31/10/2010 - 11:02

أي ثقافة ومناهج الأولى بالمراجعة والتنقيح؟../ عوني فرسخ

أي ثقافة ومناهج الأولى بالمراجعة والتنقيح؟../ عوني فرسخ

في كلمتها أمام “منتدى الديمقراطية” بالدوحة طالبت وزيرة الخارجية “الاسرائيلية” تسيبي ليفني بمراجعة برامج التربية والتعليم العربية. وإن كانت آخر المطالبين بذلك إلا أنها تتميز عن سابقيها ممن توالوا على مطالبة العرب والمسلمين بإجراء مراجعة عميقة وشاملة لمناهجهم وكتبهم وخطابهم الديني، بأنها الأكثر التي يصدق في مقولتها المثل العربي “رمتني بدائها وانسلت”. ذلك لأنها، وإن بدت لمستمعيها المطبعين في غالبيتهم تعبّر عما توصف زوراً وادعاءً بأنها “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط” انما تنطق بلسان تجمع استيطاني عنصري، متناقض من حيث بنيته الفكرية ودوره الاستعماري مع القيم والمفاهيم الديمقراطية، وبخاصة رفض التمييز بين البشر على أي أساس كان، والنظرة الدونية للآخر والتعاطي معه من منطلق عنصري.

ولا أحسبن خريجة مدرسة الموساد، التي تقمصت شخصية المبشرة بالديمقراطية والتعايش السلمي، تجهل أن الثقافة ذات وظيفة سياسية خاصة بالنسبة للتجارب الاستعمارية، وبالذات الاستيطانية منها، أو أنها لا تعرف أن الحركة التي تنطق بلسانها اعتمدت منذ نشأتها الأولى ثقافة عنصرية ذات بعدين متكاملين: المغالاة في تعظيم كل ما يتصل باليهود من تاريخ وقيم وأنماط سلوك، في مقابل المغالاة في الحط من مكانة العرب المستهدفة أرضهم بالاغتصاب، وتبخيس قيمهم وتراثهم الحضاري، وتصويرهم وكأنهم حثالة بشرية واجب إقصاؤها وتطهير الأرض المقدسة الموعودة منها. والمستهدف من ذلك تأصيل القناعة لدى عناصر المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بمشروعية ما يغلب على ممارساتهم من تجاوزات لاأخلاقية ولاانسانية تجاه أصحاب الأرض الشرعيين، وكبت كل شعور انساني تجاه حتى الأطفال منهم.

ولقد وظفت الحركة الصهيونية ولا تزال أسفار التوراة والتلمود في تأصيل ثقافتها العنصرية ببعديها اليهودي والعربي، إذ فضلاً عن الأساطير المؤسسة لقيام دولة “اسرائيل” التي تزخر بها التوراة، ورد في التلمود القول: “أرض اسرائيل خلقت في البدء ثم خلق بقية العالم. وإن نصيب فلسطين تسعة أعشار الحكمة التي نزلت على العالم. وإن تسعة أعشار مقادير الجمال اختصت بها القدس. وإن للاسماعيليين (أسلاف العرب)، نصيباً وافراً من الفسق والفجور. وإن الرب أعطى بني اسرائيل أرض فلسطين ميراثاً أبدياً، وإن وجود الكنعانيين (أسلاف عرب فلسطين) فيها إنما لحراستها حتى يأتي اليهود. وإن القدوس تبارك اسمه ندم لأنه خلق الاسماعيليين”. ويميز التلمود في الحقوق بين اليهود والآخرين (الأغيار).

وفي كتاب “الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود” (ص 40-43) يذكر البروفيسور اسرائيل شاحاك أن كتاب “حنانيا” الأصولي يعتبر غير اليهود مخلوقات شيطانية، وان الجنين غير اليهودي يختلف نوعياً عن الجنين اليهودي، وأن وجود غير اليهودي مسألة غير جوهرية في الكون، فقد نشأ كل الخلق من أجل اليهود فقط. ويضيف شاحاك أن الكتاب متداول بطبعات لا تحصى، وأنه يجري ترويج الأفكار التي يتضمنها في الولايات المتحدة و”اسرائيل”، في أوساط الجمهور وفي المدارس والجيش. ويستشهد بعضو الكنيست شالوميت ألوني، أن حركة “حباد” الأصولية ازدادت بصورة ملحوظة قبل اجتياح جنوبي لبنان سنة 1978 ونشطت في حث الأطباء والممرضين على عدم تقديم الاسعافات الطبية لجرحى الأغيار، من لبنانيين وفلسطينيين. كما يذكر أن عالم الاجتماع والدراسات التوراتية كاوفمان يدافع عن الابادة الجماعية للأغيار (العرب) وفق النموذج المذكور في سفر يوشع. وإن الفيلسوف بيرغمان دعا منذ سنة 1914 لطرد جميع عرب فلسطين الى العراق.

