمة، والتي سأسمح لنفسي ولمعلوماتي المتواضعة بمناقشتها من خلال هذه السطور.

ولكن في البداية أود أن أؤكد على موافقتي التامة على الرأي القائل إن الأنظمة العربية المحسوبة على أمريكا هي المعنية الأولى بتسعير الصراع الطائفي الشيعي السني خدمه للأهداف الأمريكية والإسرائيلية، وذلك لسببين أولهما هو عمليه استبدال للعدو الرئيسي للعرب ألا وهو دولة الاحتلال الإسرائيلية والاستعمار الأمريكي للمنطقة بعدو بديل هادفة من ذلك من تحويل الجهد العربي المناهض لهما باتجاه عدو آخر، وهو ما بات يعرف بـ"الخطر الشيعي".

والسبب الثاني هو التهيئة لاستخدام العرب كخزان طوابير في الصراع الأمريكي الإيراني بالمنطقة وقت الحاجة تحت ذرائع دينية مذهبية، مثلما سبق وحدث مع "المجاهدين العرب" في حرب أفغانستان، واستخدامهم كوقود لحرب باردة ضد الروس حرب دفع ضريبتها من دماء الشباب العرب الذين استغلتهم أنظمتهم أبشع استغلال.

إلا أن قولنا إن هذه الأنظمة هي المعنية الأولى بخلق هذا الصراع لا يعني أنه ليس هناك معني آخر بهذا الصراع وليس هناك مستفيدون آخرون منه ومشاركون في صناعته. وباعتقادي إن لإيران دورا رئيسيا بهذه اللعبة القذرة ولها ممارستها والتي لولاها ما وصلت الأمور لما وصلت إليه.

وللحديث عن إيران ودورها نعيد المشكلة إلى جذورها وهي مشكلة قومية بحتة، وليست طائفية وليس للطائفية
دور فيها إلا كستار وآلية لتحريك الأحداث.

وعند أي حديث عن إيران نصطدم برؤيتين متناقضتين بتعريفهم الدور الإيراني في المنطقة. فالرؤيا الأولى ترى بإيران العدو الأول للعرب والخطر الداهم غير القابل للتأجيل، لدرجة أنه يتم تقديمه على الخطر الإسرائيلي والأمريكي، ودوافع أصحاب هذه الرؤية أوضحناها، وفي أغلبهم أصوات مشبوهة من أبواق الأنظمة وأقلها مضلل.

أما الرؤية الثانية فتلك التي ترى بإيران رائد مشروع المقاومة والممانعة بالمنطقة والأمل الوحيد للعرب. وهذا بتقديري رأي في أغلبه رأي عاطفي يعبر عن رغبتنا وأملنا بحدوث هذا الشيء، وفي أقليته تبعي لإيران لأسباب تحالفية أو مذهبية طائفية. مع أني أرى أن إيران ليست بالتأكيد العدو الأول للعرب، وليست الخطر الأول، بل إن الخطير أن يخفض التناقض مع الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي ويصعد مع إيران، وبنفس الوقت إيران ليست ولا بأي شكل من ألأشكال رائد مشروع المقاومة والممانعة بالمنطقة، بل إيران دولة مؤسسات قومية عندها برامجها وأهدافها ومصالحها القومية والوطنية التي حددتها لنفسها، والتي تسعى لتحقيقها بشتى الوسائل والطرق مثلها مثل أي دولة مؤسسات جدية، وليست كدويلات العشائر العربية، والتي ينحصر أقصى طموح قادتها بأن تفوز دويلاتهم بمسابقة "ستار أكاديمي"، في حين أن إيران دولة بمعنى الكلمة وتتصرف وفق هذا التوصيف، وليس لنا إلا أن نتمنى أن تكون يوما ما دولة عربية تتصرف وفق هذا النمط.

وبالعودة للمسألة الشيعية السنية والتي من غير الممكن التطرق لها دون التطرق لإيران ودورها بتصعيد هذا الصراع، فالمسألة عند إيران ليس شيعة وسنة كما يخيل للبعض بل العرب وإيران، وما لتلبيس هذا الصراع باللباس المذهبي إلا من باب استغلال الشيعة العرب وتحويلهم إلى طابور خامس في الخاصرة العربية لتنفيذ مخططاتها بالمنطقة العربية، ولا ترى بالشيعة العرب إلا كوقود للمحرقة، ولا تتعدى نظرتها لهم إلا كما نظرت قديما إلى دولة العرب المناذرة بالعراق كامتداد لسياستها ونفوذها.

