31/10/2010 - 11:02

أوباما: لا يستطيع أم لا يرغب؟!../ علي جرادات

أوباما: لا يستطيع أم لا يرغب؟!../ علي جرادات
دون أن يحمل أية إجابة إسرائيلية حول الدور الأمريكي في المفاوضات أو مرجعيتها أو ربطها بالوقف الشامل الكامل للأنشطة الإستيطانية في الضفة، ناهيك عن القدس أو رفع الحصار عن غزة، حمل ميتشل للفلسطينيين، ومن خلفهم العرب، رسالة فحواها: إن على الفلسطينيين أن يتوجهوا إلى مفاوضات ثنائية مباشرة مع نتنياهو قبل أيلول القادم، حيث تنتهي مدة مهلة لجنة المتابعة العربية للمفاوضات غير المباشرة، ومدة التجميد الإسرائيلي الصوري، "الجزئي والمؤقت"، للأنشطة الإستيطانية.

بكلمات أخرى، جاء ميتشل كمبعوث لأوباما ليضغط على الفلسطينيين، فضلا عن محاولة كسب الموقف الرسمي العربي في الضغط على الفلسطينيين، بحجة أن ذلك في مصلحتهم، وأن هنالك استعدادا لدى الإسرائيليين لمعالجة كافة القضايا، وأنهم سيقدمون مقترحات جدية على طاولة المفاوضات، وأن هذا ما لمسه أوباما في لقائه الأخير مع نتنياهو.

ومن نافلة القول، وحسب ما تتناقله التقارير الصحافية، فإن الضغط الأمريكي جاء مغلفاً بالحديث حول استعداد نتنياهو للإقدام على عدد من خطوات بناء الثقة من قبيل النظر بإيجابية في:

إنشاء بعض المراكز الشرطية الفلسطينية في (المنطقة ب)، طريق مدينة الروابي، وقضية بعض الأسرى، رفع مستوى التقرير في اقتحام المدن الفلسطينية، زيادة التموين لغزة........ من الخطوات الصورية التي لا تمس الجوهر السياسي للاحتلال، بل هي حتى دون إعطاء دفعة للسلطة الفلسطينية عبر إعادة سلطتها إلى ما كانت عليه قبل أيلول2000.

جوهر الأمر أن البيت الأبيض يدفع بالفلسطينيين إلى جحيم المفاوضات الثنائية المباشرة دون أية شروط أو ضمانات، وتكون طاولتها، يعني موازين القوى، هي الفيصل في تحديد المرجعية والأسس. والسؤال: بعد مضي عشرين عاما على هذا الطراز من المفاوضات التي لم تسفر عن نتيجة، اللهم تكريس المزيد من حقائق الرؤية الإسرائيلية على الأرض، ترى ما هي ضمانات أن يكون الحصاد هذه المرة مختلفاً؟؟!!

كأن ميتشل يقول: على الفلسطينيين، ومن خلفهم العرب، أن يثقوا في أوباما لأنه لن يخذل الفلسطينيين، ما يطرح سؤال: ترى لماذا يثق الفلسطينيون في أوباما؟؟!! أو على الأقل، لماذا يثقون به أكثر من غيره من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة؟؟!!

وهذا يطرح سؤالا أكثر جوهرية، فحواه: هل أوباما كرئيس للولايات المتحدة لا يستطيع أم لا يرغب في الضغط على القادة الإسرائيليين من أجل إلزامهم بالتخلي عن صلفهم الرافض للتوصل إلى أي اتفاق سياسي لا يأتي على مقاس رؤيتهم الإبتلاعية الإقتلاعية العدوانية، الأمر الذي عبر عنه مؤخراً، (علنا وبسفور)، موشي يعلون وزير التخطيط الإستراتيجي في حكومة نتنياهو، الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ووصفتها ليفني مؤخراً بالقول: لا يوجد لدى حكومة نتنياهو أي أفق سياسي؟؟!!

