28/08/2010 - 11:32

حماس: الثأر من الهيئة المستقلة لحقوق الانسان!../ مصطفى إبراهيم*

حماس: الثأر من الهيئة المستقلة لحقوق الانسان!../ مصطفى إبراهيم*
بات واضحاً أن حركة حماس قررت الثأر والانتقام للنيل من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بإغلاقها والاستيلاء على برنامج الهيئة في قطاع غزة، وذلك بالإيعاز لكتلة التغيير والإصلاح التابعة لها في المجلس التشريعي بمدينة غزة لإقرار قانون الهيئة المقدم للمجلس التشريعي منذ عدة سنوات.

وجاءت الفرصة أيضاً لأعضاء كتلة التغيير والإصلاح للثأر من الهيئة الذين ضاقوا من النقد الذي وجهته الهيئة لدورهم في تقريرها السنوي الخامس عشر للعام 2009، من خلال قيامهم بسن قوانين في ظل حال الانقسام، وتتعارض مع التوجه العام للمجلس التشريعي منذ العام 1996 الداعي إلى توحيد القوانين.

الخطوة التي قامت بها كتلة التغيير والإصلاح اعتبرتها الهيئة ومنظمات حقوق الإنسان متأخرة، ومتوقعة وعادية، وغير مستغربة في ظل الموقف المعادي والهجمة التي كثفتها وزارة الداخلية ضد المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، والتحريض المستمر ضد الهيئة، ومنعها من زيارة مراكز التوقيف التابعة لجهاز الأمن الداخلي.

إقرار قانون للهيئة ليس أمراً عاجلاً أو طارئاً، والهيئة تعمل منذ تأسيسها من دون قانون، وفي ظل الانقسام، وعدم انعقاده بكامل هيئته وكتله البرلمانية، لا يعطي الحق لكتلة التغيير والإصلاح سن قوانين جديدة.

فالحالة الفلسطينية كلها ليست قانونية وغير شرعية، والنظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته منقسمة على ذاتها، ويتم زجّ القانون في ظل حال الانقسام واستخدامه حسب الأهواء والمصالح الحزبية الخاصة، وخطوة من هذا النوع في ظل الصراع السائد هو وسيلة للنيل من الهيئة، ووقف عملها في قطاع غزة والاستيلاء عليها.

القرار لم يتخذ من فراغ، وليس خطوة مفاجأة بل كانت الهيئة والعاملون في مؤسسات حقوق الإنسان ينتظرون تلك الخطوة المتأخرة، ويعتبرون ذلك مسألة وقت، وعلى الرغم من تأكيد رئس الوزراء إسماعيل هنية في شهر نيسان (أبريل) 2010، لوفد الهيئة الذي سلمه التقرير السنوي الخامس عشر للهيئة عن وضع حقوق الإنسان في أراضي السلطة الوطنية عدم المساس بالهيئة، عندما قال: " أنتم مصانون ولن يمس بكم أحد".

حكومة حماس قامت بعدة محاولات لإسكات الهيئة، وهي المدافعة بقوة عن حقوق الإنسان والمناهضة لقمع الحريات العامة والأساسية للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة، وقررت في الثاني والعشرين من شهر تشرين أول (أكتوبر) 2009، إغلاق الهيئة في قطاع غزة، وذلك بناء على القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في حكومة حماس في جلسته الرقم 129 المنعقدة في تاريخ 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2009، وتكلَيف وزارة الداخلية بالإيعاز إلى الهيئة المستقلة بضرورة التوقف عن ممارسة أي أعمال، وذلك إلى حين البت في وضعها القانوني.

وظل قرار مجلس الوزراء بتجميد عمل الهيئة أي أن إغلاقها قائم ولم يتم تجميده، ولم يصدر قرار جديد يلغي قرار التجميد، وكما كان متوقعا فإن تنفيذه سيتم من خلال إقرار القانون غير الشرعي، ما يعزز حقيقة أن حكومة حماس والأجهزة الأمنية التابعة لم تخفِ ضيقها خاصة جهاز الأمن الداخلي من عمل الهيئة، ما يدل على الخلل الكبير في أداء حكومة حماس.

