31/10/2010 - 11:02

أسطورة../ ساطع نور الدين

أسطورة../ ساطع نور الدين
لا تريد إسرائيل ان تغادر أساطيرها التأسيسية، لكنها تدخل عليها بين الحين والآخر تعديلات طفيفة، لكي تصبح صالحة للاستخدام في كل زمان ومكان: مناورات الطوارئ الداخلية التي انتهت أمس كانت نموذجا حياً، وترجمة لذلك الوعي الإسرائيلي الذي يبني على التاريخ اليهودي الحافل بالمظالم، قوة هائلة لا تحركها سوى غريزة الانتقام.

ما بين الجد والهذر، انخرط الإسرائيليون طوال الأيام الخمسة الماضية في مناورات تختبر قدرة مؤسساتهم وأجهزتهم واستعدادها لتلقي ضربات خارجية قاسية، بمختلف أنواع الأسلحة المتوافرة عند الأعداء العرب والإيرانيين: أعلنت الحكومة الحرب، فسقط مئات القتلى والجرحى، وانتشر آلاف عمال الإسعاف والإنقاذ والإطفاء، ونزل الأطفال إلى الملاجئ، واختبرت مقرات القيادة السرية، ومراكز الاتصال والإعلام البديلة...

كانت الدولة كلها تزاول لعبة الحرب، وكان المجتمع كله في حالة استجابة. لم يسأل أحد عن الكلفة المادية الباهظة التي فاقت 300 مليون دولار، ولا عن الكلفة النفسية التي فاقمت الإحساس العام بالخوف من ذلك الخطر الخارجي المفترض، والتي ساهمت في تعبئة الجمهور إلى هذا الحد الاستثنائي، ودفعه الى الاقتناع مرة اخرى بطلب إزالة ذلك التهديد بأي ثمن.. حتى ولو اقتضى الامر اللجوء الى إبادة الآخر!

كانت الحرب على لبنان في صيف العام 2006، هي الحافز الرئيسي لهذا الاختبار الأكبر من نوعه لجهوزية الجبهة الداخلية. لكن الأعراض التي ظهرت في المجتمع الاسرائيلي منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لا تدع مجالا للشك في أن عقدة البقاء والوجود هي جزء مهم من الثقافة المفتعلة للدولة، ومن مكونات عصبيتها المزعومة.. التي تأبى الاعتراف بأن المشروع الصهيوني ليس قوميا ولا دينيا، بل كان وسيبقى طليعة مشروع غربي ورث الاستعمار الأوروبي القديم وعمل على تحديثه وتطويره.

خلال المناورات استحضرت أسطورة قلعة "ماسادا"، التي شهدت التمرد اليهودي الأول، والأخير أيضا، على الحكم الروماني ما بين العامين ستين وسبعين للميلاد. لكن التعديل الذي أدخل عليها، يسقط فكرة الانتحار الجماعي الذي سار إليه سكان تلك القلعة، ويستعيض عنها بفكرة استعراض القوة إلى الحد الأقصى، باعتبارها العلاج من مظاهر الضعف والخنوع التي يسجلها التاريخ اليهودي، والتلويح بها كخيار الزامي للثأر من تلك المأساة، ومن جميع المآسي التي واجهها اليهود على مر العصور.

تحولت تلك الاسطورة المعدلة الى عقيدة إسرائيلية رسمية غير معلنة. صار العيش في القلعة وتحصينها وتزويدها بأحدث الأسلحة الهجومية دستورا ثابتا غير مكتوب. وبات تضخيم قوة العدو جزءا من تقاليد الحياة اليومية، ومن مفردات الخطاب الرسمي والشعبي. بلغ الأمر حد إقدام أحد الوزراء مؤخرا على التهديد «بدمار الأمة الإيرانية»، وهو مصطلح يعني ضمنا ان إسرائيل لن تتردد في الاستعانة بقنابلها النووية!

كانت المناورات بداية حقبة جديدة في تاريخ دولة إسرائيل: وحش ينمو ويكبر على فكرة القتال حتى النهاية، التي لا يمكن العثور على مثيلتها في أي من الأساطير اليهودية الأولى؟
"السفير"

التعليقات