16/10/2010 - 14:57

الكلبة لولا و يهودية الدولة../ ناصر السهلي

-

الكلبة لولا و يهودية الدولة../ ناصر السهلي

بإمكانك السير صعودا نحو مخيم الجلزون، وأنت تترك رام الله خلفك باتجاه سردا، وفي الكوع المؤدي إليها، سردا أو صردا، كان الحاجز الذي عرفه الفلسطينيون طلابا وعمالا ومرضى وبشرا من كل المستويات ذهابا وإيابا إلى الشمال نحو بيرزيت والقرى الأخرى..

 

حاجز يمكن أن يقفز اليوم فجأة بوجهك فيوقفك جنود الاحتلال وأنت تجلس في الحافلة نحو جامعة بيرزيت.. لا يبعد مكان هذا الحاجز الذي كان ثابتا كثيرا عن "حراسات الرئاسة" التي تصطف بالقرب من فندق بيست ايسترن في المدخل نحو بيت أبو مازن..

 

في المساحة الفاصلة بين المخيم والمستوطنة بإمكانك أن تكتشف وبسرعة من يسيطر هنا على الأرض الفلسطينية المحتلة، ستجد المخيم إلى يسارك، والمستعمرة إلى يمينك. هذه المساحة شهدت الكثير من الدماء والدموع، هنا ثُكلت عوائل كثيرة على أيدي هؤلاء المستوطنون وجنود الاحتلال الداعمين أبدا لهم..

 

"بيت إيل" ليست مجرد مستوطنة على أراضي رام الله، فهي المكان الذي تجري من خلاله كل عمليات التنسيق والسيطرة.. وكما أن رام الله لم تعد مدينة فلسطينية عادية، بل مركز القرار السياسي والتجاري وجذب للهجرة الداخلية..حتى الاختناق..

 

كان صبية يلعبون ويلهون في المسافة الفاصلة، على أرض فلسطينية، بعد أن ضاق المخيم بأزقته، أُطلقت النار عليهم.. فسقط شهيد وتلاه آخر.. 14 و17 عاما.. التهمة: الاقتراب من المستعمرة!

 

من يحمي المخيم؟

 

لا أحد غير أهله.. ربما في الزمن الذي تتوقف فيه ماكينة بث الوهم.. الكلبة لولا لم تعرف أن المسافة الفاصلة بين إشارة " مناطق السلطة الفلسطينية" المكتوبة بالعبرية والعربية والانكليزية تمنعها من خرق هذا الوهم.. فعبرت باتجاه الجلزون..

 

حزن المستوطن عساف بروخي، فاستنفرت لعيون "لولا" وبروخي قوات الاحتلال، ونسقت مع "الأمن الوطني" بحثا عنها.. وجدوها بعد عملية شبه عسكرية، وأفرحوا قلب بروخي، هذا ما أتحفتنا به يديعوت أحرنوت.. ربما طُلب من بروخي أن يتجنب في المرة القادمة ترك كلبته بدون أن يوضح لها الفرق بين "أرضه" و أرض اللاجئين في المخيم..

 

 إلى الجنوب من الضفة، وتحديدا في بيت لحم، حضر غابي أشكنازي متمخترا باستنفار "الأمن الوطني" وحراسة مشددة، زار الكنيسة والتقى قيادات أمنية فلسطينية..

 

 أصدرت حركة فتح بيانا تندد بالزيارة. محافظ المدينة، الوزير عبد الفتاح حمايل قال "الزيارة جاءت بناء على طلب اسرائيلي ورغم توقف المفاوضات فليس فيها تناقض سياسي، فهي زيارة خاصة" ( وكالة معا 3 أكتوبر)

 

حدث الأمر عينه في الشمال، في جنين ونابلس.. أهو تجوال سياحي؟ وزيارات "خاصة"!

 

الثناء الذي يلقاه قادة "الأمن الوطني" على لسان الأميركي والإسرائيلي لا يتعلق بموسم قطاف الزيتون أو الاعتداء على القرى والأرض الفلسطينية وحرق الأشجار أو تدمير المحصول.. ولا يتعلق بحرق المساجد، من بيت فجار جنوبا إلى نابلس شمالا..ولا يتعلق بالهيكل العظمي للسلطة المنزوع عنه كل شيء يتجاوز التنفس الاصطناعي المادي.. بل بـ"التصرف الحكيم" بإعادة لولا التائهة، والمستوطن الذي يضل طريقه فرديا وجماعيا وهو يمتطي سلاحه مغتصبا أرضا فلسطينية، وبالاعتقال الجماعي لمئات الفلسطينيين لمحاربة "التطرف" بعد كل ردة فعل فلسطينية على القتل واستباحة حياته..