والصورة الغالبة للعربي في قصص الأطفال الصهيونية أنه مجرم وقاتل، يحب القتل من أجل القتل، وهو يسرق لأن ذلك من طبعه، ويغدر حتى بأهله وأقاربه، ويبيع نفسه وشعبه وضميره بأبخس الاثمان، وهو من مجموع الرعاع ولا يقدر الاشياء، جبان لا يقدر على الحرب، وهو الأبله الذي لا يعرف كيف يتحدث أو أن يعرض قضيته بما يقنع الآخرين، ويصدق كل ما يقال له. وهو يكذب ولا يمكن الاعتماد على كلمة يقولها، ولا أي وعد يقطعه على نفسه. وهو قذر في تفكيره وفي جسده. وتغيب في كتب الأطفال الصهيونية صورة الفلاح العربي تماماً، كما لا يرد فيها ذكر المثقف أو المدني العربي. فيما الشخصية النمطية للعربي التي يجري إبرازها بشكل شبه دائم، انما هي صورة البدوي دائم الترحال، الذي لا يستقر في الأرض أو يعرف الانتماء الوطني. وأن تكون هذه هي صورة العربي التي تنطبع في فكر الطفل الصهيوني لا يستغرب ما ينسبه ماريوس شتاينر لأحد المستوطنين أنه قال: “ينبغي خلق حالة تغدو فيها حياة العربي لا تساوي أكثر من حياة فأر، وأن يفهم العالم كله أن العرب هم كالبراز، ونحن لا هم أسياد البلاد الحقيقيون”.

ولا أحسبن ليفني تجهل أن اليهود عاشوا قروناً في مختلف نواحي الوطن العربي في الفضاء الثقافي العربي الاسلامي باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، ودون أن ينتقص من حرياتهم الدينية أو المدنية شيء، ولا عانوا من مشاعر “معاداة السامية” كما عانى يهود أوروبا. أو أنها تستطيع انكار أن العداء الراهن لليهود في معظم نواحي الوطن العربي والعالم الاسلامي انما يعود لإقامة مشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على التراب العربي في فلسطين، وما اقترفه الصهاينة من تدمير المجتمع العربي الفلسطيني، وتشريد غالبية أبنائه، واهدار حقوقهم الوطنية المشروعة، وممارسة التمييز العنصري بأبشع صوره ضد عرب الأرض المحتلة سنة 1948، وبرغم ذلك والت النخب العربية طرح مبادرات التسوية. ودائماً كانت القيادات الصهيونية هي التي تجهض المبادرات العربية، برغم ما حفلت به من تنازلات جوهرية. والمثال الأخير، الموقف من مبادرة قمة بيروت العام2000 التي تضمنت التنازل المجاني عن 78% من أرض فلسطين، ولم تأت على ذكر الحقوق المشروعة لمليون وربع مليون مواطن عربي، هم وحدهم أصحاب الوجود الطبيعي والتاريخي في الأرض التي تنازلت عنها مبادرة القمة.

ولا شك في أن ثقافتنا ومناهجنا وخطابنا الديني بحاجة ماسة للمراجعة لتحريرها من تراكمات عصور الانحطاط، وثقافة الهزيمة المسكون بها المطبعون، وتصويب مقولات الغلاة في ضوء قراءة عصرية للكتاب والسنة وتراث السلف، بحيث تستعيد ثقافتنا العربية الاسلامية قدرتها الفذة على التفاعل مع الثقافات الأخرى، بمثل ما كانت عليه أيام كانت المدن العربية مراكز العلم والمعرفة والاشعاع الحضاري. وحين تعقد مقارنة الثقافة الصهيونية، ليس فقط بالثقافة العربية الاسلامية، وإنما حتى بمقولات المغالين في تفسيرهم للنصوص من الكتاب والسنة والذين هم أقلية لا تذكر في المجتمع العربي، يتضح أي ثقافة ومناهج الأحق بالمراجعة والتنقيح.
"الخليج"

التعليقات