ولهذا الأمر أكثر من دليل وأبرزها قضية الأحواز. تلك المنطقة العربية الفاصلة بين إيران والعراق والغنية بالنفط والموارد الطبيعية والتي احتلتها إيران عام 1925، وأسقطت حكم الشيخ خزعل بها وضمتها إلى أراضيها. ورغم أن سكانها البالغ عددهم أكثر من ثمانية ملايين هم من الشيعة إلا أن كونهم من العرب الأقحاح جعلهم عرضة للقمع والاضطهاد والسيطرة على ثرواتهم وحرمانهم منها على مدى سني السيطرة الإيرانية على المنطقة. كذلك الصورة في العراق فالصدام ليس بين الشيعة والسنة كما يصور لنا بل بين حلفاء إيران من شيعة وسنة والعرب الرافضين لهذه التبعية. وفريق إيران بالعراق لا يقتصر فقط على الشيعة المعادين للسنة بل به تيار مركزي سني وهم الأكراد حلفاء إيران التقليدين وحلفاء إسرائيل التقليدين بنفس الوقت.

وكذلك الأمر في لبنان فالشيعة العرب المعارضين للتبعية الإيرانية مصيرهم معروف. وللمثال لا الحصر نستحضر حال الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لحزب الله والذي فصل وطرد من الحزب، وشنت ضده حملة عسكرية عندما تمرد على هذه التبعية، وقاد ما عرف بثوره الجياع عام 1997.

وقد فطنت إيران لهذا الاستغلال الممنهج للشيعة العرب أواخر الحرب العراقية الإيرانية بعد أن رأت أن نظام حزب البعث نجح بطرح الصراع مع إيران على أنه صراع قومي بين العرب والفرس، وعندما يكون الصراع قوميا كل يرتد إلى قوميته، وبالتالي نجح نظام البعث بضمان ولاء الغالبية العظمى من شيعة العراق بالحرب، مما دفع إيران إلى اعتماد أسلوب التثوير الطائفي على المستوى الشعبي لشيعة العراق، والذي تكلل بالنجاح عام 1991 عندما نجحت المخابرات الإيرانية مع قوات الباسيج المتسللة إلى الأراضي العراقية بتثوير أهل الجنوب العراقي، ودفعهم إلى الانقضاض على الجيش العراقي المنسحب من الكويت تحت الضربات الأمريكية، مما دفع النظام العراقي إلى القيام بحملة مضادة لقمع التمرد بالجنوب، والذي عرف بالانتفاضة ألشعبانية مخلفا آلاف القتلى من الطرفين ودمارا هائلا في المنطقة. وبهذا كان لإيران ما أرادت إذ انفتح جرح بين شيعة العراق والدولة العراقية لم يندمل حتى اليوم، وكسبت إيران ولاء شيعة العراق كردة فعل انتقامية على النظام.

وهذه السياسة ما انفكت إيران تحاول تكرارها في غالبية الدول العربية التي تضم شيعة، وهي غالبية دول الخليج تقريبا إضافة إلى اليمن ولبنان حيث تسعى إيران لخلق صدام بين الشيعة العرب ومجتمعاتهم ودولهم على خلفية طائفية لخلق حالة ردة طائفية عندهم، ويتحول ولاؤهم من وطني أو قومي إلى طائفي مذهبي.

وما يحدث في أغلب هذه الدول خير دليل، وأبرزها الحالة اليمنية وحرب الحوثيين، والتي تبعث على التساؤل عن الممول والمسلح لهذه الجماعة والتي تحارب الآن الجيش السعودي إلى جانب حربها ضد الجيش اليمني. ولعل متابعة قصيرة للإعلام الإيراني الألكتروني سيظهر مدى التعاطف الإيراني مع الحوثيين بل والتحريض في كثير من الأحيان. والأكثر ما يدفعك للتساؤل عن الأهداف الحقيقة للتمرد الحوثي فالأسباب المعلنة للتمرد بالكاد تقنع طفلا كمبرر لحرب طويلة وشرسة ومكلفة مثل هذه كالمطالبة بالسماح بجامعة زيدية أو الاعتراف بالمذهب الزيدي كمذهب رسمي إلى جانب المذهب الشافعي، فالرئيس اليمني نفسه ابن قبيلة حاشد كبرى قبائل اليمن من المذهب الزيدي الشيعي، وهو ليس سنيا وغالبية القبائل اليمنية، وحاشد أولها، مختلطة المذهب بين سني وشيعي منذ قرون. فما الذي أثار هذه النعرة الآن؟؟(حكم الزيديون الشيعة اليمن حتى عام 1962 حتى إسقاط حكمهم على يد الثورة الوطنية).