القرار الذي اتخذ العام الماضي بإغلاق الهيئة يوضح أن حكومة حماس وموظفيها لا يروق لهم استمرار عمل الهيئة، خصوصاً بعد ما قامت الهيئة بعقد ورشة عمل حول التعذيب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في حكومة حماس، ومنع الهيئة ومؤسسات حقوق الإنسان من زيارة المعتقلين لديها، ورفض أعضاء من كتلة التغيير والإصلاح وجهاز الأمن الداخلي المشاركة فيها.

وتزامن في ذلك الوقت الانتقادات الشديدة التي وجهتها الهيئة لانتهاكات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وفرض الحجاب بالقوة على طالبات المدارس وحملة "نعم للفضيلة" بالإكراه في القطاع.

في حينه لم يكن قرار تجميد عمل الهيئة القرار الأخير الذي تتخذه حكومة حماس، وادعت أنها تراجعت عنه، فهي اتخذت قرارات منها تلك التي تمس الحق بالجمعيات وتكوينها، وغيرها من القرارات التعسفية المتعلقة بالتعدي على الحريات العامة والشخصية، وحرية الرأي والتعبير ولم تتراجع عنها.

خلال فترة ستة عشر عاماً هي عمر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عملت ولا تزال من خلال مبدأ حماية وتعزيز حقوق الإنسان الفلسطيني في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي واكبت خلالها الحال الفلسطينية المعقدة والمركبة، وطريقة وأداء عمل السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها، وما مر خلالها من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من التعدي على الحريات العامة والأساسية للمواطن الفلسطيني والتعدي على الحق في التجمع السلمي، وتشكيل محاكم امن الدولة والمحاكم العسكرية وعرض المعتقلين أمامها، والاعتقالات السياسية التي طاولت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.

لم تنشأ الهيئة للعمل في فراغ، وهي لم تتخذ من أي طرف خصما لها، بل كانت ولا تزال تنحاز للضحايا، والدفاع عن الحريات العامة والأساسية للمواطن الفلسطيني، ولم تنشأ الهيئة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية في العام 2006، وتشكيلها الحكومة، بل سبقت كل الحكومات، ودافعت الهيئة عن خيار الفلسطينيين الديمقراطي، فهي هيئة مستقلة في تلقي التمويل والتوظيف، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة، وتعرضت خلال عملها للعديد من المواقف بدءاً بالتهديد والاعتداء والتخوين وليس آخراً محاولة السيطرة عليها من خلال إقرار قانون لها.

فالمجلس التشريعي المنقسم على ذاته لا يجوز له نقاش وإقرار القوانين إلا بانعقاده بكامل هيئته وأعضائه، إن ما تتخذه حماس وحكومتها من قرارات للسيطرة على المجتمع، لا يعبر إلا عن حال الضيق بالآخرين وعدم قبولهم، وتوجيه النقد لها، ولا يمكن اعتبار القرارات المتخذة على جميع الصعد قرارات ارتجالية، بل هي قرارات متخذة مسبقاً، ومدروسة.

على حكومة حماس وكتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي عدم التعامل بعقلية الثأر للنيل من منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها منظمات حقوق الإنسان الذين يوجهون النقد لها، ويعملون على حماية حقوق الإنسان وصيانتها وتعزيزها، وتغليب المصلحة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وتركيز الجهود على حماية حقوق الإنسان التي تتعرض للانتهاك بسبب استمرار حال الانقسام السياسي، بل تركيز جهوده على وظيفتي المجلس التشريعي في الرقابة والمحاسبة لحكومة "حماس"، والقرارات التي تتخذها، والابتعاد عن التشريع في ظل الظروف الراهنة، وتفعيل دوره في مراقبة أدائها ومحاسبتها على الخلل والقصور، بما يعزز من احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في قطاع غزة.

التعليقات