31/07/2010 - 10:39

المفاوضات المباشرة :انتحار سياسي../ هاني المصري

المفاوضات المباشرة :انتحار سياسي../ هاني المصري
أعطى قرار لجنة المتابعة العربية بالموافقة المبدئية على الانتقال للمفاوضات المباشرة "الضوء الأصفر وليس الأخضر" للرئيس محمود عباس لأنه ترك تقدير الموقف النهائي واتخاذ قرار المشاركة بهذه المفاوضات من عدمه له لاتخاذه في الوقت المناسب.

فلجنة المتابعة العربية لا تريد أن تغضب الإدارة الأميركية برفض توفير الغطاء العربي للقيادة الفلسطينية، فأعطت نصف موافقة، ولا تريد بنفس الوقت تحمل المسؤولية عن هذا القرار، فأعطت موعد تنفيذه للرئيس عباس.

إن هذا الموقف للجنة المتابعة يعكس الضعف والعجز العربي، خصوصاً لأنه لم يربط ما بين الموافقة المبدئية على الدخول في المفاوضات المباشرة بالشروط الفلسطينية والعربية، التي وضعت منذ قرارها الأول بالدخول في مفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر، والذي اتخذ في بداية شهر أيار الماضي وينتهي في الثامن من أيلول القادم .

فبدلاً من الاستنتاج من فشل المفاوضات غير المباشرة وعدم إحرازها أي تقدم، ومن تعنت الحكومة الإسرائيلية ورفضها للمطالب العربية، التي كما قالت حكومة نتنياهو يستحيل الموافقة عليها، ومن عدم استعدادها لتمديد مسرحية التفكيك الجزئي والمؤقت للاستيطان، التي ستنتهي في السادس و العشرين من أيلول القادم، ومن تراجع الإدارة الأميركية عن وعودها بوقف الاستيطان وإطلاق عملية سلام جادة والضغط على إسرائيل وعدم تقديمها ضمانات يعتد بها، حتى لو كانت تشبه الضمانات التي قدمتها إدارة بوش السابقة، ضرورة بلورة خيارات وبدائل فلسطينية وعربية جديدة مثل إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني والمقاومة المثمرة وجمع واستخدام أوراق القوة والضغط العربية والتوجه إلى المؤسسات الدولية لتدويل القضية الفلسطينية ورفض الدخول في مفاوضات مهما كان شكلها، إذا لم تكن مرجعيتها إنهاء الاحتلال وتطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، أعطت لجنة المتابعة العربية الموافقة المبدئية على دخول المفاوضات وفقاً للشروط الإسرائيلية، أي مفاوضات بلا شروط، مفاوضات من اجل المفاوضات، مفاوضات يطرح فيها كل طرف ما يريد، ويقبل ويرفض كل طرف ما يريد، أي مفاوضات يتحكم بها الاحتلال الإسرائيلي.

إن هذا الموقف العربي المتخاذل يضع القيادة الفلسطينية في موقف أصعب من موقفها الحالي، وهي ساعدت بمواقفها في الوصول إليه:

فإذا اختارت رفض الدخول بالمفاوضات المباشرة ستدفع ثمن هذا الموقف لوحدها، والثمن معروف وهو سيكون عقوبات أميركية وإسرائيلية وربما أوروبية ودولية، وإذا اختارت المشاركة بالمفاوضات وفقا للشروط الإسرائيلية تقدم على انتحار سياسي، لأن ما لم تحققه المفاوضات غير المباشرة لن تحققه أو أكثر منه المفاوضات المباشرة .

والإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي عجزا عن إقناع إسرائيل بوقف الاستيطان، فكيف بإمكانهما إقناعها بالانسحاب من الأرض المحتلة عام 1967، أو بالموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. ولا نتحدث عن قضية اللاجئين، التي يبدو أن هناك استعداداً للمساومة عليها مقابل الدولة، ولكن إسرائيل تريد تصفية قضية اللاجئين ولا تريد إنهاء الاحتلال وإقامة دولة حرة مستقلة على حدود 1967 ، ولا تريد إزالة المستوطنات والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

إن التبريرات التي يقدمها القادة العرب والفلسطينيون للموقف المتهافت الذي اتخذوه لا تقنع أحدا.
فالعرب يتحدثون عن إلقاء الكرة إلى الملعب الإسرائيلي في حين أنهم يضعون أنفسهم بهذا الموقف في المرمى الإسرائيلي.
والعرب يتحدثون عن وضع الإدارة الأميركية أمام مسؤولياتها، ويسعون لتجنب دفع ثمن موقفهم في ظل التهديدات والضغوطات الأميركية، متناسين أن التنازل أمام الضغوط الأميركية يفتح شهية الإدارة الأميركية على ممارسة المزيد من الضغوط عليهم.

فعندما رفضت إسرائيل الضغوط الأميركية تحولت الإدارة الأميركية للضغط على الفلسطينيين والعرب. وعندما استجابوا ستواصل ممارسة الضغط عليهم.
إن القيادة الفلسطينية بمقدورها أن ترفض المشاركة بالمفاوضات العبثية المقترحة عليها، لأنها ستكون أسوأ من سابقتها، فهي غير محكومة، حتى بمرجعية يتم تجاوزها من الحكومات الإسرائيلية، مثلما كان يحدث في السابق، وإنما مفاوضات لا يحكمها أي شيء .

هذا يعني أن المفاوض الفلسطيني سيكون تحت رحمة المفاوض الإسرائيلي. والحجة الرئيسية لعدم الرفض الفلسطيني هي أن الضغوط والتهديدات الأميركية بممارسة عقوبات ووقف الدعم والانسحاب من الجهود الأميركية لفرض عملية السلام وصلت إلى درجة غير مسبوقة من قبل، كما صرح الرئيس أبو مازن أثناء لقائه مع رؤساء الصحف اليومية المصرية.

وهي حجة غير مقبولة لأنه لا يمكن مقايضة دعم السلطة بالتنازل عن المواقف والحقوق، فالسلطة وجدت من أجل دعم الحقوق، وليس مهمة القيادة الحفاظ على السلطة على حساب الحقوق.

كما أنني أشك بقدرة الولايات المتحدة الأميركية على ممارسة تهديداتها لأن الإدارة الأميركية في و ضع تراجع على مستوى العالم وفي المنطقة، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية والمأزق الذي تعيشه في أفغانستان والعراق وصعود إيران وتركيا، وهي تستعد مع إسرائيل لاحتمال الحرب مع (إيران)، لذا هي ليست بوضع تجازف فيه بخسارة القيادة الفلسطينية ودفع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي نحو مواجهات غير محسوبة، ستؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، وربما بالعالم كله.

إن لدى الرئيس حجة مناسبة للتنصل من الموافقة على الدخول في مفاوضات مباشرة هي عدم وجود شرعية فلسطينية لهذا القرار لكونه مرفوضاً من الأغلبية الساحقة من الشعب والقوى والفعاليات الوطنية، بما فيها حركة فتح ، كما تدل المواقف الصادرة عنها جميعا تعقيبا على قرار لجنة المتابعة العربية.

في كل الأحوال لا شيء يبرر الإقدام على انتحار سياسي "كرمال عيون" باراك أوباما بدون أن تقدم إدارته أي شيء للفلسطينيين والعرب سوى خطابات معسولة ووعود متكررة سرعان ما تتراجع عنها باستمرار.

التعليقات