31/10/2010 - 11:02

أحـلام محاصـَرة فـي زمـن النفـط../ سليمان تقي الدين

أحـلام محاصـَرة فـي زمـن النفـط../ سليمان تقي الدين
تترجم الحكومة الدعم الأميركي لها فتتخذ إجراءات لتفعيل دورها كسلطة إجرائية وحيدة وشاملة. تتجاوز التوافق على أن تبقى في إطار تصريف الأعمال وعدم ممارسة صلاحيات الرئاسة الأولى. لن يغيّر في واقع الحال أن ترسل مشروع قانون لتعديل الدستور لأن رئيس المجلس النيابي لا يستقبل مراسلات الحكومة. لا تعدو الأمور أن تكون حركة مسرحية تسجل فيها نقاطاً سياسية. إنه تأكيد المؤكّد من قبل فريق الموالاة على شرعية إمساكه بالسلطة. لكننا أمام خطوة سياسية تدل على إطالة أمد الفراغ والتعايش معه ورفض القبول بالشراكة. في قراءة سياسية ينتظر فريق السلطة أحداثاً وتحوّلات كبرى تضعف المعارضة لتتراجع عن مطالبها، أو أن الموالاة نفسها ستقدم على خطوات تجعلها سيدة الموقف.

إن ما يظهر في المسرح الإقليمي الآن لا ينبئ أو يوحي بتغيّرات جدية أقله في المدى المنظور. أقرب المحطات السياسية ربما كانت مؤتمرَ القمة العربية في آذار من العام .2008 قد لا ينجح هذا المؤتمر المقرّر في دمشق في أن يحقق المصالحة السعودية السورية. لكن ما تُلام عليه دمشق من علاقتها بإيران يتسابق العرب الآخرون إليه. العقدة ما زالت إلى حد بعيد في لبنان. على أي حال جرّبت دمشق الحصار الأميركي ـ الأوروبي ـ العربي منذ احتلال العراق. ما فشل لحظة الاندفاعة الأميركية المدعومة من النظام الرسمي العربي ميدانياً والمصحوبة بأوهام شعبية عن التحديث والديموقراطية، لا ينجح في لحظات التعثر والتراجع وأمام نتائج هذا المشروع الواقعية. يريد النظام الرسمي العربي أن يضم لبنان إلى فلكه ويتعاطى مع لبنان كأنه مجرّد قطعة يمسك بها المحور الآخر. يتجاهل للمرة الألف أن لبنان لا يؤخذ من شعره. ثمة جسم حي لا تستطيع الموجات السياسية الطارئة أن تسيطر عليه. لن يكون في مقدور أي دولة أن تلغي تناقضاته الداخلية والقوى المحرّكة لصراعاته السياسية.

لم يستوعب النظام الرسمي العربي دلالات حرب تموز .2006 لكثرة ما فاجأته وأخافته في نتائجها المعنوية، قرّر أن يعزل ذاكرته عنها. لم تعد لإسرائيل وأميركا اليد العليا في الميدان. لم يعد لأميركا أن تهدد لبنان بالقوة. لقد نجحت أميركا إلى حد بعيد في محاصرة التداعيات الإيجابية لهذا الحدث. تمكّنت من إغراقه في اللعبة السياسية الداخلية ووحولها المذهبية.

ساهم النظام الرسمي العربي أكبر مساهمة بذلك. لكنه حرّض مكوّنات الصيغة اللبنانية فاندلعت صراعاتها الطائفية. بالغ في تهميش مصالح فئات لبنانية عدة. وضع ثقله خلف فريق سياسي وشجعه على احتكار السلطة. بدا كأنه يعبث بالصيغة اللبنانية نفسها. أقلق الجماعات كلها الباحثة عن أدوارها ومواقعها فارتد عزله لها محاصرة لفريقه بتهمة الاستفراد ورفض الشراكة. تجاوز فريق السلطة النقاش السياسي الوطني حول دوره في حرب تموز، وتجاوز المساءلة عن مشروعه السياسي الكبير لإلحاق لبنان في دائرة النظام الرسمي العربي و«الشرق أوسطية». لكنه يواجه الآن معركة شرعيته السلطوية.

في الحصيلة النهائية لبنان كله محاصر الآن بما استدرج لأرضه من مصالح وصراعات. أهدرت هذه الطبقة السياسية أثمن رأسمال. ما دفعه لبنان من أثمان في قضيته الوطنية والقضية العربية كان يجب أن يستثمر الآن أمناً للبنان وسلاماً ورعاية عربية. كان يجب أن يستفيد من ثورة النفط. صارت أسعار النفط المرتفعة تحرق لبنان. لقد دخل النفط في تغذية الصراعات اللبنانية بدلاً من تعويض لبنان عن تضحياته في قضايا العرب.

قد نفهم أسباب ومحرّكات العقل العربي ولا نفهم عجز الحداثة اللبنانية عن حماية نفسها من سلبياته. ربما كان الشيء الوحيد الذي يفسّر ما جرى للبنان أن الطبقة السياسية التي تتحكّم بمصيره هي صناعة نفطية. لكن الكثرة من اللبنانيين بات يكويها النفط وهي عاجزة عن دفع فاتورته. تستطيع الحكومة في السرايا أن تصدر المراسيم ومشاريع القوانين لكنها لن تستطيع ترويض القبائل الطائفية العاصية ولا كتلة المحرومين من خيرات النفط والرعاية الأميركية.
المشهد اللبناني: أحلام محاصَرة في زمن النفط.
"السفير"

التعليقات