31/10/2010 - 11:02

أزمة الحكم واستدعاء النصّ الشكسبيري/أحمد إغبارية

أزمة الحكم واستدعاء النصّ الشكسبيري/أحمد إغبارية
لا يظنن أحد أن الدراما التي وقعت في الكويت في الأسابيع الأخيرة فصل من مسرحية لسعد الله ونوس، ما وقع وقع بالفعل، فالكويت هي الكويت و"الأمير هو الأمير". كل ما في الأمر أن نقاشًا مشروعًا وعاديًا احتدم بين اثنين من أمراء التبر الأسود على أحقية السلطة في إمارة تحتكم إلى الدستور كلما شابت سلاسة نقل الصلاحيات شائبة وآل الوضع إلى طريق مسدود.

أعترف أنني عكفت الليالي الطوال أتابع ملف الأزمة الكويتية بتبصّر وجلد، وأعترف كذلك أنني أنفقت وقتا في التدقيق في ملامح الأميرين عساني أقف على الفروقات بينهما- وأستسمح القارئ عذرًا بأنني لم أوفق حتى الساعة في حفظ اسميهما- لكن في النهاية فتح الله عليّ، فوجدتهما يتشابهان في القوام والوزن واللباس والجيل ويفترقان في بعض الملامح، فالأمير المتنحّي أطول شاربًا من الأمير المعيّن، لكن هذا الأخير يبزّ الأول في تمام الصحة والعافية، وهو ما شفع له في خاتمة المطاف دستوريًا.

قد يبدو لأوّل وهلة أن الأزمة تواترت على نحو يستدعى المسرح الونوسي، لكن لا يفوت أحدًا منا أن الصراع في مسرح ونوس كان- على الغالب- يدور بين شخصية كادحة وأخرى متسلطة، بين "بائع الدبس الفقير" ورجل المخابرات الذي غرّر به، بين الناس البسطاء والفيل الذي يدوس عليهم في "الفيل يا ملك الزمان"، أو قد تدور حول فقير معدم أصيب بلوثة من شدة فقره فزيّنت له نفسه أنه الملك كما في مسرحية "الملك هو الملك". في المقابل، لم يحدث شيء من هذا في الأزمة الكويتية قط، فقد كان النزاع بين أمير وأمير، وعليه فإن مجرد المقارنة أمر مفروغ منه.

بيد أن هذه المقارنة تصبح ذات جدوى إذا ما استدعينا مسرح القرون الوسطى، ومسرح شكسبير على وجه التحديد، لسبب بسيط هو أن هذا المسرح كان أرسطقراطيًا يُعنى بالصراعات الدائرة بين الملوك والأمراء على أحقية الحكم. ولعلني لا أجانب الصواب إذا ما أحلت إلى "هاملت"- رائعة شكسبير الخالدة- كنموذج لمثل هذه المقارنات. فمأساة هاملت تتلخص في أنّ عمه قتل والده- الملك- غدرًا واستولى على عرش الدانمارك، فظهر له طيف والده طالبًا منه الانتقام، وكل المأساة تتمحور حول تردد هاملت في الأخذ بالثأر واسترجاع الحكم الضائع، هذا التردد أفضى في النهاية إلى سقوط كثير من القتلى.

بالمقارنة، لا نجد في الكويت هاملت واحدًا بل اثنين، لكن لا يضللنا الانطباع بأن مأساة أحدهما تتلخص في الصراع بين كونه وريثاً شرعيًا من ناحية ومعتلاً لا يخوّله الدستور في أن يشغل هذا المنصب من ناحية أخرى، ومأساة الثاني تتمثل في الصراع بين أهليته لحكم البلاد من جهة وبين تصدي هاملت الأول له من جهة ثانية، بل إن الشخصيتين مأساويتان بشكل مسبق ودونما تبرير. ولا نتوهّم أيضًا أن خلافًا لـ"هاملت" شكسبير حيث النهاية التراجيدية، انتهت أزمة الكويت نهاية سعيدة وتوّجت بمشهد المبايعة المهيب وأسدل الستار عنها مثل كثير من المسرحيات العربية، بل ما يميز التراجيديات العربية عن سواها، سواء في عمقها أو في إيهامها بالواقع، أن مجرد نهايتها السعيدة هي الفاجعة بحد ذاتها.

ولي أن أعيب على الإخراج التلفزيوني والفضائياتي حذفه لكثير من المشاهد التي أراها من صميم هذه الدراما النفطوية، وإسقاطه للمواقف التي كانت تظهر فيها الجوقات منشدة، وتفويته على المُشاهِد فرصة الاستمتاع بهذا العمل وقد تكامل. وعزائي الوحيد هو أن أشيد بفرادة هذه التجربة التي شدت أنظار بعض أطقم محطات التلفزة الأجنبية، وأملي أن يتابع الإعلام الغربي هذا الاهتمام، ويتأهب لتغطية تراجيديات عربية موجودة قيد الإعداد، فنكون بذلك قد ضمنا العالمية والانتشار لهذا الفن العربي الأصيل، وأوصلنا رسالتنا إلى كافة أنحاء المعمورة.

ويبقى سؤال قد يلحّ على خاطر البعض: ماذا لو ظهر طيف للأمير المتنحي وأنبأه بأن ثمة مؤامرة، هل سيعيد النظر في قراره؟
- عندها نلجأ إلى استدعاء مسرح من نوع آخر هو مسرح العرائس ونسمح للأطفال بالمشاهدة.

والسلام!

التعليقات