31/10/2010 - 11:02

أعراس " للفشخرة" والجاه الاجتماعي../ راسم عبيدات

أعراس
...... لأننا أمة مهزومة ومقهورة ومأزومة من المحيط إلى الخليج، فإنه ليس أمامنا إلا أن نستعرض، بطولاتنا وصولاتنا وجولاتنا "وضرب الموزر يلبقنا" أمام نسائنا، ونثبت لهن أننا خبراء، بل وسجلنا الرقم القياسي في كتاب " دينس"، في التهام " الطبايخ" وإعداد الولائم والمناسف، وخبرتنا هذه لا تضاهيها سوى خبرة ومأثرة أخرى، هي عشقنا وحبنا للنساء، والقدرة عل إفتراسهن والتهامهن كالتهام الطعام..

كيف لا ! ونحن أمة مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم، وأمة حاتم الطائي، أمة يشهد لها القاصي والداني بالكرم العربي الأصيل وحسن الضيافة، حتى أن البند الرئيس لكل القمم العربية هو "هذا وقد عبر أصحاب الفخامة والجلالة والسمو من رؤساء وملوك وأمراء عن عظيم شكرهم وتقديرهم على حسن الضيافة والاستقبال ..."، وكذلك أليس نحن من ابتدعنا وأجزنا وشرعنا وأصدرنا فتاوى زواج المسيار وزواج المتعة وزواج الكيف وفتاوى إرضاع الكبير من زميلته في العمل قبل إرضاع الصغير من أمه، والحبل على الجرار..

ولأن مجتمعاتنا العربية صاحبة البراعة والاختراع في المداهنة والنفاق الاجتماعي، فأبشركم بأننا لن نتقدم خطوة واحدة للأمام، ونحن بحاجة إلى ثورة اجتماعية شاملة على كل المفاهيم والمواريث الاجتماعية التقليدية والبالية، والتي تعشعش في تلافيف أدمغة وعقول الكثيرين منا الواعين والمثقفين قبل غيرهم، وأنا في هذه المقالة سأسلط الضوء على المظاهر والسلوكيات المرافقة لحفلات الأعراس عندنا..

هذه الأعراس التي يفترض أن تكون، مناسبات للفرح والمسرة والبهجة واستحضار تراثنا وقيمنا الإيجابية، ولكن هذه المظاهر والسلوكيات والتي سأتحدث عنها، أصبحت مصدر قلق وإزعاج وشكوى وتذمر الكثيرين منها، ولكن دون أن يجرؤ أحد على تعليق الجرس، أو خطو خطوة عملية إلى الأمام نحو الحد منها وليس التخلص الكلي، بحيث غدت الأعراس مشاريع للاستثمار الاجتماعي والاقتصادي، واستعراضاً لمظاهر الجاه الإجتماعي و"الفشخرة" وغيرها، من الأمراض الاجتماعية، وكذلك غالباُ هذه الحفلات ما يرافقها إسراف وتبذير غير مبرر وليس له داع أو سبب سوى "الفشخرة" والمظاهر الكذابة والمخادعة ومقولات "ما في حدا أحسن من حدا"، أبو شادي ذبح في عرس ابنه عشرين رأس غنم، إحنا لازم نذبح ثلاثين، عزم ألف إحنا لازم نعزم ألفين، وإذا سهر ليلتين لازم نسهر ثلاثة، وإذا جاب فرقة على السهرة، لازم نجيب فرقتين "حداية وعويدة"، لأنه إحنا ناس معروفين وما بصير في البلد، يظهر أبو شادي إنه لا سمح الله أحسن وأفضل منا، وإحنا أولاد أصل وفصل، ومن جماعة السيف أصدق أنباء من الكتب..

وفي هذا السياق لكم أن تتصوروا أن أحد الأشخاص في إحدى المدن الفلسطينية، في حفلة عرس أحد أبنائه، وجه الدعوة لعامة الناس لحضور حفل الزفاف، وأن بطاقات الدعوة للعديد من الأشخاص، استقدمت خصيصاً من خارج البلاد، بالإضافة إلى أنه سعى لإنزال العروسين من الجو فوق صالة الأفراح، أما اللحوم والفواكه والحلويات والمفرقعات وأسطول السيارات المرافقة للعروسين فحدث ولا حرج، والشيء الملفت والغريب هنا يا إخوان، أن الكثير من الشخصيات الدينية و السياسية والاجتماعية التي تنتقد هذه الظواهر والمظاهر ليل نهار، هي أول من يلبي هذه الدعوات، ويبارك مثل هذه الأعراس، دون أن تقول في حقها كلمة نقد واحدة، خوفاً أن تفسد فرحة العروسين وأهلهما، وحقيقة الأمر هي في قرارة نفسها راضية، وتزهو " كالطواويس " في صفوفها الأمامية، معززة بذلك حالة النفاق والرياء والدجل الإجتماعي، وبعد ذلك تريد أن تقنع الجماهير، بأنها رموز للتغير والتثوير، وهي في الغالب رموز للتطبيل والتزمير ليس إلا.

