02/12/2009 - 09:50

تهان بائسة بالعيد../ رشاد أبوشاور

تهان بائسة بالعيد../ رشاد أبوشاور
عيد الأضحى لهذا العام بائس جدّا، لا فرحة، ولا بهجة، ولا أنس، ولا حميميّة.
الناس مُنطفئون، ليس في واحدهم همّة لرفع سمّاعة الهاتف، أو لطلب صديق أو قريب بالخلوي، ومخاطبته بوّد: كل عام وأنت بخير.. ثمّ بضع جمل حميمة، سؤال عن الأبناء والبنات، وصحّة الزوجة- المتصل صديق حميم، أو قريب بالدّم - و..لا شيء من هذا.

في أحسن الأحوال تتلقّى رسائل sms بكلام بارد لا حرارة ولا روح ولا حميميّة، رسائل جاهزة تُرسل لأي كان، تعمم على كّل المعارف، والأصدقاء، وزملاء المهنة، و..حتى رفاق النضال!

ما هذا ؟!
الناس كل واحد في ( حاله)، مشغول في لاشيء، منطفئ الروح، لا همّة، لاحيويّة، لا رغبة في التواصل.
ماذا جرى للناس؟!
هل أفسدتهم التكنولوجيا؟ في الأردن بحسب آخر الإحصائيّات خمسة ملايين مشترك في شركات الهواتف الخلويّة..تقريبا كل مواطن خلوي!
طبعا هناك مواطنون يحملون كذا خلوي، ومواطنون يعيشون في خلاء الوطن العربي كلّه، لا صلة لهم بالتكنولوجيا، فهم يعيشون في الريف المنسي، والصحارى، والفيافي والقفار.

وصلتني في هذا العيد كميّة كبيرة من الرسائل الخلويّة sms ، والحّق إنني لم أرد سوى على عدد قليل منها، ليس تعاليا حاشى لله، ولكن لأنها لا تعنيني، فهي لا تحمل أسمي، لا تلمس وترا في نفسي، لا تذكّرني بصديق بيني وبينه مشترك، أو قريب تجمعني به صلة الدّم!

هذه الرسائل ( الموّحدة) العبارات تدلل لا على عمق الصلة، ولكن على انفصامها وخفوتها، وأنها تلفظ أنفاسها، فمرسلوها لم يكلفوا أنفسهم عناء وضع اسم المرسلة إليه، ليعرف أنه يخطر على البال، وأن المُرسل يفكّر فيه، ويتمنّى له عيدا سعيدا، وأن يعود العيد القادم وهو وأسرته بخير!

هل صرنا جزرا معزولة، لا صلة تجمعنا، أم تراها التكنولوجيا قد عودتنا على اللامبالاة، وزرعت فينا أمراضا تبدد العاطفة، والشعور بالمشاركة، والرغبة في إدخال السرور إلى قلوب من يعنينا أمرهم؟!
أترانا مللنا الحياة في بلادنا العربيّة التي ليس فيها ما يسّر، والتي تُيبّس المشاعر، وتدفع الناس للانكفاء على الهموم الشخصيّة التي لا أفق للخروج من تحت ثقلها المنهك؟

في هذا العيد وقعت حرب (الكرة) بين سلطات مصر والجزائر، وما زالت نارها تتأجج، والنافخون فيها يشعلونها بالتحريض، وزرع الكراهية.
وفي هذا العيد صدمنا نبأ اقتصادي، ظاهريّا ليس لنا به صلة، مع أن لنا به صلة مباشرة لو تحرينا الأمر قليلاً: انكشاف الوضع المالي لإمارة دبي، والحديث عن مبلغ يصل 89 مليار دولار!
أف، لماذا كل هذا المبلغ الرهيب، على ماذا أنفق؟ وما جدوى ما أنفق عليه، وكم عدد مواطني دبي؟!

لست ضليعا في علم الاقتصاد، فالوظيفة البنكية التي شغلتها لسنتين كانت متواضعة، وقراءاتي الاقتصاديّة أيضا متواضعة، ولكنني أعرف بتواضع أن الصين لم تنهمك في بناء ( ناطحات) سحاب، ولكنها بنّت أرضية اقتصاديّة راسخة في الأرض، وليس على الرمال والملح.

