31/10/2010 - 11:02

40 عاما على الاحتلال/ أحمد القضماني*

40 عاما على الاحتلال/ أحمد القضماني*
من الطبيعي والبديهي ما نحس به من آلام نفسية ومعنوية من جراء الاحتلال الاسرائيلي للجولان وللأراضي العربية الاخرى.

وكان من المحتم أن يكون ذلك اشد ألما وقهرا على نفوسنا لو لم تقف غالبيتنا الساحقة، في وجه سلطات الاحتلال وإحباط سعيها المستمر لصهرنا في الكيان الصهيوني. نعم ان إفشالنا الجماهيري لمحاولاتها تلك وتمكننا من مقاومة مخططها والمحافظة على انتمائنا لوطننا الحبيب سوريا، خفف كثيرا مقدار المرارة والألم الذي أحسسنا بهما يوم وقوعنا تحت الاحتلال وطوال هذه السنوات الطويلة، مع الانقطاع القسري عن تواصلنا مع وطننا وشعبنا والعيش في ظل حكومتنا العربية السورية وتحت علمنا الوطني السوري.

ومما ساعدنا وخفف قليلا وطأة الاحتلال على نفوسنا، هو متابعة الأجيال المولودة أثناء الاحتلال سيرهم في الاتجاه الوطني الذي دشنه الآباء، ودفعوا ثمن ذلك الكثير من سنوات السجن، والإقامات الجبرية، والعذابات الاخرى النفسية والمعنوية والكثير من القلق والغضب، والخوف المبرر الذي ينتاب المناضلين الوطنيين والناس الأحرار والشرفاء، خوفا من الفشل الذريع في مقارعة العدو المحتل وعدم التمكن من الصمود أمام ما يملكه من وسائل ردع وإغراء في الوقت نفسه.

وما يزرع في قلوب مواطنينا الأحرار والشرفاء مزيدا من الثقة بأنه مهما طال عمر الاحتلال فلن تنجح سلطات الاحتلال في احتواء مجتمعنا وإطفاء مشاعره الوطنية، وإذلاله واجباره على الركوع والخنوع، هو أنه منذ الثمانينيات من القرن الماضي فإن أكثرية شباب قرانا الذين عاقبتهم سلطات الاحتلال على نشاطهم الوطني وزجت بهم في سجونها، هم من الأجيال التي ولدت في زمن الاحتلال، وتعلموا في المدارس التابعة لسلطات الاحتلال.

فهذا له مدلوله الهام الذي يؤكد اصالة المشاعر الوطنية والقومية لمواطني الجولان الرازحين تحت الاحتلال الاسرائيلي. وهو يطمئن الآباء الذين أسسوا منذ الأيام الأولى من عمر الاحتلال المشروع الوطني المقاوم لسياسة الاحتلال، وهذا لم يعد سرا بل معترفا به أمام المحققين الاسرائيليين منذ عام 1973.

نعم الأجيال الصاعدة في قرانا المحتلة هي خير خلف لخير سلف، ومهما دفعت هذه الأجيال الصاعدة من ثمن فلن تمكن الحكام الاسرائيليين من إطفاء الروح الوطنية وانتزاعها من صدور مواطنينا السوريين المحتلين.

إن الولاء الأصيل للوطن وللعروبة من طبيعتنا وصفاتنا الموروثة جيلا بعد جيل عن أهلنا وأسلافنا، ولهم في التاريخ ذكر مشرّف يؤكد مقاومتهم الباسلة للغزوات الأجنبية التي تعرضت لها بلاد الشام أثناء القرون الماضية، وأثناء وقوع سوريا ولبنان تحت الاحتلال الفرنسي، شارك آباؤنا في الثورة الوطنية الكبرى التي شملت العديد من الأنحاء السورية واللبنانية وقدموا مئات الشهداء وتعرضت بيوتهم للحرق والهدم من جراء قصف المدافع وقنابل الطائرات الفرنسية، وقبل ذلك في زمن الحكم التركي العثماني، فقد شاركوا في النضال الذي أجبر الاتراك على الجلاء عن سوريا وبقية الأراضي العربية والانسحاب الى بلادهم بعد احتلال دام اكثر من اربعمئة عام.

