31/10/2010 - 11:02

أوباما محكوم بالاستراتيجية الأمريكية../ عوني فرسخ

أوباما محكوم بالاستراتيجية الأمريكية../ عوني فرسخ
في تعليقه على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية قرن الأستاذ محمد حسنين هيكل نجاح أوباما بسقوط جدار برلين سنة 1989، فيما أبرز أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى أهمية نجاحه وشدد على تأكيده بأن أمريكا بحاجة للتغيير.

ولما كان انتخاب رئيس إفريقي الجذور يؤشر للتقدم على صعيد اندماج مكونات المجتمع الأمريكي، فلا أحسب أن هيكل بمقارنته قصد الإيحاء باحتمال تفكك المجتمع الأمريكي وانهيار نظامه الرأسمالي، كما تفكك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو وانهار النظام الشيوعي، وإنما قصد، في تقديري، سقوط الأحادية القطبية الأمريكية، واحتكار “الواسب” - البيض، الأنجلوساكسون الجذور، البروتستانت لصناعة القرارات الأمريكية، وانهيار الرأسمالية المتوحشة واستراتيجية حرية السوق بلا ضوابط حكومية واجتماعية.

والسؤال المحوري: أي نصيب للعرب في “التغيير” الذي نجح أوباما بالدعوة إليه، وفي ظن غالبيتهم أن يمارس نقيض بوش، وتتغلب جذوره التراثية على الثقافة التي نشأ عليها، متجاهلين أنه ما كان ليحوز القبول الأمريكي لو عكست مسيرته ما يستشف منه أن لجذوره أدنى تأثير في مواقفه، خاصة على صعيد اهتماماته السياسية التي برزت منذ مطلع شبابه. ولم يكن في خطابه الانتخابي الا ما يدل دلالة قاطعة على أنه أمريكي النشأة والثقافة والطموح والالتزام.

وإن كنت على يقين بأن التغيير المنتج في حاضر العرب ومستقبلهم انما هو الذي تصنعه نخبهم السياسية والفكرية وجمهورهم باتجاه تكاملهم القومي، وتفعيل قدراتهم البشرية وإمكاناتهم المادية وتراثهم الحضاري. إلا أنني في الوقت ذاته مدرك شدة تأثر الحراك العربي قطرياً وقومياً بالمتغيرات الإقليمية والدولية، خاصة التي تقع في نصف الكرة الشمالي، والولايات المتحدة الأمريكية على الأخص. لأهمية “إسرائيل” في الثقافة والفكر والحراك السياسي الأمريكي. فضلاً عن سعة وعمق المداخلات الأمريكية في دوائر صناعة القرارات العربية.

ولقد أعادتني مقارنة نجاح أوباما بسقوط جدار برلين لذلك اليوم التاريخي، إذ كنت في واشنطن مشاركاً في ندوة أقامتها “رابطة الخريجين العرب الأمريكيين” بمناسبة مؤتمرها السنوي. حيث قدمت ورقة بعنوان “إشكاليات الأقليات في الواقع العربي”. وقد أثار أحد الحضور موضوع استخدام الغاز ضد الأكراد في “حلبجة”، فانبرى للرد عليه أحد الحضور الأمريكيين مدعياً بأن التحقيقات أثبتت مبادرة إيران باستخدام السلاح الكيماوي، وأن لدى الإدارة الأمريكية ما ينفي مسؤولية نظام بغداد عن تلك الجريمة.

وفي اليوم قبل الأخير للندوة أذيع خبر سقوط جدار برلين، وكان حاضراً وكيل الخارجية الأمريكية الأسبق مورفي، الذي أجاب عن سؤاله حول انعكاس ذلك على السياسة الأمريكية مرجحاً تأثر علاقة واشنطن بكل حلفائها عدا “إسرائيل”. وبسؤاله: ولماذا “إسرائيل”؟ أجاب “هناك التزامات أدبية على الشعب الأمريكي تجاه “إسرائيل””.

ذهب البعض إلى توقع أن يؤدي نجاح أوباما في “التغيير” إلى تعزيز قدرات أمريكا، وتجميل صورتها، بما ينعش أوهام غالبية العرب والمسلمين خلافاً لما يمكن أن يفعله الرئيس المنتخب. ذلك لأن أقصى ما يحتمل أن يقدمه فلسطينياً لن يصل عرض كلينتون عام 2000 الذي رفضه الراحل ياسر عرفات، في مرحلة التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية. ما يعني تدني أقصى ما قد يعرضه الرئيس أوباما، بعد أن عفا الزمن على تلك المرحلة وغدت المقاومة العربية في العراق ولبنان وفلسطين أرقاماً صعبة مستحيل تجاوزها. أما بالنسبة للعراق المحتل فالانسحاب محكوم بقرار البنتاغون وشركات البترول وإن كان أوباما قد وعد بتنفيذه خلال ستة عشر شهراً. فضلاً عن أنه لم يأت على ذكر وعده في خطاب انتصاره.

وليس أدل على أن المستبشرين بالرئيس الأسمر إنما يسقطون آمانيهم الرغائبية على الواقع من الوقوف مع خطابه في القدس المحتلة يوم حج إليها ملتمساً البركة اليهودية لترشيحه، أو التدقيق في السيرة الذاتية لراحم ايمانويل الذي اختاره ككبير موظفي البيت الأبيض، لتبين مدى استعداده للوفاء بالتزامه لمن دعموه ليكون أول ملون يجلس في كرسي الرئاسة، متوجاً التحول الجذري على صعيد القمة الأمريكية ولو اقتضاه ذلك، وهو القانوني، تجاوز شرعة حقوق الإنسان، والقرارات الدولية، وحق المقاومة المشروع دولياً. وذلك باعتباره “إسرائيل” دولة يهودية متجاهلاً وجود مليون وربع مليون عربي هم وحدهم أصحاب الوجود الطبيعي والتاريخي فيها. وبتأييده إبقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية لـ”إسرائيل” في مخالفة صارخة لقرار مجلس الأمن برفض ضم القدس الشرقية. فضلاً عن أنه بدعمه “أمن” “إسرائيل” يتناسى كونها دولة احتلال تقع تحت طائلة مساءلة محكمة الجنايات الدولية، إذ تمارس جريمة إبادة الجنس بحصارها قطاع غزة، الذي لم يأت على ذكره أوباما كمرشح أو كرئيس منتخب.

ولم تأت مواقف أوباما، المرشح والرئيس، المجافية للحقوق العربية المشروعة من فراغ، وإنما هي التعبير الواضح لالتزامه بالاستراتيجية الأمريكية بدعم مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، التي اعتمدها الرئيس ويلسون بإقراره وعد بلفور قبل إصداره، لإقناعه بأن ذلك ما تتطلبه المصلحة الأمريكية، ثم أكدها الكونجرس بإجماع مجلسيه النواب والشيوخ في 20/6/1922. ولن يختلف مسار الصراع التاريخي الذي فجره الوجود الصهيوني في عهد أوباما عما جرى عليه منذ عهد ويلسون. وفي واقع المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين ما يؤشر للتغيير الجدير بأن يتفاءل به الذين صدمهم أوباما بالانكشاف المبكر لتبنيه الطروحات الصهيونية.
الخليج"

التعليقات