18/11/2009 - 14:50

خيار فلسطيني صائب../ فيصل جلول

خيار فلسطيني صائب../ فيصل جلول
ردت السلطة الفلسطينية بقدر وافر من الذكاء السياسي على الاستخفاف الأمريكي بها وبالتالي دعوتها لاستئناف المفاوضات مع “إسرائيل” والتخلي عن شرط وقف الاستيطان ومصادرة أملاك الفلسطينيين، علماً أن واشنطن كانت قد شجعت الرئيس محمود عباس خلال عشرة أشهر على التمسك بهذا الشرط.

وتمثل الرد في إعلان الرئيس الفلسطيني عن نيته التخلي عن الترشيح لولاية ثانية ولسان حاله يقول للمعنيين في “إسرائيل” وأمريكا إنه يرفض التلاعب بمصير شعبه، ولا يقبل بأن يعامل بطريقة غير لائقة وهو الذي التزم بكل الشروط المطلوبة منه في خارطة الطريق وما ترتب على هذا الالتزام من متاعب جاءته من كل صوب.

وإذا كان إعلانه الانسحاب يشكل ضغطاً جدياً على مجمل اللاعبين في هذا الملف بما في ذلك دول ما يسمى بـ”الاعتدال العربي” فإن الحديث عن إعلان الاستقلال يوسع هامش المناورة أمام عباس، وكأنه يقول لمن يعنيهم الأمر لقد طالت اللعبة أكثر مما ينبغي وحان الوقت للعبة أخرى متناسبة مع القانون الدولي ومع وعود أمريكية و”إسرائيلية” معلنة منذ العام 2005 مفادها أن دولة فلسطين ستقوم خلال عامين.

وإذا صح الإعلان عن استئناف المفاوضات الفلسطينية الفلسطينية بروح جديدة قد تفضي إلى رأب الصدع فإن عباس يمكنه ساعتئذ أن يعود عن قراره متسلحاً بوجهة سياسية مختلفة ستصطدم حتماً بالاحتلال وربما تفضي إلى انتفاضة جديدة تحت شعار الاستقلال ضمن حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967.

والحق أن لدى عباس حججاً طافحة إذا ما عزم على السير في هذا الاتجاه، أولها أن الإدارة الأمريكية الجديدة كما السابقة لم تلتزم بوعودها المقطوعة للفلسطينيين رغم “تضحيات” السلطة في كل المجالات.

وثانيها أن بنيامين نتنياهو اختير رئيساً للحكومة تحت شعار رفض الدولة الفلسطينية والاكتفاء بما يسميه “تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين” وعندما لفظ اسم الدولة الفلسطينية فإنه وضع شروطاً نافية لقيامها شأن الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية حصراً وبالتالي المغامرة بمصير ما تبقى من سكان فلسطين التاريخية، فضلاً عن رفض عودة اللاجئين إلى ديارهم والاحتفاظ بالقدس الشرقية، وقد نال الثناء الأمريكي والأوروبي على هذه الشروط.

وثالث الحجج القوية أن نتنياهو يتمسك بمستوطنات الضفة الغربية التي تطيح بكل أشكال الاستقلال الفلسطيني.

ورابع هذه الحجج أن الدول العربية تجمع على مبادرة السلام التي تشترط عودة الأرض إلى حدود العام 1967 والعرب سيقفون خلف عباس إذا ما قرر إعلان الاستقلال.

وخامسها أن “إسرائيل” لم تتخل يوماً عن أراض احتلتها بالمفاوضات.

وسادس الحجج أن تل أبيب كانت السباقة إلى اتخاذ إجراءات من جانب واحد عندما قررت الانسحاب من قطاع غزة ورفضت التفاوض مع قيادة رام الله.

وسابع هذه الحجج أن “إسرائيل” تطبق حرفياً منذ مفاوضات مدريد عام 1991 استراتيجية رئيس وزرائها الأسبق اسحق شامير الذي وعد اليهود في تصريح شهير بالتفاوض من أجل التفاوض عشرين عاماً، وها نحن نقترب من العشرين الموعودة.

وثامن هذه الحجج أن أكثر من نصف الوزراء “الإسرائيليين” في حكومة نتنياهو يأمل بتحطيم السلطة الفلسطينية وطردها من الضفة الغربية.

وتاسع هذه الحجج أن الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات فقد الثقة بوعود الاستقلال المرفوعة منذ عقد ونصف العقد، وبالتالي من الصعب أن يمنح الرئاسة الفلسطينية فرصة أخرى لمفاوضات عبثية أخرى.

وعاشرها، أن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال منذ العام 1965 باتت مهددة جدياً بخسارة موقعها لصالح المقاومة الإسلامية التي نجحت في استعادة جزء من الأرض الفلسطينية بواسطة المقاومة المسلحة، وخاضت حرباً ناجحة مع الصهاينة على أرض فلسطين للمرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني.

وفي هذا السياق ربما يجدر بالمقاومة الإسلامية في غزة أن تختبر جدياً عزم السلطة الفلسطينية على إعلان الاستقلال، وأن تلعب هذه الورقة بطريقة غير مباشرة من خلال إبداء المزيد من المرونة في المفاوضات المرتقبة وصولاً إلى تسوية وطنية يحتاجها الطرفان، ويحتاجها العرب والعديد من القوى الأجنبية المؤيدة للاستقلال الفلسطيني الحقيقي، علماً أن حماس ليست مضطرة للقبول بهذا الخيار مثلما لم تكن مضطرة للقبول باتفاق أوسلو منذ انطلاقتها المسلحة.

عندما انتخب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية كان انصاره يحتفلون به هاتفين “.. واحد اثنين واحد أبومازن أحسن واحد” ولعلهم كانوا يراهنون على وعد الاستقلال الذي رفعه، وربما يجدر به اليوم أن يغادر المسرح السياسي مخلفاً وراءه فريقاً مناضلاً من أجل هذا الوعد، أما إذا عاد عباس عن قراره فمن الأفضل أن تكون العودة مشفوعة بإعلان الاستقلال أي بـ”أحسن” الخيارات المتاحة لفريقه “شاء من شاء وأبى من أبى”.
"الخليج"

التعليقات