31/10/2010 - 11:02

أحاديث العيد والانتخابات/ إياد برغوثي

.

أحاديث العيد والانتخابات/ إياد برغوثي

دارت أحاديث العيد العائلية، بعد الاطمئنان عن الأحوال وتبادل آخر الأخبار، حول الانتخابات المحلية الفائتة والبرلمانية القريبة، ووجدت نفسي، بين دخان المنقل وتمرير صحون السلطة وتوزيع حبات الشوكولاطة، مكرّرًا لأجوبة حول نفس الأسئلة، حتى أصبحت أجيب مباشرة عن الأسئلة المتوقعة، رغم أنني لا أطيق أن أعيد و"أزقل" على نفس المنوال، لكن ولمصيرية المرحلة فعّلت قسم التحمّل في أعصابي وجنّدت الجمل القصيرة والإدعاءات البسيطة وقرعت طبول النقاش..

عائلتي كشعبي متنوّعة، فيها العلماني والمتديّن والوطني واللامبالي، فيها من يستهلك الإشاعات ويردّدها وفيها من لا يصدّق أحدًا في العالم (حتى نفسه)، وفيها أيضًا من جماعة "حط راسك بين هالروس" وفيها من جماعة "خالف تعرف". استمتع من سماع النقاشات واضطر للمشاركة فيها، لكني أحاذر ألا أحوّل لمّة العائلة إلى حلقة بيتية انتخابية ولا حديثي إلى مداخلة في يوم دراسي..

العائلة منزعجة من العائلية والطائفية، من الانقسام والقمع، من حصار غزة ومستوطني الخليل، من الفساد والتعصّب، من العنصرية والضعف، من أزمة المسكن والبطالة، العائلة منزعجة والتفاصيل كثيرة. وافقت على النقد وسألت عن الحل، كيف نواجه؟ كيف نواجه الطائفية والعائلية إن لم يكن بهوية قومية وانتماء وطني؟ كيف ننهض بدون رؤية جماعية؟ كيف يمكن أن نناضل ونرفع وعينا ونتنظّم بدون قيادة سياسية وطنية تحمل مشروع تنظيم ومأسسة وتكون مرتبطة بمطالب الجماهير وتمثّل موقفها أمام العالم؟. سألت وأسئلتي أجوبة مراوغة.
حضر السؤال حول مصير وقوة التجمع في كل محضر، بين القلقين والمهتمين والشامتين، سؤال القوة اعتمد على انطباعات عامة قبل بدء الحملة الانتخابية الإعلامية والتجنيد الجماهيري والتنظيمي، وقبل إعلان تركيبة القوائم ومرشحيها، المعادلة المنتشرة بسيطة: غاب عزمي فضعف التجمع.

ما يضعف التجمع هو هذا الإدعاء وهذه النفسية المنتشرة، لا أستغرب أن يفكّر المواطن العادي بهذا المنطق البسيط، فهذا ادعاء منطقي فعلاً، لكن ليس كل ما هو منطقي هو حقيقي وواقعي أو صحيح، لأن المعادلات والتوقعات السياسية هي أكثر تعقيدًا وتركيبًا، كذلك عملية اتخاذ القرارات العقلانية أو الشعورية لدى الناخب، ونشاط وتجنّد التنظيمات ومثابرتها المرتبط بحجم التحديات.

لا استغرب هذا الإدعاء من عمتي مثلاً، لكني استهجن سعي قيادات (تسمي نفسها وطنية) تلوح به في سعيها للقضاء على خصم سياسي تعامله كعدو وتجاهر به في الغرف المغلقة، ففسّرت دعوة القائمة التحالفية الموّحدة ضعفًا بدلاً من فهمه دعوة لقوة الوحدة، الأحزاب عامة تتنافس ولا تسعى للقضاء على بعضها، لكن يبدو أنه بيننا أحزاب اعتادت نهجًا آخر، للأسف، فترفض التحالف وتتعجرف ولا تتضامن مع قائد سياسي ملاحق ومنفي قسريًا بسبب فكره ومواقفه وتواصله مع العالم العربي، بل تحرّض عليه، وهذا برأيي عيب.

لم أستطع أن آتي بتوقعات حول النتائج المتوقعة، لأن المنافسة والحملات لم تبدأ بعد، ولأني لا زلت أضع قليلاُ من الأمل لتشكيل قوائم تحالفية، لكني أعرف أن المعركة مصيرية.. ويمكننا اجتيازها كما اجتزنا ما سبقها من حملات "لن أحرق صوتي" ومن تشويه لقيادتنا ومن محاكمات سياسية ومحاولات شطب، "كلّحنا وتعودنا، إحنا قدّها"، أجبت عائلتي.
أغار على التجمع مثلما أغار على صحة أبناء وبنات عائلتي، فأنا من الجيل الذي تربى في الحزب وآمن في مشروعه السياسي، وكنت حتى لو ابتعدت وناقشت قرارات اتخذها أكنّ له الجميل وأقرّ بتأثيره الكبير على تشكيل شخصيتي وبناء وعيي، وأدرك بالتفاصيل والعموميات الأثر الهائل لفكر ومواقف هذا الحزب على الخطاب السياسي والهوية الوطنية وإحيائه للذاكرة المنسية والحراك الذي أحدثه في "دزينة" من السنين.

أريد للتجمع أن يبقى ويكبر وأن يحقق مشروعه السياسي، مشروع تنظيم الفلسطينيين في الداخل على أساس قومي في مؤسسات وطنية ديمقراطية، مشروع بناء مجتمع حديث وعصري ومتنوّر، فيه مساواة للمرأة وفيه قيم العدالة الاجتماعية، مجتمع يفرض حقه في التواصل مع شعبه وأمته، بعد ستين عامًا من العزلة، أريد أن يواجه ممثلي مجتمعي العنصرية والصهيونية بفكر ديمقراطي يفضحها، أن تكون قيادته واثقة بنفسها وغير منافقة ومرتبطة بهموم الناس ومطالبهم.

انتهت أحاديث العيد ووجباته الدسمة، سأجتمع مع عائلتي كل عيد وسأصوّت للتجمع في كل انتخابات.


التعليقات