03/07/2010 - 09:54

إلى غسان كنفاني../ عصام اليماني

إلى غسان كنفاني../ عصام اليماني
بقلم: عصام اليماني
1)
عاد ملحق فلسطين للصدور. وتصّدرت العدد الأول ذات الافتتاحية التي خطها قلمك عام 1964 للعدد الأول من ملحق فلسطين الذي صدر عن صحيفة المحرر. هذه المرة ملحق فلسطين يصدر بمبادرة "صوت الذين لا صوت لهم" صحيفة السفير.

عاد الصوت يعلو ويعلو. كأن طلال سلمان سيبقى على دق جدار الخزان من الخارج، حتى يتحرر من داخله مضطرا. فبالنيابة عنك يا غسان، شكرا طلال سلمان.. شكرا للسفير..

2)
...منذ حصار نابليون لعكا وهزيمته قبالة سواحلها وجدرانها وعلاقتنا بالبحر والحصار يا غسان لم تنته. إنها تتجدد باستمرار.. عبر البحر رست مراكب الغزاة الجدد على شواطئ فلسطين ليأخذوا من "المحرقة" تبريرا لحرقنا. ومن موانئ مدننا الساحلية عام 1948 أخذتنا مراكب البحر مرغمين على اللجوء إلى لبنان وغزة. وعبر البحر تسلل إلى لبنان الجنرال باراك " شريكنا في السلام إلى لبنان ليغتال شاعرنا الجميل كمال ناصر ورفاقه. مقاتلون، حملنا البحر في بواخر ليرسو سلاحنا في موانئ العواصم العربية، وليعود السلاح ثانية متسللا عبر البحر إلى غزة. هذه الأيام يحمل البحر مراكب "الأجانب" في محاولة لفك حصارنا، بعد أن أغلق "الأخوة" آخر منافذنا". هكذا هي الأنظمة، منذ عهد أبو الخيزران، يحاصرنا الأشقاء مرة في خزان وأخرى عبر إغلاق المنافذ حتى لا نرى النور عبر "النفق المظلم". أحيانا قليلة، وخشية من الفضيحة، يضطر فيها الأشقاء لفتح المعبر.

3)
قاربت بطولة العالم لكرة القدم على الانتهاء، خرجت الجزائر، الفريق العربي الوحيد من دائرة المنافسة، وغاب العلم العربي الوحيد عن الأنظار. منذ البداية لم يتأهل الفريق التركي للمشاركة في بطولة العالم. تكوّن فريق من نوع آخر، يضم لاعبين جدد مثل اردوغان التركي، تشافيز الفنزويلي، واورتيغا النيكاراغوي، ونجاد الإيراني، وغالاوي الانكليزي وكيفن ناش الكندي ولولا البرازيلي، إنه فريق "منتخب الكرامة الدولي"، وفاز المنتخب الجديد بتأييد الشارع العربي. علم هذا الفريق يرفرف في المخيمات والمدن الفلسطينية وعواصم العرب. غاب العلم العربي. المفارقة يا غسان ان العالم بات أكثر تأييدا للفريق الفلسطيني، فبينما تطالب الصحافية العالمية هيلين ثوماس "اليهود بالعودة من حيث أتوا، وترك فلسطين لأهلها الاصليين"، يؤكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنه لن ينكر الحق التاريخي لليهود في أرض الميعاد. لذلك فهو يستجدي لنا جزءا من "أرض إسرائيل" نقيم عليها ما يشبه الدولة. ما زال عباس يراهن على "كرمهم".

4)
حنين الزعبي..لا تشبه دوف (عائد إلى حيفا) في شيء، خياراتها محددة وواضحة، لا لبس يعتري فلسطينيتها. ولدت في"دولة الكيان"، وترعرعت وسط عائلة فلسطينية، وعاشت وتصرفت باعتبارها من السكان الأصليين الذين تعرضوا للاحتلال، ونطقت بالعربية. حنين تقاوم عنصرية الكيان واستعماره لكل فلسطين، لا فرق عندها بين الناصرة وغزة وجنين، كل المدن الفلسطينية مدنها وكل الشعب فلسطيني شعبها، لذلك توجهت إلى غزة عبر البحر. صورتها هي ذات صورة فلسطين، ترفض أن يقال أنها "أخت الرجال" في عصر"أشباه الرجال". إنها أخت دلال، وشادية ورسمية وعائشة وليلي وسناء محيدلي .. كلنا حنين.. ولي شرف أن احمل يوما ما لقب "أخو النساء"..

5)
على مستوى آخر، أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان طرأ عليها تحسن ملموس وغير مسبوق من الزاوية القانونية والاجتماعية، فقد سمح لنا سامي الجميل ووالده أمين وسمير جعجع وزوجته استريدا ونعمة الله أبو نصر وتياره أن يكون لنا في لبنان وبشكل مؤقت "مرقد عنزة زغيورة"، نمارس فيها حقنا الإنساني في الأكل والشرب، وممارسة الحب والعشق، على أن نلزم حدودنا في ممارسة هذه الحقوق في إطار المخيمات. وأن نراعي موضوع التكاثر كي لا يؤثر على الواقع الديموغرافي اللبناني. كما منحونا حق التنفس من هواء لبنان العليل، والسباحة في البحر اللبناني وارتياد شواطئه والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة من أعلى قمم الجبال، والتزلج في منتجعات فاريا واستئجار الشاليهات والشقق المفروشة والاصطياف والاشتراك في شركات الهاتف الخليوي والأرضي والانترنت. كما سمحوا لنا أن نشترك مع أصحاب الموتورات الكهربائية، وقراءة الصحف وزيارة الأقارب في المناطق اللبنانية المختلفة، والهجرة من لبنان.

