31/10/2010 - 11:02

أوباما والعرب../ رغيد الصلح*

أوباما والعرب../ رغيد الصلح*
تضمن خطاب باراك أوباما الذي ألقاه في الثاني عشر من شهر حزيران/يونيو الحالي أمام اللجنة الأمريكية - “الإسرائيلية” للشؤون العامة (آيباك) كل ما لا يرغب ناقدو “إسرائيل” بسماعه وكل ما يستطيبه الصهاينة الأمريكيون المتشددون: تمجيد المضامين “الأخلاقية” للحركة الصهيونية وللكيان العبري، اعتبار القدس عاصمة أبدية ل”إسرائيل”، الالتزام بضمان التفوق النوعي العسكري “الإسرائيلي” على جميع أعدائها، التعهد بتسليح “إسرائيل” بكل ما تطلبه من وسائل التفوق وبتشليح العرب أية وسيلة باقية لهم من وسائل الضغط الاقتصادي والسياسي، الوعد “بتحرير” الولايات المتحدة من الاعتماد على النفط العربي وهو ما يترجم عادة ببسط هيمنة كاملة على النفط العربي (النفط العراقي مثالاً)، تعهد بتأييد شروط السلام كما يفهمها “الإسرائيليون”. كل ذلك في خطاب واحد.

فضلا عن ذلك، خاطب أوباما “آيباك” المنظمة ذات الطابع الصقوري والمؤيدة لغلاة الصهاينة وكأنها هي الممثل الشرعي والوحيد لليهود للأمريكيين والمحدد لدور واشنطن في الصراع العربي الفلسطيني-”الإسرائيلي”.

هذا الموقف اثار بالطبع غضبة بين العرب وخاصة بين العرب الأمريكيين الذين علقوا الآمال على المرشح الأمريكي الشاب، كمال أنه أثار استياء بين أمريكيين كثيرين بمن فيهم بعض الأمريكيين اليهود الذين ينتقدون سياسة “إسرائيل”. وإذ يقر الجميع بأهمية “الآيباك”، فإن البعض انتقد أوباما لانه اغفل متغيرات مهمة طرأت على نظرة الكثيرين من الأمريكيين وعلى اليهود منهم تجاه المسألتين اليهودية والفلسطينية. وفي هذا السياق تبين نادية حجاب في مقال مهم نشرته في مجلة “ذي نيشن” الأمريكية الخطأ الذي ارتكبه أوباما في تجاهل نمو منظمات يهودية أمريكية عديدة تعارض صقورية “آيباك” وتتبنى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

العرب الأمريكيون وجدوا في كلمة أوباما ترجيعا لصدى العلاقة بين اليهود والافارقة الأمريكيين التي سبقت سنوات الستينات. آنذاك كانت العلاقة قوية بين الطرفين. وكان احد حوافز هذه العلاقة هو الخوف من نظرة الأمريكيين العنصريين المعادية للسامية وللسود معا. وكان العمل المشترك بين الكثيرين من النشطاء اليهود والأفارقة يوفر مظلة للعلاقة بين الافارقة واليهود عموما. ولكن بعض القادة الأمريكيين الافارقة كانوا يرددون أن تلك العلاقة، وإن كانت في محلها من حيث الرغبة المشتركة في التصدي للعنصرية، إلا انها لم تكن تقوم على التكافؤ.

كانت لهذا الخلل في العلاقة تجليات كثيرة. من هذه التجليات ما كانت له علاقة مباشرة بالصراع العربي-”الاسرائيلي”.

مالكولم اكس، الزعيم الافرو-أمريكي البارز خلال الستينات والسبعينات كان يقول ان اصغر اقلية بين الأمريكيين (اليهود) كانت تسيطر على اكبر اقلية بينهم (الافارقة). وكان يقول ايضا ان الاولين كانوا يجرون الافارقة الأمريكيين الى الوقوف ضد حركات التحرر في العالم والى مساندة العنصريين والامبرياليين خارج الولايات المتحدة، وانهم كانوا يدفعونها الى تقديم الدعم غير المحدود الى “إسرائيل”.

هذا الخلل في العلاقة أدى الى تباعد تدريجي بين الاقليتين اليهودية والافريقية ما لبث أن وصل إلى ذروته خلال صحوة افرو-امريكية شهدتها الولايات المتحدة في مطلع الثمانينات. عندها دعا السيناتور الأمريكي الافريقي جيسي جاكسون ابان حملة ترشيحه لرئاسة الجمهورية الى اقامة تحالف “قوس قزح” يضم الافارقة والآسيويين والأمريكيين اللاتينيين والعرب الأمريكيين ومعهم ايضا يهود ليبراليون ويساريون. الفرق الحاسم بين التحالف الاول والثاني هو أن الاول كان يشكل ظهيرا امريكيا ل”إسرائيل”، اما الثاني فكان ناقدا ل”إسرائيل” ومعارضا لسياستها العدوانية والتوسعية في المنطقة العربية. بين هذين التحالفين أين يقف باراك أوباما؟

يقدم أوباما نفسه الى الأمريكيين على انه قوة تغيير في السياسة الأمريكية، ولعله كذلك. خطابه أمام الآيباك يدل على انه يعتزم التغيير، ولكنه تغيير الى ايام سبقت الصحوة الافرو-أمريكية. يعرض أوباما على “آيبك” “شراكة تستهدف دعم “إسرائيل” في رحلتها الاستثنائية”. هذا العرض يضع نهاية حزينة لايام “قوس القزح” أو لما بقي من هذه الايام. انه يمثل ابتعادا لا عن العرب الأمريكيين فحسب، ولكن كما تقول نادية حجاب، الكاتبة الأمريكية العربية في مقال نشرته في مجلة “ذي نيشن” الأمريكية الليبرالية، انه يشكل ابتعادا عن الكثيرين من اليهود الأمريكيين الذين يرفضون السياسة الأمريكية العدوانية والتوسعية. ولكن هل يمكن اعتبار خطاب أوباما امام “الايباك” محدداً نهائياً لموقفه من العرب ومن الصراع العربي-”الاسرائيلي” وتجاه القضية الفلسطينية؟

إن العرب ليسوا كماً مهملاً. تقدم رندة عبدالوهاب الكيالي، الباحثة الأمريكية العربية، في كتابها حول “العرب الأمريكيين” صورة متفائلة وواقعية معا لاوضاعهم في الولايات المتحدة. انهم يمثلون قوة قادرة على التأثير في السياسة الأمريكية. وعندما دعاهم جاكسون الى الانتظام في حلف “قوس القزح” كان يعرف انهم قوة مهمشة ولكن ليست هامشية. هذه الحقيقة بدأت تفرض نفسها على المسرح السياسي الأمريكي ولكنها اصيبت بضربة ساحقة خلال وبعد احداث التاسع من ايلول/سبتمبر. حتى يفيد العرب من طاقاتهم وقدراتهم التي صورتها الكيالي من دون مبالغة، عليهم ان يحققوا امرين رئيسيين: الاول هو المساهمة الحية والفعالة في ادماج القضية العربية في اطار قضايا التحرر الانساني وليس العربي وحده. الثاني هو اعادة تنشيط وتحفيز المنظمات العربية في الولايات المتحدة. تحقيق هاتين الخطوتين ليس امراً سهلاً، ولكنه كفيل بتصحيح نظرة ومواقف أوباما وغير أوباما الى القضية العربية.
"الخليج"

التعليقات