هذا وبلغ عدد المواطنين من قرانا المحتلة الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال الاسرائيلية وحكمت عليهم بالسجن عقابا لهم بسبب مقاومة الاحتلال ما يزيد عن خمسمئة مواطن من مختلف الاجيال وفئات المجتمع. مع العلم أن العدد الاجمالي لسكان قرانا المحتلة مجدل شمس – بقعاثا – مسعدة – عين قنية – الغجر، هو حوالي عشرين الف نسمة من الرجال والنساء ومن مختلف الاعمار.

وفي بداية الاحتلال كان عددهم في عام 1967 حوالي تسعة آلاف نسمة. وعدد الشهداء من قرانا الذين استشهدوا برصاص الجيش الاسرائيلي وهم يقومون بواجبهم الوطني أثناء عبورهم خط وقف إطلاق النار الى الوطن الحبيب يحملون معلومات استخباراتية، وبالاضافة اليهم أولئك الذين استشهدوا بسبب الألغام التي زرعتها قوات الاحتلال، والذين استشهدوا أثناء حرب عام 1967، وحرب عام 1973 ليس أقل من خمسين مواطنا، بينهم الشهيدة غالية فرحات من قرية بقعاثا التي استشهدت وهي تشارك في مظاهرة وطنية في شوارع قريتها ضد الاحتلال، وأطلق أثناءها الجنود الاسرائيليون الرصاص على المتظاهرين لتفريقهم وإفشال المظاهرة. يوجد في قرانا المحتلة 88 شخصا مصابين بجروح على يد المحتلين الاسرائيليين وتسبب بعضها في خلق إعاقات جديدة ظاهرة للعيان.

ومن الانجازات الهامة ذات الدلالة على أصالة النهج الوطني لجماهير قرانا العربية السورية المحتلة، اعتمادهم للوثيقة الوطنية دستورا وميثاقا وطنيا يسير بموجبه الجميع، ويلتزمون بمضمونه الذي يصون خطاهم وطنيا ويحدد لهم النهج الصحيح الذي ليس من الجائز تجاوزه وعدم التقيد به الى آخر يوم من وجود الاحتلال في الجولان، وما يدل على التقيد الجماعي تقريبا ببنود الوثيقة الوطنية هذه التي صدرت في 25 نيسان عام 1981 أنها تتصدر غرف الاستقبال في البيوت في جميع قرانا المحتلة، وذلك ليس للزينة بل للدلالة على الالتزام بمضمونها واحترامهم لها.

كذلك من انجازات مجتمعنا الوطنية الهامة الاضراب الشامل المفتوح الذي استمر ستة أشهر متتالية بدءا من يوم 14 شباط عام 1982، وذلك كرد جماعي شامل ضد القرار الاسرائيلي التعسفي الظالم والمعادي لمطلب السلام وللشرعية الدولية القاضي بضم الجولان، وضد فرض الجنسية الاسرائيلية بديلا عن جنسيتنا العربية السورية.

ومن انجازات مجتمعنا الهامة أيضا ذات الأثر الايجابي حاضرا ومستقبلا على المجتمع تمكنه من فتح الطريق الذي مكّن حتى الآن حوالي 2500 طالب وطالبة من التخرج من الجامعات في سوريا، وفي الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا سابقا، وفي اسرائيل وغيرها، وهذا ليس نهاية المطاف، حيث يوجد سنويا حوالي ستمئة طالب وطالبة من قرانا المحتلة يتابعون دراساتهم الجامعية في مختلف الجامعات المذكورة وغيرها ويتخصصون في جميع العلوم الجامعية.

هذا ومما لا شك فيه أن صمود أحرار الجولان في الموقع الوطني والقومي وعدم التزحزح عن ذلك، وتناول وسائل الإعلام هذه الحقيقة، واتساع دائرة المثمّنين عاليا لثبات جماهير الجولان في موقفهم هذا الصحيح والشجاع، أنه أسهم في تنشيط اليقظة القومية لأشقائنا العرب الدروز في الجليل والكرمل، خاصة الطلائعيين منهم المناضلين من أجل تصحيح المسار وإفشال المؤامرة الخبيثة على عروبة الدروز وسياسة فرّق تسد الغاشمة.


التعليقات