31/10/2010 - 11:02

11 مليون فلسطيني.. بلا بنادق!../ نصري الصايغ

11 مليون فلسطيني.. بلا بنادق!../ نصري الصايغ
هل انتهت الخيارات كلها؟ هل بات الشعب الفلسطيني أمام اللاجدوى؟ هل خسر كل شيء ولم يبق له غير إقامته تحت الاحتلال وفي الشتات؟ أم هو سيزيف الإنسانية المعاصرة، الذي لا يتعب من حمل الصخرة، ولا يني في صعوده المؤقت يفكر بالهاوية؟

سئل سري نسيبه، أحد العاملين في مشروع الدولتين، والناشطين في «عمليات» «التسوية» في الخطوط الخلفية، عن الحلول المتبقية، بعدما فقد رهانه على حل الدولتين، قال: «نحن موجودون هنا»، وكأنه يقول إن الحل بات في يد اسرائيل.. ماذا ستفعل بالملايين من الفلسطينيين، بلا دولة لهم؟ هل تقبل بمشروع الدولة الواحدة؟

كتابات صحافية وتحليلات تعلل الفلسطيني، بعدما أصيب نضاله بالفشل: أنه ما زال موجوداً. وهو لا «يحتاج إلى السلاح إلى إثبات وجوده»، وكأن مفاد القول، أن الفلسطيني خسر قضيته، بسبب السلاح الذي امتشقه. وان التعويض «الرابح» للفلسطينيين، هو ديموغرافيتهم. الرقم وحده كاف لإبقاء القضية الفلسطينية واستمرار الهوية الفلسطينية «التي لا سبيل إلى إلغائها». فإلى أين ستهرب إسرائيل من الخطر الديموغرافي الفلسطيني؟. الرقم الفلسطيني هو سلاحه وهو هويته وهو مستقبله وهو أيضا حقوقه، إذ كيف يعقل أن يبقى هذا الكم الفلسطيني الكبير «استثناء» من دون دولة.

فهل الرقم يصنع دولة؟ هل وجود الفلسطيني المنتشر في العالم، الموزع في مخيمات البؤس، المقبوض عليه في الضفة، المحاصر حتى الجحيم السفلي في غزة، المنتهكة كرامته في كل معبر، المسلوبة أرضه في كل لحظة استيطان، المسفوك دمه مراراً، بين صبح قاس وليل مبهم، القابع أهله في الأسر، يستطيع، بهذه الوضعية البائسة والمأساوية، أن يستدر عطف العالم «المتحضر»، ودعم العرب «البائدة»، لينال حقه في وطن؟
وأي وطن؟

وأي بقعة من أرض مشروخة وممزقة ومسلوخة ومبعثرة ومحاصرة، تصلح لأن تكون وطناً لهذا الفلسطيني؟ وأي دولة ستكون هذه الدولة، وعلى أي تراب، وضمن أي طرق تواصل؟ وأي عاصمة ستتولى إدارة شؤونه، القدس التاريخية، أم قدس أخرى لا تمت بصلة إلى الجغرافيا والتاريخ والقيامة والأقصى؟

من يصدق أن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول المجموعة الأوروبية، والرباعية، ستندفع لإنقاذ هؤلاء الفلسطينيين، ولو بفتات من أرضهم وسمائهم وبحرهم ومائهم؟ ألم نرَ إلى الجريمة المستدامة التي ترتكب على مرأى من العالم، بل بتأييد منه؟ ألم نرَ كيف تجنّدت جحافل الأقلام وتقدمت أصوات الغرب، لإنقاذ الجندي الإسرائيلي شاليط، ولا تزال؟ ألم نرَ كيف تعاملت مع مطالعة المحكمة الدولية التي عرت الجدار من شرعيته القومية؟ ألم يغسل هذا العالم يديه من دم قانا وغزة وجنين وغولدستون... ألم يتبرع إلا بالدعم السخي، بالقنابل والصواريخ والبيانات، لإسرائيل، أكانت محكومة «باليسار» الإسرائيلي أم «باليمين» المتفوق في عنصريته؟

أليس على الفلسطيني، في هذه الحال، أن يقدم التماساً من العالم، كي تغفر إسرائيل له أخطاءه، وتلغي تاريخه، ويندم على ما ارتكبه في حق سارقي أرضه وناهبي خيراته وقاتلي أجيال مديدة من شعبه؟ من يصدّق أن المقاومة الحقيقية لإسرائيل، هي في التخلي عن السلاح؟ أو هي في الانخراط بالدبلوماسية الإسرائيلية، والمناورة السياسية، لتحصيل وطن ودولة؟

ليس في تاريخ الشعوب، على الإطلاق، مسار شبيه بالمسار المعروض من قبل البعض على الفلسطينيين: تخلوا عن المقاومة، تخلوا عن السلاح، تخلوا عن التحريض، مارسوا الطاعة، كفــوا عن الصــراخ، وستنــالون دولـة ووطناً.. إنه لأمر مستحيل بالــبداهة، أن لا يكون العنف شريكاً دائماً للفلسطيني، لأن الاحتلال هو الأب الشرعي للعنف، وليس الفلسطيني.
تشبه هذه الدعوة ما يلي: لقد ضاعت فلسطين، فلماذا نضيّع الفلسطينيين؟ لقد دمرت إسرائيل فلسطين، فلماذا نسمح لها بذبح الشعب؟
إنه تحت الاحتلال والذل والقمع والتشريد والسحل والسجن. وهذه الوضعية، رحم سخي بالرفض والعنف والمقاومة.

ماذا ينتظر الفلسطيني غداً؟
إنه لن ينتظر على القارعة الدولية. لن يقيم إلى الأبد داخل الأسوار: وسينتفض هذه المرة، بطوفان. وستكون حاجته إلى السلاح، كحاجته إلى الهواء.

يومها... سيكون السلاح الفلسطيني الجديد، أمل الانتفاضة المعبر عن أحد عشر مليون فلسطيني، وعن وطن فلسطيني حقيقي، في تمام حدوده وفائق إنسانيته.
"السفير"

التعليقات