19/02/2010 - 13:40

الهلع../ رزان زعيتر*

الهلع../ رزان زعيتر*
دعيت إلى مؤتمر عقد في مكتبة الإسكندرية في الشهر الفائت، حول التنوع الحيوي في الوطن العربي وكيفية حمايته.

المحزن أنني عندما طلبت الكلمة لأتحدث عن تأثير الحروب على التنوع الحيوي في وطننا العربي، وهو محور نشاط منظمتنا، إرتجف رئيس مجلس إدارة المكتبة قائلا لي لاتسيسي المؤتمر، قلت دعني إذن أتحدث عن التنوع الحيوي في فلسطين وقد تحدثتم عنه في سوريا والمغرب و و و ......أكمل قائلا أنه سيقودنا هذا الحديث حتما لدهاليز نقاش حول الديمقراطية والإرهاب و.....و ... المهم إنني منعت من التعليق، وكنت قد أعلنت عن استغرابي كون اختيار الانجليزية لغة للمؤتمر مع أن الموضوع عن المنطقة العربية وتسع وتسعون في المئة من الحضور هم من العرب.

وأمس في مؤتمر التغير المناخي والأمن الغذائي، والذي كان قمة في الترتيب ورقي المحتوى، حمدت الله أن كانت هناك محاضرة حول الأمن الغذائي في الضفة وغزة، ولكم أن تتصوروا الأرقام والنسب المحزنة التي عرضت علينا، فقد بين المحاضر أن العدو الصهيوني قد دمر 57 ألف دونم في غزة بين كانون الأول 2008 حتى كانون الثاني 2009 وتشكل 29% من كامل المساحة الزراعية في غزة في سنة واحدة.

فطلبت الحديث، وأوصيت بأن تتبنى المنظمات الدولية التي نظمت المؤتمر إرسال بعثة تقصي حقائق لدراسة الوضع والضغط لإنقاذ الأمن الغذائي وموارد الغذاء في الضفة وغزة، فقيل لي في أروقة المؤتمر أن لاداعي لتسييس المؤتمر ولا ننصح بذلك.

وكنت قد طالبت أيضا بأن يسعى المحاضر في المرات المقبلة أن يعطينا فكرة أيضا عن الزراعة والأمن الغذائي لفلسطين في المناطق المحتلة عام 1948،خصوصا في النقب والجليل و الساحل، فهناك حاليا تصعيد إقتلاعيٌ جديد يهدد أمنهم الغذائي والوجودي أيضا. هذا عدا عن هدم البيوت والتجمعات السكانية للفلسطينيين الذين يحملون الجوازات الاسرائيلية.

ما نفع المؤتمرات إذا لم تهدف وتصب في مصلحة الأمة وتكون موجهة لتحقيق هدف أسمى نضعه نصب أعيننا كأن يكون لنا الحق بالحياة الكريمة كشركاء في هذا العالم، وليس كمُستعمَرين بالطرق الحديثة.

ثم متى كان الأمن الغذائي منعزلا عن السياسة، وهنا يحضرني أن سمو الأمير الحسن بن طلال و كان المتحدث الرئيسي قد أبدع في إبداء ما كنا نتمنى أن نعبر عنه، فقد تحدث عن الحروب وأثرها على التغير المناخي وتحدث عن سيادة الشعوب على مصائرها ومواردها. غير أنني خالفته الرأي بإستبدال مصطلح الشرق الأوسط بمصطلح غرب آسيا، وبما أن مجال المداخلات لم يفتح، فقد اقترحت عليه عندما خرج من القاعة أن نستعمل الوطن العربي كبديل، فلماذا يجب أن نخضع حتى في منابرنا لما يطرح علينا من مسميات"الشرق الأوسط"، "والشرق الأوسط الكبير"، "ووسكانا أي غرب آسيا وشمال أفريقيا"، "أو "وانا" أي غرب آسيا وشمال إفريقيا، أو "مينا" أي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا..... ومسميات عديدة يسمح باستعمالها جميعها عدا الوطن العربي، ما الذي يمنعنا من رفع سقف أحلامنا لنستعمل تعابير توحدنا ولو بالإسم. واذا كان المطلوب التعاون الاقليمي الفوق قطري فما يمنع ان نبدأ بتعاون عربي يلحقة غرب آسيوي ثم عالمي؟