وهكذا هو الوضع في عشائر العراق فمن الصعب أن تجد عشيرة على مذهب واحد، فأغلبها مختلط بين شيعة وسنة بل إن البيوت مختلطة بين شيعة وسنة بسبب التزاوج البين - مذهبي.

وتاريخيا لم تشهد المنطقة العربية صراعا سنيا شيعيا منذ أواخر العهد العباسي. وآخر صراع سني شيعي شهدته المنطقة لم يكن للعرب دور فيه بل كان بين العثمانيين والدولة الصفوية بإيران بدايات القرن السادس عشر وحتى سقوط الدولة الصفوية أواسط القرن الثامن عشر. وللمعلومة نذكر أن إيران لم تكن دولة شيعية إلى أن قامت الدولة الصفوية عام 1521 على يد إسماعيل ميرزا متبعا مذهب صفي الدين الأرديلي والذي فرض التشيع على إيران بالقوة بعد استلامه الحكم، إلا أن هذا الحدث لم يكن له تأثير على طبيعة الصراع العربي الإيراني الممتد منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا، فهو صراع تقليدي فرضه التزاحم بالجوار والنوايا التوسعية من الطرفين أحيانا والنزعات القومية الشوفينية في أحيان كثيرة. وهو صراع منذ أن احتل الملك الفارسي كورش بابل أواخر القرن السادس قبل الميلاد ودمرها بمساعده اليهود المأسورين بها مقابل السماح لهم بالعودة باستيطان فلسطين، مرورا بالحكم الساساني الفارسي للمنطقة العربي حتى لجمه بمعركة ذي قار المجيدة عام 624م، حتى إنهائه تماما عام 636 م على يدي الفتح العربي الإسلامي للعراق. وحتى بعد فتح فارس وإنهاء الدولة الساسانية ودخول فارس الإسلام استمر الصراع العربي الفارسي، ولكن من خلال السباق على السيطرة على الدولة الإسلامية.

ولهذا الصراع شواهد كثيرة حسمت بالسيف أغلب الأحيان، مثل نكبة البرامكة بدايات القرن الثامن م، وقبلها قضية أبو مسلم الخراساني ومواليه، وبعدهما نكبة آل سهل زمن المأمون وغيرها من أوجه الصراع.

فإيران كانت ولا زالت ترى بالخليج العربي بحيرة فارسية بكل ثرواته يجب أن يكون خاضعا لها، وأن تكون المستفيد الأول منه إن لم تكن الوحيدة. وترى بالسيطرة العربية على الضفة الغربية من الخليج احتلالا عربيا يجب أن ينتهي بشتى الوسائل، وأن يعود الخليج فارسيا كما كان لحقبات طويلة. وهي ترى بالجزر المئة والثلاثين المنتشرة بالخليج امتدادا لأراضي الدولة الإيرانية بالرغم من أن كبرى هذه الجزر والتي تخضع للحكم الإيراني، جزيرة قشم، سكانها من العرب من قبائل القواسم مثل سكان الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة إيرانيا عام 1971.

أما عن كون إيران رائدة لمشروع المقاومة والممانعة في مواجهة المد الأمريكي فتلك لا تعدو عن كونها مجرد جهد إعلامي ناجح إلى حد ما. وما يحصل بين إيران وأمريكا هو تضارب للمصالح في ساحات معينه وتلاق لهذه المصالح في ساحات أخرى، وليس للممانعة أو المقاومة كنهج دخل برسم سياسة إيران تجاه إسرائيل وأمريكا. فإيران تصطدم مع الأمريكان في الساحة اللبنانية والفلسطينية، وتكاد تكون الداعم الرئيسي للمقاومة وفصائلها هذا صحيح، ولكن بنفس الوقت إيران داعمة و مشاركة للاحتلال الأمريكي والوجود الإسرائيلي في ساحات أخرى، وهي الساحة العراقية والأفغانية. ففي العراق ليس هناك لبس في الدور الإيراني كما يتصور البعض بل هو مشاركه بالاحتلال من خلال وكلاء إيران من فصائل ما سمي بالمعارضة الذين دخلوا العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، وكانوا أدواتها بتثبيت الاحتلال الأمريكي للعراق، وأبرزها حزب الدعوة وحزب الله العراق وجماعه مقتدى الصدر والمجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية وغيرها وغيرها. وكلها أحزاب دربت وسلحت ومولت إيرانيا ولا تتحرك إلا بأوامر إيرانية. وهي لا مجال للنقاش عن كونها أدوات للاحتلال.

