11/06/2010 - 08:43

مهمتنا الأساسية ساحة الجماهير العربية../ خالد خليل

مهمتنا الأساسية ساحة الجماهير العربية../ خالد خليل
مسألة العمل في الشارع الإسرائيلي محسومة من حيث المبدأ حتى بالنسبة للأحزاب العربية التي قطعت الأمل بإمكانية التأثير الحقيقي على المجتمع الإسرائيلي، باعتباره ينزع باستمرار نحو اليمين والعنصرية ومعاداة العرب كما تفيد معظم الاستطلاعات الإسرائيلية، التي سجلت أيضا ظهور ظاهرة التنافس على اتخاذ مواقف متطرفة تجاه العرب والقضية الفلسطينية.

وقد برز ذلك جليا في محاولات أعضاء الكنيست الإسرائيليين من كتل مختلفة، على اليسار واليمين، سنّ قوانين عنصرية ومنافية لأبسط القواعد الديمقراطية، إضافة إلى المساهمة في شن حملات التحريض على العرب وممثليهم في البرلمان مثلما حصل مع النائبين حنين زعبي ود.جمال زحالقة مؤخرا.

وقد امتدت هذه العنصرية لتشمل قطاعات شعبية واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي يقودها رعاع يشكلون خطرا فعليا على حياة الناس.

لا نختلف مع الداعين إلى العمل مع ما يسمى باليسار داخل المجتمع الإسرائيلي، إلا أنه من الخطأ الجسيم اعتبار مهمتنا الأساسية في التأثير على هذا المجتمع بهدف تغييره من الداخل، ليتسنى بالتالي إصلاحه بوصفنا جزءا منه. لا تكمن خطورة هذا الخطاب في كونه تزييفا صارخا للحقيقة وإيغالا في إيهام الناس بأننا مجتمع واحد في هذه البلاد وينبغي حل قضايانا على هذا الأساس، وإنما تكمن الخطورة تحديدا في الدور المعطل الذي يلعبه هذا الخطاب والتوجه فيما يتعلق بعملية بناء وتنظيم ذاتنا ومؤسساتنا ومرجعياتنا الجمعية بوصفنا مجموعة قومية تنتمي إلى شعب وأمة (ليست الإسرائيلية)، ولها خصوصياتها الثقافية والحضارية، وتعاني من تمييز عنصري صارخ، علاوة على العداء المستفحل ضدها من قبل الدولة والمجتمع في إسرائيل.

لقد هللت الجبهة الديمقراطية-حداش- كثيرا للمظاهرة العربية اليهودية التي جرت في تل أبيب يوم السبت الماضي، وكأن انجازا عظيما قد تحقق في الذكرى ال 43 لاحتلال الضفة والقطاع. وفي الحقيقة إن هذه المظاهرة التي أخذت زخما إعلاميا بعد اعتداء اليمين المتطرف عليها، تثبت مجددا هامشية اليسار في الشارع الإسرائيلي، حيث أن التقديرات المتفائلة (يديعوت) تشير إلى مشاركة 15 ألف متظاهر، في حين تشير تقديرات (هآرتس) إلى مشاركة 6 آلاف متظاهر.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار التجنيد القطري للجبهة إضافة إلى مشاركة ميرتس بشكل فعال مع حركات إسرائيلية أخرى، فان أيا من الرقمين أعلاه يؤكد صحة ما ذهبنا إليه بصدد هامشية اليسار الإسرائيلي.

لا نجافي الحقيقة إذا قطعنا أن العرب في إسرائيل ليس بإمكانهم القيام بمهمة تغيير المجتمع الإسرائيلي، حتى لو وافقوا على شعارات تساوي بين المجرم والضحية مثل المساواة بين معاناة أطفال غزة وأطفال شديروت، وحتى لو ساروا وراء العلم الإسرائيلي إلى جانب علم فلسطين كما كان بارزا في مظاهرة تل أبيب.

هم لا يستطيعون التغيير، أولا لأنهم عرب والمجتمع الإسرائيلي بغالبيته ينظر إليهم نظرة عداء وريبة، وثانيا لأن هذا المجتمع هو مجتمع كولونيالي ومستفيد حتى النخاع من الاحتلال، ولا شك أنه مستفيد أيضا من سياسة التمييز العنصري. وعملية التغيير إذا افترضنا إمكانية حدوثها في إسرائيل، فإنها لكي تنجح ينبغي أن تأتي من داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته، وإذا أصر المتأبطون لهذه المهمة أنهم جزء من المجتمع الإسرائيلي، فإننا نقصد المجتمع الإسرائيلي اليهودي تحديدا، وقد يكون من ضمنهم أعضاء الجبهة اليهود أيضا وكذلك المناضلون اليهود الذين تلاحقهم السلطات مثلما تلاحق الناشطين العرب. وما لم تنشأ حركة شعبية إسرائيلية واسعة معادية للاحتلال وللظلم والطغيان الذي سببه الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما لم تخرج الغالبية اليهودية من قوقعتها العنصرية، فإن الحديث عن التغيير يبقى ضربا من ضروب الوهم والهلوسة.

الخطير في الأمر أن اعتبار الشارع الإسرائيلي ساحتنا الرئيسية (كما تؤكد الجبهة على لسان رئيسها في كل حديث إعلامي) يعني أن ساحة الجماهير العربية ستبقى هامشية وان لجنة المتابعة (أعلى هيئة تمثيلية لنا) ستبقى أيضا هامشية ومشاريعنا النضالية الجمعية كذلك ستكون هامشية.

ولا يدور الحديث هنا عن مجرد تناقض شكلي، وإنما عن مواقف لها آثار عميقة على وحدة الجماهير العربية وتماسكها وحتى على مصالحها ومنجزاتها، لذلك ينبغي وضع حد للعبث بمصالحنا العليا وفتح حوار صريح يشمل جميع الفئات والقطاعات ووضع الأمور في نصابها بمشاركة جماهيرية تامة بما يضمن تجاوز المعيقات أمام تطور لجنة المتابعة كمرجعية سياسية تمثيلية للجماهير العربية، لأنه حتى وإن اختار طرف مثل الجبهة أن يركز نشاطه في الساحة الإسرائيلية، فلا يجوز له لعب دور المعرقل لإعادة بناء لجنة المتابعة، حيث بالإمكان فعل هذا وذاك إذا توفرت النوايا الحسنة والإرادة السياسية الصادقة، وباعتقادي النوايا الحسنة على الأقل في موضوع إعادة بناء المتابعة على أسس صحيحة موجودة عند غالبية أعضاء الجبهة، والشرط لتحول النوايا إلى إرادة سياسية مرتبط بفتح حوار نقدي وجاد داخل الجبهة ذاتها.

التعليقات