26/07/2010 - 10:14

صيف لاهب../ بسام الهلسه

صيف لاهب../ بسام الهلسه
*صيفٌ لاهبٌ يجتاح العالم: قارات، ودول، وأمم تعاني وطأة الحر الشديد. تصرخ.. لكن صراخها يتبخر ويتطاير في الفضاء الشاسع تماما كما تتبخر الارض ويجف سطحها وجوفها معا.

وإذ تتمكن الفئات الثرية من تدبر أمورها -على نحو أو آخر- في الحر كما في البرد، لا تجد أغلبية الطبقات الشعبية، وبخاصة الفقراء، ما يُعينها على مواجهة الطبيعة الغاضبة واحتمال مزاجها الضاري.

ما من خطيئة ارتكبها هولاء الفقراء سوى أنهم وجدوا أنفسهم عالقين في وضع عسير صنعته أنظمة سياسية، واقتصادية-اجتماعية، لم يستشاروا فيها. أنظمة، جرت صياغتها وتدور آليات عملها على نحو يقصيهم باستمرار الى الهامش: هامش القرار، وهامش الرعاية والاهتمام، وهامش الحياة..

والمكان الوحيد الذي يكونون في مركزه دائما هو: الاستغلال، والاستدعاء بين الحين والآخر عند حاجة الاسياد الى استخدامهم.

* * *
لم تنقلب الطبيعة فجأة، ولا هي فعلت ما فعلت من تلقاء ذاتها.

فمنذ عقود والعديد من العلماء والباحثين والنشطاء، يتحدثون عن الاختلال البيئي. يحددون أسبابه، ويحذرون من عواقبه.

لكن أصحاب الشأن- من الحاكمين والمالكين- لم يروا أن هذا شأنهم. فشأنهم المعتاد و"الطبيعي" هو مراكمة السلطة والثروة، وهم أبعد ما يكونون اهتماما بما يلهيهم عنه.

* * *
ما حدث للطبيعة من تحولات، هو النتيجة المحتومة للفلتان والفوضى التي تحكم عمل الرأسمالية وتسيِرها. ليس فقط في عهدها الحالي المسمى عولمة، ولا في عهدها الإمبريالي والاحتكاري، بل ومنذ عهدها الفتي: عهد رأسمالية المنافسة والمزاحمة، التي أباحت لنفسها انتهاك كل الحرمات ما دامت تحقق الأرباح. والأرباح كما نعلم هي الإله المعبود الحقيقي للرأسمالية، الذي تقدم لأجله الأضاحي والقرابين من كل نوع، فكيف بالطبيعة التي هي مجرد "مواد" في حساباتها؟

* * *
منذ الثورة الصناعية لاحظ علماء الاقتصاد السياسي ومصلحون اجتماعيون وأدباء وفنانون، الويلات الاجتماعية والأضرار البيئية التي سببها أسلوب العمل الرأسمالي. ولم تكن أشعار ولوحات وموسيقى الرومانسيين سوى زفرات شاهدة على تلكم الأحوال المريرة.

ولعلنا نجد في روايات تشارلز ديكنز ما يُذكِرُ بتلك الأحوال، التي لم يجر إصلاحها وتحسينها إلا بفعل نضال الطبقات الشعبية، وتحت ضغط الأزمات الدورية المتلاحقة للرأسمالية، وبخاصة بعد ظهور بديلها الاشتراكي، الذي أجبرها التنافس والصراع معه على إدخال تحسينات على نظامها.

لكن العالم غير الصناعي-آسيا, إفريقيا، اميركا اللاتينية- ظل ميداناً مفتوحا للدول والشركات الرأسمالية تمارس فيه ألعابها الرهيبة: استعمار الارض، واستغلال البشر، واكتساح الطبيعة ومواردها التي سخرتها بشراهة همجية كمواد أولية لصناعاتها المتنامية. فجردت معظم بقاع العالم من غطائها النباتي، واستغلت مياهها حتى نضبت أو كادت. وقضت بلا رحمة على العديد من أحيائها البرية والمائية.
أما التلوث الناجم عن الصناعة، وعن مخلفاتها وطرائق استخدامها، فهو معروف للمتابعين بفضل النقاش الواسع الذي تناوله في مختلف أرجاء العالم في العقود الأخيرة.

* * *
فوضى وعبث الشركات والدول الصناعية، هما المسؤولان عن اضطراب الطبيعة وهيجانها. وتغليبها لمصالحها الأنانية الخاصة، هو العائق أمام التوصل الى توافق دولي يواجه المشكلة ويتبنى حلها.

ورغم تزايد الحكومات والهيئات المهتمة للأمر، إلا أن المعالجات التي تم تبنيها حتى الآن ما تزال دون المستوى المطلوب. والمتابع للمداولات الجارية حول الموضوع، يعرف أن الولايات المتحدة بالذات هي الرافض الأكبر للحلول المقترحة، مع أنها أكبر المتسببين في المشكلة، فيما تدفع نحو إلقاء معظم أعبائها وتكاليفها على الآخرين، وبخاصة الدول الفقيرة. وفي حال استمرار الوضع على ما هو جارٍ، فإن اضطراب الطبيعة والكوارث البيئية، ستتواصل وتزداد مخاطرها.

أما المعالجات المقترحة، التي تراوح أغلبيتها في نطاق مصالح الدول الكبرى والشركات الاحتكارية، فلن تفيد كثيرا..
فالفيضانات لا تُغرف بالدلاء.
والحرارة اللاهبة لا تصدها المظلات.

التعليقات