أما حق العمل، وحق الاستفادة من الضمان الاجتماعي والصحي مقابل ما ندفعه من رسوم، وحق تملك منزل وتوريثه، فهذه أمور ثانوية جدا يمكن الاستغناء عنها باعتبارها من كماليات الحياة و ليست من ضرورياتها.

6)
في ملاحظة أخرى، لم نعد نسمع شيئا عن أو من "الرفيق اليساري الديمقراطي" اليأس عطا الله. ممكن أن يطل علينا في آذار القادم، ليؤكد على انجازات "ثورة الأرز". الأرز يا غسان يتآكل ويموت واقفا نتيجة التلوث البيئي. بمناسبة الحديث عن الرفيق اليساري والتلوث، برزت ظاهرة التلوث السياسي اليساري العربي. فقد تحول عدد كبير من "القادة اليسراويون" إلى سلعة تباع وتشترى في سوق "العولمة". فبدل أن يكون هؤلاء "القادة" لسان حال الثورة وقضايا العمال والفلاحين والنضال المطلبي، باتوا لسان حال "الطبقة السائدة" والرأسمال العربي. "يسراويو" لبنان، باتوا موظفين بصفة مستشارين في المؤسسات السياسية والإعلامية و"الإنمائية " التي يملكها الملياردير اللبناني "الذي ورث رئاسة الحكومة اللبنانية إضافة إلى إرثه الشرعي".

"يسراويو" فلسطين أصبحوا مستشارين لدى سلام فياض، رئيس حكومة السلطة الفلسطينية الموثوق جدا من البنك الدولي والدول الأوروبية، ومنظرين ومبررين لسياسة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" وأسلوبه التفاوضي الفذ، ومطبلين "للمنقذ الوطني الملياردير الفلسطيني" الدكتور منيب المصري". (أيامك يا غسان كان يطلق على أصحاب الثروات لقب "مليونير". بمقاييس أثرياء اليوم، المليونير لا صوت له). وفي العراق، شيوعيون سابقون يعملون مستشارين لأدوات الاحتلال الأمريكي، احدهم رفع دعوة قضائية ضد مجلة الآداب وناشرها سماح إدريس. يساريو الأمس هم مدراء المؤسسات الممولة من الاتحاد الأوروبي و الـ US AID، يعتاشون من "مضغ" قضايا التنمية والديمقراطية وحقوق المرأة والطفل والسلام. رغم ذلك، فهنالك من يقاوم التلوث. كنت تمنى لو اتلو عليك بعضا مما يكتبه مكافحو التلوث السياسي والثقافي أمثال مريد الرغوثي، وسماح ادريس، وعزمي بشارة، ورشاد أبو شاور وامجد ناصر وزكريا محمد وفواز طرابلسي والعربي الغاضب..

7)
غسان.. الأمور في الضفة الغربية مستقرة، الأمن متوفر للجميع.. فبالإضافة إلى جنود الاحتلال الذين يحاربون "الإرهاب الفلسطيني"، هنالك شرطة دايتون ـ فياض لمكافحة شغب الفلسطيني. الأهم من ذلك لا يجرؤ سائق فلسطيني على قيادة سيارته دون وضع حزام الأمان.. إنجاز حضاري عظيم يتغنى به الرئيس الفلسطيني.

8)
في 30/6/1968، كتبت يا غسان مقالتك الساخرة "إنقاذا لكرامتنا الفنية المهدورة، مطلوب ماوتيسقار فورا". ما زالت كرامتنا مهدورة ويمعن المنتجون الفنيون في إهدارها، فبدلا من أغنية "لبس الجلابية وعوج الطاقية" و"قوم تنلعب باصرة والشاطر ياخذ باصرة"، ظهرت أغنية "أنا بحبك يا حمار" و "بوس الواوا" و"الواوا أح" و "العوعو"، وأعيد توزيع اغني "أغنية العتبة كزاز والسلم نايلون بنايلون". الجديد في الموضوع أن "الفيديو كليب" الذي يحاكي الغريزة الجنسية بات هو الأغنية.

9)
احمد سعادات "أبو غسان" الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما زال معتقلا. وينتظر الرفاق إتمام عملية تبادل الأسرى التي تقوم بها حركة حماس. المطلوب أكثر من الانتظار. المطلوب أخذ المبادرة.

10)
طارق، ناديا، رفيف، جمال وغيرهم العشرات من جنسيات مختلفة وممن ولدوا في المغتربات يقرأون رواياتك وقصصك القصيرة المترجمة للغة الانكليزية. غسان.. أنت من تبقى لنا، وسنعود يوما مع أم سعد إلى حيفا وسنستمتع ببرقوق نيسان في ربيع فلسطين.. وسنحقق من جديد لمعرفة من قتل ليلى الحايك.. ولن تتكرر مأساة أسعد ومروان وأبو القيس.

التعليقات