قد يقول قائل إن الحفاظ على الأمن يتطلب الحذر، ولذا فإن كل قول أو عمل قريب أو بعيد له علاقة بإدانة الظلم الواقع على أمتنا من داخلها أو خارجها سيؤجج العواطف التي قد تثور دون سيطرة، أو قد تثير المدان فيحصل ما لا يحمد عقباه، ونقول إن هذا الحذر له عواقب وخيمة أيضا، فهو يسلبنا من وسائل مشروعة للدفاع عن حقنا في الحياة ومع مرور الوقت سيدجننا ويقتل إبداعنا. وعندما يوأد الإبداع في موضوع السعي لإحقاق العدالة فإنه يخفق في كل مجال لأن الإبداع لا يتجزأ وقمعه في مجال سيهلكه في كل مجال.

والخطر الثاني أنه عندما يهدد الأمن الوطني بصورة حقيقية من الذين لهم مصلحة في ذلك ونحن نعني العدو الصهيوني كما يحصل عادة ويحصل الآن في الأردن عبر تلميحات الوطن البديل تجد أن الشعب غير متأهب للدفاع بالطرق المتاحة ايضا، فقد كان المطلوب منه حتى هذه اللحظة هو فقط أن يعمل لأجل لقمة العيش وأن يحضرممثلوه مؤتمرات معظمها باللغة الانجليزية وبدون القدرة على أي تسييس أيضا.

لماذا يتبرع لنا أحدهم لإعادة زراعة الأشجار في فلسطين ويحذر أن يظهر اسمه مع المتبرعين؟ على ماذا سيدان؟ هل هذا الحذر مبرر؟ لماذا أصبحنا نتردد في بلدنا والعالم أن نؤكد حقنا في الحياة كريمة حتى ضمن الوسائل المتاحة إذا سعينا أن لا نتجاوز القانون المحلي والعالمي والأطر المتاحة عالميا، وحصرنا أنفسنا بالطرق العلمية الذي لا يختلف عليها اثنان. لماذا نساهم في قمع أنفسنا في أن نتنفس بعضا من الحرية المتاحة؟ من له مصلحة في منعنا من دعم زراعة أشجار يقتلعها الصهاينة أو أن يمنعنا بأن نضغط على المجتمع الدولي لتطبيق القوانين الدولية التي وافق عليها المجتمع الدولي في المؤتمرات التي يدعي اليها، من يجرؤ أن يدعي أن قلع الأشجار وتلويث المياه وردم الآبار ومنع الحصاد مسموح به دوليا. حتى العدو الصهيوني نفسه لا يجرؤ أن يدافع عن جرائمه بحق الموارد الطبيعة والبيئة، لما نقتل أحلامنا بأنفسنا، ونزيد من طأطأة رؤوسنا وإخفائها بالرمال ونخضع للحرب النفسية التي تمارس علينا منذ مئة عام. لماذا لا نرفع سقفنا بأيدينا وأيضا ضمن الوسائل المتاحة، يظهر لي أننا إذا لم نفعل ذلك فسنحرم على أنفسنا مستقبلا النطق بأي كلمة جميلة كالحرية والكرامة والنصر وحتى كلمة فلسطين قد تصبح مدعاة لجلب الخوف للقلوب، هذا الهلع غير المبرر والمتزايد بسرعة جنونية يجب أن يتوقف.

وكما قلت في مقال سابق فإن طاقة الغضب لن تفنى وستبقى كامنة، فلماذا لا يسمح لنا أو نسمح لأنفسنا بتحويلها الى عمل ضمن الوسائل المتاحة قبل أن ننفجر جميعا بالذبحة القلبية أو على الأقل بالبكاء المرير.

التعليقات