27/07/2010 - 13:26

عِلم الدولة الفلسطينية.. عند الله والراسخين في العلم../ د. معمر فيصل خولي*

عِلم الدولة الفلسطينية.. عند الله والراسخين في العلم../ د. معمر فيصل خولي*
ما زالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعاني من وهن سياسي تراهن على المفاوضات اللانهائية سواء كانت مباشرة أو حسب الاختراع الجديد غير مباشرة، كخيار استراتيجي للوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة.

وربما نسيت أو تناست تلك القيادة بأن قبولها للاشتراطات الصهيونية الأمريكية منذ بداية العقد الأخير من القرن المنقضي، لبدء المفاوضات مع الصهاينه قد بدد حلم إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ومن جملة تلك الاشتراطات التي أجهزت على الحقوق الفلسطينية الثابتة، إعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة أراضي متنازعا عليها وليست محتلة.

وهي بذلك تبنت التفسير الصهيوني للقرار 242، لذلك لا نجد في اتفاق أوسلو أي إشارة الى مصطلح الاحتلال، أو معاهدة جنيف لعام 1949، أو السيادة الفلسطينية، أو أي عبارة تشير الى إمكانية قيام الدولة الفلسطينية.

فالصهاينة لم يكتفوا باحتلال 78% من فلسطين التاريخية، بل أرادوا منازعة الفلسطينيين على ما تبقى منها. فلم تمنعهم أوسلو من مواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وإمدادها بشبكة بنية تحتية من الطرق التفافية لتمكين المستوطنين من السفر بين المستوطنات من دون المرور بالمناطق المأهولة بالفلسطينيين، والكهرباء، والماء، وخطوط الهاتف اللازمة لإدامتها. فالصهاينة برعوا في اختيار المواقع الاستراتيجية لبناء تلك المستوطنات.

وهو ما جعل من حدود الرابع من حزيران مختفية بسبب تلك الممارسات، الأمر الذي يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة، ومع هذه النهج الاستيطاني يفقد شعار الأرض مقابل السلام أي معنى.

ومن أجل إقامة الدولة الفلسطينية وافقت القيادة الفلسطينية على تأجيل مفاوضات ما اصطلح عليه بقضايا الحل النهائي إلى بداية السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية، ويبدو أن الصهاينة يمتازون بسياسة التأجيل المتبعة منذ عام 1949، فقد أجلوا تنفيذ قرار 194 المتعلق بحق العودة، لحين يصار الى عقد تسوية شاملة مع الدول العربية! وهذا ما لم يحدث فما زال اللاجئون مشردين.

أما الامتياز الاخر فقد منحهم إياه اتفاق أوسلو عام 1993، فهو لم يؤجل البحث في قضية اللاجئين، وإنما أيضا قضية الاحتلال، المستوطنات، القدس، المياه، الحدود الدائمة، فالحكمة من التأجيل وفق منطق أوسلو مفادها أن الاتفاق المرحلي والمؤقت قد يبني الثقة بين الطرفين، وهو ما أثبتت الأحداث اللاحقة عدم صحتها.

حيث وقعت القيادة الفلسطينية أسيرة سياسة الإغراق في التفاصيل الجزئية بهدف تحويل الاهتمام عن قضايا الحل النهائي. ومن معالمها فرض وقائع على الأرض، منها تدمير بنية السلطة الفلسطينية على خلفية الانتفاضة الثانية في عام 2000، ومطالبة القيادة الفلسطينية العودة الى ما قبل اندلاعها، وبناء الجدار العازل، ومصادرة الأراضي الفلسطينية لتطويق الفلسطينيين في كانتونات أضيق داخل الضفة الغربية، وإقامة المئات من نقاط التفتيش الدائمة والمؤقتة، وأخيرا سياسة الطرد المتبعة مع أبناء الضفة الغربية والقدس الشرقية. ولتسوية تلك الوقائع قد يحتاج المفاوض الفلسطيني الى عقود وعقود من الزمن للتفاوض والنتيجة حصاد خاو كقبض الريح.

أما موافقة القيادة الفلسطينية على نبذ الإرهاب، والإرهاب هنا يعني النضال الفلسطيني، فهو من الكوارث التي تعيشها القضية الفلسطينية، فمن المؤسف وصف المناضل بالإرهابي، والمدافع عن حقوق وطنه والذي يبذل روحه من أجله بالمخرب.

فقد قامت السلطة الفلسطينية المنبثقة عن أوسلو بمحاولة قمع تيار المقاومة، وهذا ما تفعله حاليا السلطة في الضفة الغربية، لتعزيز نظام الاحتلال الصهيوني.
في حين جاءت موافقة القيادة الفلسطينية على إجراء المفاوضات خارج إطار الأمم المتحدة بالمصيبة المضاعفة، فهذا يعني غياب مرجعية قانونية محددة للمفاوضات.

وهنا علينا القول إنه منذ عام 1948 صدر عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات، تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حق العودة، وإنهاء احتلال عام 1967، وتفكيك المستوطنات والتعايش السلمي على أساس الدولتين تعيشان جنبا الى جنب، وهي قرارت أهملتها القيادة الفلسطينية في حين أنها شكلت الأساس القانوني والقضائي للقضية الفلسطينية، كما شكلت إطارا رسمه القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني للتعامل معها.

وبهذا الإهمال أيضا قدمت القيادة الفلسطينية خدمة للصهاينة الذين يدركون بأن مشاركة الأمم المتحدة للمفاوضات ستكون لصالح الحل العادل، أما تنازل الجانب الفلسطيني عن ضرورة مشاركتها يعني تنازلا تلقائيا عن الحقوق الفلسطينية.

ومن مفارقات أوسلو العجيبة، تم سحب التصويت السنوي على قرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 11-12-1948، الذي قرر حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم وتعويضهم عن خسائرهم.

ومن المفارقات أيضا في الوقت الذي ترعى فيه الأمم المتحدة المفاوضات بين جبهة البوليساريو ومملكة المغرب للتوصل لاتفاق إما على صيغة حق تقرير المصير للصحراويين أو حكم الذاتي الموسع تحت سيادة المغرب، تعقد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية حليفها وحاميها الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لا تملك مقومات الراعي النزيه، لكي تضطلع بهمة السلام التي تزعمها لنفسها، وتاريخها شاهد على تحيزها.

بعد كل هذه التنازلات الكارثية من قبل القيادة الفلسطينية، فمن الطبيعي القضاء على فكرة نشوء الدولة، والممارسات الإسرائيلية على أرض الواقع أكدت على ذلك. فهل من المتوقع قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟

بعد اتفاق حزب العمل والليكود في كانون الثاني 1997، على رفض السيادة الفلسطينية، ورفض إزالة المستوطنات، ورفض التفاوض حول وضع القدس، ورفض عودة اللاجئين، ورفض تفكيك الاحتلال، تبني الجانب الفلسطيني دبلوماسية بلا ركائز، ودبلوماسيين بلا التزام، ومبادرات بلا ضوابط، ومفاوضات بلا مرجعية، وتنازلات بلا حدود، ومفاوضين بلا معتقدات، تكون النتيجة مفادها أن علم الدولة الفلسطنية عند الله والراسخين في العلم.
"القدس العربي"

التعليقات