31/10/2010 - 11:02

أي مستقبل لدعوة أولمرت وبوش للدولة اليهودية؟../ عوني فرسخ

أي مستقبل لدعوة أولمرت وبوش للدولة اليهودية؟../ عوني فرسخ
ليواري أولمرت أزمات حكومته وتداعيات سقوط أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، مضى للتصعيد بأن دعا لاعتراف دولي وعربي بالكيان “دولة يهودية”. محاولاً استغلال وهن النظام الإقليمي العربي ومأزق إدارة الرئيس بوش الذي أعلن تأييدها في لقاء أنابولس. والذي يتجاهله أولمرت وبوش وقابلو الدعوة العنصرية الصهيونية على جانبي الأطلسي، ولا تفطن له النخب العربية المهرولة للصلح والتطبيع، أن هذه ليست الدعوة الأولى للتطهير العرقي في فلسطين، ولا هي أولى الاستجابات الأمريكية لذلك، وإنما هما دعوة واستجابة توالتا، كما تواصل إفشالهما بفعل ممانعة ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني.

فهرتزل في كتيبه “الدولة اليهودية” جمع بين الفكر العنصري والارتباط العضوي بالإمبريالية. وتتضح عنصريته بتجاهله كون فلسطين عامرة بشعب غني الموروث الحضاري. ولم يقف عند التوصية باعتماد العنف في تنفيذ التطهير العرقي الذي دعا إليه وإنما طالب بتسخير المواطنين العرب في التمهيد للاستيطان الصهيوني قبل تهجيرهم القسري. فهو يقول في يومياته: إذا ما انتقلنا إلى منطقة فيها حيوانات متوحشة لم يعتد عليها اليهود، فسوف أستخدم سكان البلاد قبل ترحيلهم من أجل القضاء على هذه الحيوانات. ولقد اعتمدت دعوته كأساس للاستراتيجية التي صاغها مؤتمر بازل الصهيوني سنة 1897.

ويذكر المؤرخ الصهيوني ولتر لاكور أنه في العام 1911 كان القادة الصهاينة يتساءلون علنا ما إذا كان بالمستطاع إقناع عرب فلسطين بالهجرة إلى البلاد العربية المجاورة، حيث باستطاعتهم شراء أراض جديدة بثمن ما يبيعونه من أراضيهم في فلسطين، بل وفكر الصهاينة في أن يقوموا هم بشرائها لهم. وذلك ما تجلى فشله بدليل انه عندما أصدر بلفور وعده سنة 1917 لم يكن الصهاينة يتجاوزون 8.45% من سكان فلسطين ولا تجاوزت حيازتهم 1.83% من أراضيها.

وأثناء مؤتمر السلم في باريس سنة 1919 بعث الرئيس ويلسون موفديه كنج وكرين لتقصي الحقائق في بلاد الشام. وبعد جولة في ربوعها ما بين 10/6/1919 و18/8/1919 قدما تقريراً بأن المواطنين العرب يجمعون على رفض وعد بلفور، ويطالبون بالوحدة السورية وبالاستقلال التام، وأنه إذا رفض مؤتمر السلم ذلك فإنهم يفضلون الانتداب الأمريكي، لا الإنجليزي، ولا الفرنسي. ولكن الرئيس، صاحب دعوة تقرير المصير، تجاهل تقرير موفديه، والتزم بتوصية قسم الاستخبارات في الوفد الأمريكي لمؤتمر السلم، الذي أوصى بأن المصلحة الأمريكية تقتضي أن يتبنى الوفد الأمريكي للمؤتمر إقامة دولة يهودية في فلسطين، منفصلة عن جوارها العربي، وأن تكون بريطانيا الدولة المنتدبة عليها. وعليه دعمت إدارة ويلسون صك الانتداب الذي حدد مهمة بريطانيا كدولة منتدبة بوضع فلسطين في ظروف اقتصادية وإدارية تؤمّن إقامة “الوطن القومي اليهودي”.