كذلك التنسيق الإيراني الأمريكي الأمني المتناهي في العراق غير خاضع للنقاش. وهذا طبعا ليس رأيي بل موقف كافة فصائل المقاومة العراقية، والتي صنفت إيران كالدولة الثانية التي تحتل العراق بعد أمريكا. فأين نهج الممانعة والمقاومة هنا. وإيران لا تخفي دورها الاحتلالي بالعراق وتآمرها على عروبته ورغبتها في تقسيمه إلى دويلات طائفية، بل هي من فرضت سن قوانين تمكن قيام مثل هذه الدويلات.

أما في أفغانستان فإيران من سلح و مول قوات ما عرف بحزب الوحدة الشيعي في منطقه حيرات الأفغانية ذات الأغلبية الشيعية الناطقة بالفارسية، وهي من جندت كل القبائل الشيعية ووضعتها تحت إمرة قوات الشمال. وكانت هذه المناطق أول المناطق التي سقطت بيد الأمريكان بدون قتال وحتى أنهم أنفسهم لا يخفون هذا الدور. فقد صرح رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في 9.2.2002 "بأن القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها، وأنه لولا الجيش الشعبي الإيراني لغرقت أمريكا في مستنقع طالبان". إضافه إلى ما قاله ابطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق في نهاية أعمال مؤتمر الخليج في 15.1.2004 "إن بلاده قدمت الكثير من المساعدة في الحرب في العراق وأفغانستان، وأنه لولا بلاده لما سقطت بغداد وكابول". فأي ممانعة وأي مقاومة التي تناهض الأمريكان في جبهة، وتتعاون معهم في جبهة أخرى؟ إنها المصالح وتناقضها وتلاقيها وليس للممانعة والمقاومة غير الجانب الإعلامي الدعائي، وخاصة عندما يكون الحديث عن فلسطين.

هكذا هي الدول بالعالم ترى بالعرب قصعة طعام شهي تتزاحم عليها، كل يريد حصته، ورغم كل ما قدمته فاني لا ألوم إيران بل ألوم من قبل أن يكون قصعة يتزود بها الآخرون.

يبقى العربي سواء كان شيعيا أم سنيا أم مسيحيا أو من أي دين أو مذهب، مجرد وقود استهلاكي تستغله الدول المتربصة والأنظمة المتساقطة لاحتياجتها ومصالحها، وتجرنا إلى أين تريد بعناوين مضللة، فلا العربي السني تأبه له الأنظمة العربية المتأمركة، ولا العربي الشيعي تأبه له إيران، وكلاهما لا يرى بنا إلا أدوات لتنفيذ مخططاتهم، وهذه هي الحقيقة التي يجب ان تترسخ في أذهاننا.

وليس ما يحدث مستغرب وسط انعدام مشروع قومي عربي تلتف حوله قوى التحرر والمقاومة العربية في كافه أنحاء الوطن العربي. والأسوأ من كل هذا أن ننتظر نظاما عربيا رسميا أن يشرع لنا مثل هذا المشروع، ويقف مفكرونا ومنظرونا وقادة حركات المقاومة بين سندان التبعية بذريعة انعدام البديل وبين مطرقة الإحباط واليأس والاستسلام. فنحن أحوج ما نكون إلى مشروع قومي عربي يلبي حاجتنا نحن الشعوب العربية بالدرجة الأولى، ويتعامل مع الكل بناء على تعاملهم معنا.

ليس هناك أي ضير من التحالف مع إيران وتبادل المصالح معها، فما يقربنا إليها أكثر بكثير مما يبعدنا عنها، ولكن الضير بالتبعية لها وتنفيذ أجندتها وليس أجندتنا. التاريخ علمنا بأن من اعتقد بان استبدال الهيمنة البريطانية على منطقتنا بهيمنة ألمانية أبان الحرب العالمية الثانية آو التركية ببريطانية إبان الحرب العالمية الأولى هي رؤية فاشلة ولا تقودنا إلا من تبعية إلى تبعية، ولم توصلنا إلا إلى مزيد من الضياع والاضمحلال.

التعليقات