31/10/2010 - 11:02

أصل القضية: فلسطين/إلياس سحاب

أصل القضية: فلسطين/إلياس سحاب
ليس هذا شعارا عاطفيا، او عقائديا، أو نظريا، ولكن يبدو ان تطور الاحداث في الصراع العربي الاسرائيلي، وتصرفات كثير من الاطراف على الصعيد الفلسطيني الداخلي، وعلى الصعيد العربي، وعلى الصعيد الدولي، إضافة الى تصرفات دولة اسرائيل المحكومة أصلا بالعقيدة الصهيونية، كل ذلك يجعل عنوان هذا المقال الشعار الأكثر واقعية الذي لا بد من تذكير كل هذه الأطراف به، لأنه الأساس الوحيد الممكن لبناء حل جدي وقابل للحياة.

ولعل نقطة الماء التي جعلت الكأس تفيض فتطفح، تتمثل في مسألتين:

› تصرف افراد من حركة فتح، تحت تأثير صدمة الانتخابات التشريعية الأخيرة، فراحوا من على شاشات الفضائيات العربية يضغطون على حماس، بضرورة الالتزام بأوسلو، وكأن اسرائيل ملتزمة باوسلو من الأساس، وكأن حماس هي الطرف السياسي الوحيد في الصراع كله، غير الملتزم بأوسلو.

› تصرف المجتمع الدولي الممثل باللجنة الرباعية (التي تضم الأمم المتحدة طرفا اساسيا الى جانب القوى الكبرى)، الذي يهدد بقطع المساعدة عن السلطة الفلسطينية اذا لم تتوقف حماس عن المقاومة نهائيا، وتعترف بإسرائيل. وكأن مقاومة الاحتلال هي الخطأ الاساسي، وليس الاحتلال نفسه، وكأن اسرائيل تعترف اصلا بشعب فلسطين، وحقوقه بدولة عاصمتها القدس، وحقوق فلسطينيي 1948، بالعودة الى وطنهم، حتى لو تغير اسم القسم الأكبر، من هذا الوطن، من فلسطين، إلى اسرائيل.

إن هذين التصرفين بالذات، على الصعيد الفلسطيني، وعلى الصعيد الدولي، اذا ما أضيف اليهما الموقف العربي الرسمي، الذي انسحب من القضية تماما فأصبح قابلا بأي حل تقبل به السلطة الفلسطينية، حتى لو كان فيه تنازل عن حقوق أساسية لشعب فلسطين، ان هذه التصرفات مجتمعة ترفع أعلى الحواجز في وجه ايجاد حل تاريخي عادل ومتوازن للصراع، الذي كان العرب (وخاصة الفلسطينيين) ضحيته من البداية الى النهاية، وفرض حل، بدلا من ذلك، يصبح فيه العرب (والفلسطينيون) هم المجرمون المطلوب منهم التنازل عن حقوقهم الاساسية، تكفيرا عن الجريمة التي اقترفوها.

يبدو ان هذه هي اللحظة المناسبة لتذكير جميع الاطراف بالحقيقة الجوهرية البديهية للصراع، الذي بدأ بمشروع مشترك مجنون بين الاستعمار الاوروبي والحركة الصهيونية، والذي حاول المجتمع الدولي تخفيف فظاعة آثاره العملية، بقرار التقسيم الشهير، الذي وضع حدودا بالغة الدقة لدولتين متجاورتين: فلسطين وإسرائيل، دون ان يفعل بعد ذلك شيئا يساعد على فرض القرار، خوفا من المضاعفات على الأقل (إن لم يكن حرصا على روح العدالة)، بل فعل كل شيء بالاتجاه المعاكس، اتجاه مساعد: اسرائيل وتشجيعها على تجاوز حدود التقسيم في العام 1948، ثم على احتلال فلسطين كلها في العام 1967، (إضافة الى اراض عربية مجاورة)، وهو الواقع الذي حاول المجتمع الدولي احتواءه نظريا، بالقرار 242، لكنه ظل هذه المرة ايضا لا يفعل شيئا لفرض تطبيق القرار، بل يقدم لاسرائيل كل ما من شأنه التمكن من مخالفة القرار الجديد، واضافة آثار بشعة جديدة، الى الآثار البشعة القديمة.

الآن، ما هو الوزن السياسي العملي، للقرارين 181 و242 على صعيد الهيئة الدولية التي اصدرتهما في العامين 1947 و1967؟
أعتقد ان هذا هو السؤال المركزي، بل القضية الاساسية، التي يجب ان تحكم اي برنامج عملي لوحدة وطنية حقيقية بين الفصائل الفلسطينية، وخاصة الفصيلين الاساسيين: فتح وحماس، وليس اتفاقيات أوسلو التي حولتها اسرائيل، حبرا على ورق، مثل القرارات الدولية السابقة.

والسؤال نفسه، لا بد من ان يكون النقطة المركزية الحاكمة في اي مفاوضات جادة بين القيادة الفلسطينية الجديدة، وقيادات المجتمع الدولي.

على الجميع ان يستعيد اليوم أصل القضية، حتى يكتشف الطريق الوحيد الذي يقود الى الحل.

لم يعد بالامكان طبعا، اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل العام 1948، على الجميع ان يدرك ذلك نظريا وعمليا (بمن في ذلك حماس)، لكن ليس بالامكان أيضا، ولم يعد بالامكان، التمادي اللاأخلاقي في تجاهل شعب فلسطين (ارضا وحقوقا) إلى حد تحويل حقوقه السياسية المضمونة في كل المواثيق الدولية، إلى مجرد حقوق بلدية، او انسانية، تم تهديده، فوق ذلك، بحرمانه من هذه الحقوق البلدية والانسانية، اذا لم يخضع تماما لمشروع الحركة الصهيونية، بكامل بنوده، وإلغاء نفسه ووطنه وحقوقه بالكامل، تسهيلا لاستكمال المشروع الصهيوني الى آخر <<بنود>> فيه، خلافا حتى للقرارات الدولية نفسها، وليس فقط لحقوقه غير القابلة للتنازل عنها، كما تقول شرائع الأمم المتحدة نفسها.

على الجميع ايضا ادراك ذلك، مرة وإلى الأبد، بمن في ذلك اسرائيل وأميركا، وربما بعض العرب.
على الجميع ان يتذكروا ان فلسطين هي أصل القضية، وليس <<أمن اسرائيل>>، كما يصر الجميع حتى الآن في اتجاه معاكس، يتورط فيه الجميع.
آن للمجتمع الدولي ان يعي الخلاصة التاريخية لهذا الصراع: حلوا أصل القضية أولا، تجدوا الأبواب مفتوحة أمام حل فروعها.



عن "السفير"

التعليقات