هذه الظواهر والمظاهر التي يجب التوقف أمامها ليس في الأعراس فقط، بل في الكثير من سلوكنا ومظاهر حياتنا الاجتماعية، وبالعودة لحفلات الأعراس والمظاهر والسلوكيات المرافقة له، والتي تهدر وتبدد الكثير من المال والوقت والجهد والأعصاب للكثيرين منا، والتي ربما تصل لحد سن قوانين وتشريعات أو ربما ميثاق شرف، رغم قناعتي أن مواثيق الشرف لم نحترمها في حرمة الدم الفلسطيني، فهل من المعقول أن نحترمها ونلتزم بها في الأعراس ؟

ففي الكثير من حفلات الأعراس وتحت ذريعة ويافطة، أن هذه فرحة العمر، ترى وتشاهد الكثير من مظاهر "البهرجة والفشخرة" والتي في العديد من الأحيان ديون على جيب العريس، يقوم بتسديدها بعد انتهاء مراسيم العرس، "وبعد ما تروح السكرة وتيجي الفكرة"، بدءاُ من بطاقات الدعوة ومروراً بتسريحات الشعر في الصالونات، حيث تحرص العروس على أن يرافقها جيش من القريبات والصديقات على حساب العريس لمشاركتها الفرحة، وأسطول السيارات المرافق للزفة وكاميرات التصوير المجوقلة والأرضية وغيرها..

والأمور ليست قصراً على ذلك، فإن ابتلاك الله وكنت شخصية ذات موقع مرموق أو مسؤول أو شخصية عامة أو مجتمعية، وكانت ظروفك المادية على قد الحال، لأنك لست من جماعة "إهبش قد ما تقدر" ففي إطار النفاق والتملق الاجتماعي تصلك بطاقات الأفراح على مدار الأسبوع، والعديد من بطاقات الدعوة لأعراس في نفس اليوم، وتختلط عليك الأمور، وتصبح على غرار العديد من موظفي ومدراء "الأنجزة" بحاجة إلى جداول للمواعيد والأعراس وسكرتيرات تنفيذيات..

والمسألة ليست حصراً على دفع النقوط، بل إنك عندما تقرأ بطاقة الدعوة، ترى أنها أشبه بالبيان أو التعميمات الداخلية، يوم للحناء ويوم للشموع، ويوم للغداء، ويوم للسهرة، ويوم للفرقة والعويدة، ويوم لحفلة الزفاف، وطبعاً جزء من هذه الطقوس، في بيت أهل العريس، وجزء آخر في بيت أهل العروس، وأخرى في القاعات وخلف "المحاسيم" والجدران الفاصلة، وتجد نفسك في دوامة غير منتهية، وهي ليست قصراً على يوم أو شهر دون الآخر.

ومن مظاهر النفاق والتملق والرياء الاجتماعي، التي تشاهدها في هذه الحفلات، أن بطاقات الدعوة لا تصلك فقط من أصدقاء أو معارف لهم علاقات أو صلات بك، بل من أناس لا تعرفهم ولا تقيم صلات معهم، وكذلك حملات الإبادة الجماعية للثروة الحيوانية وتحديداُ، الخراف والجديان، وصناديق المشروبات الغازية ودلال القهوة السادة بالإضافة إلى معارض الفواكه، وشباب وصبايا يرقصون على أنغام موسيقى غربية تصم الآذان، وغالباً ما تكون أغاني من الفن الهابط من طراز " رجب وبوس الواو وآه ونص ... الخ .

وبعد.. ألم يحن الوقت للوقوف أمام مثل هذه المظاهر والسلوكيات المرافقة للأعراس وغيرها الكثير من المناسبات الإجتماعية، والتي تثقل على الجميع، وكما ينتقدها الجميع بصمت دون أن يجرؤ أحد على تعليق الجرس؟ فهل نبادر ونخطو خطوة عملية نحو محاربة هذه المظاهر والسلوكيات التي تثقل علينا جميعاً، أم نستمر في سياسة النفاق والرياء والتملق الإجتماعي ؟..

التعليقات