 

تثبت هذه السلطة ( في شقها الأمني) اللهث وراء الاعتراف السياسي. إذن، المسألة الأمنية لا علاقة لها سوى بالنهج الذي لا يريد بعضنا أن يعترف بوجوده وهيمنته على العقل السياسي والأمني.. هو النهج الذي يرى ضررا كبيرا في مقارنة ما تفعله كلبة بروخي في أرض محتلة على حساب حياة لاجئين سلبت ونهبت أرضهم.. الضرر في مناقشة هذا الخنوع للصورتين الأمنية والسياسية له تبريره عند أصحابه، حين ندرك معنى تحويل الحياة اليومية إلى بدائل خاوية في مترادفات ممجوجة: البديل هو البديل الذي جربناه!

 

تحفة العقل السياسي

 

يقول حاتم عبد القادر ( مع الاحترام الشخصي له) إنه في "رمات اشكول" و"بسغات زئيف" يتم دق المسمار الأخير في نعش عملية السلام.. وكم من المسامير نحتاج لندرك بأنه ليس هناك من عملية سلام، بل طلب استسلام كامل للمشروع الصهيوني..

 

 بالنسبة للبعض يُعتبر هذا الكلام كبيرا.. صحيح، هو بحجم القضية الفلسطينية كلها، فمن يستطيع أن يشرح لنا مغزى تهافت العقل السياسي الفلسطيني بالطلب من المحتل أن يحدد ما يريد من خارطة فلسطين والتلميح للاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"؟حتى لو لم تكن المسألة كما تم تداولها إعلاميا، وحتى لو وضح وفسر وشرح وتراجع هذا العقل عما تم تداوله وما التقطه البيت الابيض والخارجية الأميركية، فإن شيئا ما يحدث لهذا العقل الذي يجد أنه الوحيد القادر على تحديد اتجاهات البوصلة الفلسطينية.

 

تحفة هذا العقل السياسي الرسمي تكمن في القراءة المفرطة للخارطة السياسية الحزبية الصهيونية، وتحالفاتها الداخلية، وبذلك يكون قادرا على تسويق منح الفرصة تلو الفرصة: حتى لا ينهار إئتلاف نتنياهو اليميني!..

 

يا سلام..الأميركيون بارعون في نقل ما يجول في هذا العقل.. والجانب الفلسطيني يُظهر بأنه لا يقيم وزنا لا للرأي العام الفلسطيني ولا حتى للعقل سوى تلك العقول التي تسبح بحمد المال السياسي الذي تغرق في مفاسده بعض من يُطلق عليهم "النخبة"!

 

دعونا نقرأ قليلا ما يبثه هذا العقل. حين السؤال عن عربدة المستوطنين والقتل والتدمير اليومي لحياة الشعب الذي من المفترض أن يكون العقل في خدمته يأتيك الجواب: نحن لا قدرة لنا على مواجهة هذا الاحتلال العسكري، نحن لا نملك جيشا، نحن لا نملك صلاحيات التواجد في المناطق ج، نحن علينا التزامات أمنية وسياسية، نحن غير مستعدين لإزهاق أرواح شبابنا، لا نريد أن نعطيهم مبررا لجرنا نحو صدامات عنيفة، العالم كله الآن معنا ولا يجب أن نظهر بمظهر المخرب للمفاوضات.. إلخ من الاجابات الممجوجة والمتحولة إلى نكتة ملّ منها من يرقب مشهد الدهس والقتل والتصفية الجسدية والاعتقال اليومي و ممارسة أبشع أنواع الفاشية حتى داخل المعتقلات..

 

فعن أي مبرر وأية إلتزامات يتحدث هؤلاء؟ في الظاهر تبدو الحكاية كما هي مسرودة، في الواقع المُعاش ثمة حقيقة واضحة وجلية: تمسك بسلطة وهمية وتحمل عبء الاحتلال! وبالنسبة للبعض مكابرة في عدم الإعتراف بالكارثة التي يجرون المشروع الوطني الفلسطيني إليها..

 

البدائل: سرية!سنجتمع حينها لندرس البدائل!.. بعد أن نكون منحنا أوباما فرصة أخرى، وسنعود للعرب لنناقش في البدائل..مهلا..هل نقتنع بأن القنوات السرية قد أُغلقت؟ وأن باريس، مع العواصم العربية والغربية، لن تشهد المزيد هرطقات "التسوية التاريخية"؟

التعليقات