ويذكر حاييم وايزمان في مذكراته: “وعدتنا بريطانيا أن تكون فلسطين سنة 1935 يهودية كما هي بريطانيا إنجليزية”. إلا أنه في سنة 1935 لم تتجاوز نسبة الصهاينة 28% من سكان فلسطين، ولم تتعد حيازتهم 4% من الأرض، بما في ذلك أملاك الدولة التي منحتهم إياها سلطة الانتداب. كنتيجة لتشدد الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة الإجراءات البريطانية بتيسير الهجرة الصهيونية وبيوع الأراضي، وتصدي طلائعه للسماسرة وباعة الأرض.

وبموجب قرار التقسيم الذي أوصت به لجنة بيل البريطانية سنة ،1937 تضمن القسم الذي خصصته للصهاينة 325 ألف مواطن عربي يملكون 75% من أراضيه. فيما تضمن ما خصصته للعرب عشرة آلاف مستوطن صهيوني. ومع ذلك دعا القرار لتبادل السكان. ما يعني عملياً تهجير العرب طوعا أو كرها من ديارهم لتوفير النقاء العنصري للكيان الصهيوني الذي أوصت بإقامته. غير أن الثورة العربية الكبرى 1936 1937 أفشلت مشروع التقسيم الأول.

وفي العام 1940 كتب جوزيف وتيز، المسؤول الإداري عن إنشاء المستعمرات الاستيطانية، يقول: “لا بد أن يكون واضحاً فيما بيننا انه لا مكان للشعبين في هذا البلد، وإننا لن نصل إلى هدفنا في أن نصبح شعبا مستقلاً طالما أن العرب موجودون في هذا البلد. ولذا فإن الحل الوحيد هو فلسطين، أو على الأقل فلسطين الغربية يقصد من دون شرق الأردن بلا عرب. وليس هناك من سبيل إلا تهجير العرب إلى البلاد المجاورة، وتهجيرهم جميعا بحيث لا تبقى قرية واحدة أو قبيلة واحدة”.

وكان الرئيس الأمريكي هوفر قد دعا إلى تنظيم تهجير عرب فلسطين إلى العراق، وقد تبنى دعوته “مجلس الطوارىء الأمريكية الصهيوني”، معلناً انه “يسعد الصهيونيين أن يتعاونوا في تحقيقه مع الدول الكبرى ومع العرب”، كما أن حزب العمال البريطاني طالب سنة 1944 بتشجيع العرب على الهجرة من فلسطين وتشجيع اليهود على الهجرة إليها.

وعشية انتهاء الانتداب البريطاني سنة 1948 أبرق حاييم وايزمان للرئيس ترومان، طالباً أن تعلن الإدارة الأمريكية، التي مكنت من تأسيس الدولة اليهودية، اعترافها الفوري بها. وبعد إحدى عشرة دقيقة من صدور البيان الصهيوني بإعلان الدولة صرح السكرتير الصحافي للرئيس ترومان قائلا: “أعلمت هذه الحكومة أن دولة يهودية قد أعلنت في فلسطين، واعترفت الولايات المتحدة بالحكومة المؤقتة كسلطة أمر واقع لدولة “إسرائيل” الجديدة”.

وبرغم النكبة وتهجير 65% من المواطنين العرب لم تكن الدولة التي اعترف بها الرئيس الأمريكي يهودية خالصة، إذ كان العرب يشكلون 11% من سكانها سنة 1949. وهم اليوم يقاربون 20% مما يعني تفوق نسبة تكاثرهم على تزايد نسبة الاستيطان الصهيوني برغم تهجير ملايين اليهود خلال السنوات التي أعقبت قيام الدولة. فضلا عن أنهم باتوا أكثر اعتزازاً بانتسابهم الوطني الفلسطيني وانتمائهم القومي العربي، وأكثر قدرة على المقاومة والصمود في أرض آبائهم وأجدادهم، وأشد عزماً واستعداداً للدفاع عن حقوقهم المشروعة.

وعلى مدى المائة والعشر سنوات التي أعقبت مؤتمر بازل توالت خيبات الطموح الصهيوني. وكل المؤشرات تدل على أن إرادة الممانعة والصمود، لدى القوى الحية فلسطينياً وعربياً أقوى وأكثر فاعلية من أي يوم مضى منذ بدايات الصراع مع الغزاة الصهاينة ورعاتهم على جانبي الأطلسي. مما يؤشر لاستحالة تحقق التطهير العرقي الذي يريده أولمرت وأقرته الإدارة الأمريكية.
"الخليج"

التعليقات