أعرف مثلاً أن الصين أنشأت صناعات بعد أن درست الأسواق العالميّة، وهاجسها المنافسة، ولذا كانت خططها مبنية على العلم والمعرفة، فالسوق العالميّة ليست ناطحات سحاب، وبورصة عقارات، ومغامرات غير محسوبة هي في جوهرها مقامرات بنزق واندفاع وارتجال.

بلاد العرب الشاسعة فيها مجالات هائلة للاستثمار، والاستثمار الأهم في الإنسان، في ملايين الشباب الذين يمكن أن يكونوا ثروة منتجة متجددة دائمة تورث ماتراكمه لأجيال تستمر بعدها.

بلاد العرب منها السودان بأرضه الشاسعة الصالحة للزراعة، ومياهه الضائعة، وثروته الحيوانيّة الهائلة..فلماذا لا يُستثمر في الزراعة، ونحن أمّة تستورد القمح لخبزها من أمريكا التي تتحكم برغيفنا، وبقرارات دول (الفطبول) العُظمى؟!

بحار العرب غنيّة بالثروات السمكية، وأنا قرأت عن هذه الثروة التي تنهبها الجرّافات البحريّة اليابانيّة لقاء مبالغ زهيدة من مياه موريتانيا، وتصدّر إلى العالم، بينما يحرم الإنسان العربي منها؟

بلاد العرب!.. ولكن من يبني اقتصادياته وهو يفكّر في العرب وبلادهم؟! من باغتته الثروة، وانفجرت من تحته نفطا وغازا، يعتبر أن الثروة له وحده، وليس لأحد غيره من الأخوة الحسّاد والمتلمظين على مشاركته!

لا باس بخسارة 400 مليار دولار من الصناديق الخليجيّة السياديّة – هل السيادة أرقام في بنوك أمريكا ؟! في الأزمة المالية العالميّة الأمريكيّة أساسا، وكل الموانع في وجه أي توجه لإنشاء اقتصادات مثمرة مربحة في بلاد العرب، تشغّل الأيدي العربية العاملة، تنقذها من البطالة وتقرّب بين أبناء الأمّة الواحدة، وتجعل بلادنا قوّة اقتصاديّة وسوقا لنا، وليس للآخرين، وتضمن الربح والكرامة لمن يملكون الثروات.

الصين لم تكتف بأن عدد مواطنيها أكثر من مليار وأربعمائة مليون، فهي أصرّت على استعادة ( هونغ كونغ) وغيرها من الجُزر، وخططها الطويلة أن تستعيد فرموزا( الصين الوطنيّة)، وعندنا نمضي إلى الانقسام، والتجزئة، والسبب ليس تآمر أعداء أمتنا، وهم يتآمرون منذ عشرات السنين، ولكنهم من يواصلون بقصر نظر وأنانية العداء لأمتهم انطلاقا من مصالحهم الضيقة.

لماذا 19 مليون عامل أجنبي في دول الخليج؟ ماذا لو كانوا عربا من مصر، وسورية، والأردن، ولبنان، والمغرب العربي الكبير؟! لماذا يموت أخوتنا في البحار، وهم يغامرون بحياتهم من أجل لقمة الخبز، والعيش بكرامة في بلاد الآخرين؟!

نعم ، الأمر يهمنا، من حرب اليمن الأهلية، إلى حرب الفطبول المصرية الجزائرية، إلى الانقسام الفلسطيني بين طرفين يتصارعان على لاشيء.

ليعذرني من أرسلوا لي رسائل sms لأنني لم أرد عليها، فهي غير موجهة لي، وهي بلا روح ولا معنى ولا قيمة، مثلها مثل أيّام حياتنا، وهي لغة مكتوبة بأحرف عربيّة ولكنها بلا روح، ولا صدق، وليس فيها من نبض القلب وحرارته.

بعض الأخوة كتبوا رسائل طريفة مثل: أتمنّى أن يأتي العيد القادم وحال العرب أقّل سوءا...
فهل سيأتي العام القادم وحالنا أقّل سوءا وخزيا وخسارةً وفشلاً.. يا عرب؟!.. للأسف: هذا لا يتحقق بالأمنيات.

التعليقات