قد يرى البعض أن أوباما يرغب في الضغط على القادة الإسرائيليين من أجل إحراز تسوية سياسية متوازنة، ولا نقول عادلة، للصراع. وبالتالي، فإن على الفلسطينيين والعرب الثقة به، وإعطاءه فرصة أخرى، وعدم المبالغة في الحكم عليه من خلال ما أعلنه من انحياز سافر لصلف نتنياهو عقب لقائه الأخير معه، على اعتبار أن موقف أوباما الأخير لا يعكس حقيقته، بل جاء ارتباطا بحاجته التكتيكية للصوت اليهودي في الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني المقبل. ويدعم هذا البعض تحليله المتفائل بأوباما باستذكار خطابه عقب فوزه، وما حمله من مواقف ليبرالية واعتدال شكلي ظاهري، هي في الحقيقة لا تعدو كونها محاولة متجددة لتكريس الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية المشتركة في المنطقة، وإن جاءت مخالفة في الشكل لطريقة بوش الفجة، التي نالت من النقد ما نالت من حلفاء أمريكا الأوروبيين الإستراتيجيين، بل وتعرضت لانتقادات داخل الولايات المتحدة نفسها، ما قاد إلى تشكيل لجنة، ولاحقاً توصيات، بيكر-هاملتون، وكانت النتيجة النهائية خسارة الجمهوريين للانتخابات وتحقيق الديمقراطيين بزعامة أوباما فوزاً ساحقاً.

ترى على ماذا تستند القراءة المتفائلة لأوباما؟؟؟
قطعاً على كونه أول رئيس أمريكي أسمر البشرة من أصول إسلامية أفريقية، فوالده مسلم من كينيا، فيما كان جده وثنيا، اعتنق المسيحية لاحقا، ثم عاد واعتنق الإسلام فيما بعد. والسؤال: هل أصول أوباما الأفريقية الإسلامية، ونزعاته الإنسانية في شبابه، كما سجلها في كتابه (أحلام أبي)، كافية للقول إن باستطاعته تغيير القواعد الإستراتيجية للسياسة الأمريكية النابعة من المصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية؟؟!!

وهذا يطرح بدوره سؤالاً آخر، هو:
حتى أصبح بمقدور أوباما صاحب الأصول الإسلامية الأفريقية السوداء أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، ترى أيهما الذي تغير، أوباما أم القواعد الإستراتيجية للسياسة الأمريكية، ومنها بالطبع السياسة الأمريكية الشرق الأوسطية، المنحازة بسفور للرؤية الإسرائيلية؟؟!!

في هذا السياق ما زالت ذاكرتي تحتفظ بإجابة الرئيس المصري حسني مبارك على هذا السؤال المفصلي في قراءة أوباما في أعقاب فوزه الساحق في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. يومها لخص الرئيس المصري إجابته بالقول: إن أوباما هو الذي جاء للنظام الأمريكي وليس العكس. وأعتقد أن هذا عين الصواب لمن يريد أن يتعامل مع حقائق السياسة الأمريكية كما هي بعيداً عما تبثه حول نفسها من أوهام، أو على الأقل، لمن يريد التعامل مع السياسة الأمريكية عبر التمييز بين ما هو إستراتيجي وما هو تكتيكي فيها، بما في ذلك سياستها الشرق أوسطية.

وحتى لا نبتعد عن ملموس الضغط الأمريكي الجاري على الفلسطينيين لدفعهم مرة أخرى، وبعد عقدين من الفشل، إلى جحيم المفاوضات الثنائية المنفردة المباشرة تحت الرعاية العملية الأمريكية، فإن على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إدراك أن مجاراتها للضغط الأمريكي هذه المرة يعادل الانتحار. فالصراع مع الصلف الإسرائيلي في أكثر تعبيراته الحزبية تطرفاً (نتنياهو-ليبرمان)، هو أيضا، بالضرورة وموضوعيا مجابهة مع السياسة الأمريكية التي ظلت على الدوام، ولا زالت، منحازة بسفور للرؤية الإسرائيلية على اختلاف مشاربها الحزبية. والرئيس الأمريكي الحالي، أوباما يستطيع الضغط على الصلف الإسرائيلي، لكنه لا يرغب، ناهيك عن أنه حتما لا يريد، لأنه، ومنذ دخل البيت الأبيض، أصبح ملزما بقواعد السياسة الأمريكية الإستراتيجية التي يشكل التحالف الإستراتيجي مع تل أبيب أحد أعمدتها الأساسية.

عليه، فإن المخرج الحقيقي من الضغط الأمريكي على الفلسطينيين يكمن في:
1: تحديد موقف فلسطيني واضح برفض مواصلة السير في جحيم المفاوضات، وإعلان ذلك معَللاً على لسان المؤسسات الفلسطينية ذات الشأن.
2: المطالبة العلنية من مركز القرار الرسمي العربي بإسناد الموقف الفلسطيني، خاصة وأن ميتشل يطوف على العواصم العربية في محاولة لكسب مواقفها في الضغط على الفلسطينيين.
3: مطالبة باقي دول العالم خارج واشنطن وتل أبيب، والنافذة منها تحديداً، بتفهم الموقف الفلسطيني ودعمه.
ودون ذلك هو الانتحار بعينه.

التعليقات