31/10/2010 - 11:02

أي مشروعية للاشتراطات متعددة المصادر على حماس/عوني فرسخ

أي مشروعية للاشتراطات متعددة المصادر على حماس/عوني فرسخ
ما إن أعلنت “حماس” عزمها على خوض انتخابات المجلس التشريعي حتى توالت عليها الاشتراطات، تحت شعار “الواقعية” وللظفر بقبول المجتمع الدولي. إذ طلب منها الاعتراف ب”إسرائيل”، ونبذ العنف، والالتزام بما سبق ان أقرته السلطة، والسؤال المحوري: أي مشروعية قانونية أو وطنية للاشتراطات الثلاثة؟ وهل المقصود بها حماس وحدها أم نهج المقاومة وطنياً وقومياً؟

فإذا كانت “إسرائيل” لما تزل بلا دستور ولا خريطة رسمية تبين حدودها، وإذا كانت أساطير التوراة والتلمود ما برحت مصدر الوحي السياسي لقادتها العلمانيين والتلموديين على السواء، فأي “إسرائيل” مطلوب الاعتراف بها؟ هل هي الدولة التي أقيمت استنادا لقرار التقسيم رقم 181. ولكنها تجاوزت الحدود التي رسمها لها باحتلالها عنوة القدس الغربية وما يقارب نصف ما خص القسم العربي؟ أم هي عضو الأمم المتحدة التي كان شرط قبولها توقيعها بروتوكول لوزان في مايو/ ايار 1949 والتزامها بموجبه تنفيذ القرار 194 بعودة اللاجئين، واحترام حقوقهم، والمحافظة على ممتلكاتهم، ولم تنفذ شيئاً مما التزمت به. وعليه فأي مشروعية لمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بالاعتراف ب”إسرائيل” قبل أن تلتزم بتنفيذ قرارات المنظمة الدولية؟

وإذا كان قرارا مجلس الأمن 242 و338 قد نصا على انسحاب “إسرائيل” لحدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967. فيما القانون الدولي لا يجيز إجراء أي تغيير في واقع الأرض المحتلة. وبرغم ذلك جرى توسيع منطقة القدس الشرقية وضمها مع الجولان السورية رسمياً ل”إسرائيل”. كما كثف الاستيطان في عموم الأرض المحتلة، وتتواصل عملية إقامة جدار الفصل العنصري برغم قرار محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية إقامته. وبالتالي فأي مشروعية دولية لمطالبة مجلس الأمن واللجنة الرباعية الدولية وغالبية دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف ب”إسرائيل” الممتنعة بصلف عن الالتزام بقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية؟

وإذا كان ليس في تاريخ الأمم والشعوب حالة واحدة تنازل فيها المواطنون برضاهم عن ذرة من التراب الوطني، فكيف يطالب ساسة وليبراليون جدد عرب بالاعتراف ب”إسرائيل”؟ وإن قيل ألم تلتزم قمة بيروت بالسلام خياراً استراتيجياً، وبالتالي الاعتراف ب”إسرائيل” ضمن حدود العام 1967؟ فقول يتجاهل أن “إسرائيل” ردت على المبادرة العربية بإعلانها عدم الاستعداد للانسحاب لحدود1967، أو التخلي عن القدس كعاصمة أبدية، أو القبول بإعادة أي لاجئ. ثم أي مشروعية وطنية وأي مبرر واقعي لدعوات هؤلاء العرب للاعتراف بكيان لا يقر بأي حق عربي ولا هو أسقط طموحات التوسع الجغرافي، والهيمنة الاقتصادية، والسيطرة السياسية؟

والذين يشترطون وقف العنف يتجاهلون أن مقاومة الاحتلال حق مشروع دولياً، وليس بين الدول المطالبة بنبذ العنف إلا وتعلم علم اليقين أن “إسرائيل” دولة محتلة، وأن تواصل الاحتلال إنما هو مفجر المقاومة، وان إرهاب الدولة الصهيونية هو الأكثر تدميراً وتقتيلاً وإخلالاً باستقرار المنطقة وأمن شعوبها. فضلاً عن أن التاريخ لم يعرف حركة تحرر وطني حققت إنجازا يذكر من دون مقاومة. وإن قيل "ولكن الرئيس عرفات أعلن التخلي عن العنف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف صيف 1988". والسؤال: ما الذي جناه الشعب العربي الفلسطيني من مسلسل التنازلات الذي توالى بعد جنيف؟ أليست هزيمة “فتح” في الانتخابات الأخيرة إلا من بعض الحصاد المر لتداعيات تلك الإدانة غير المبررة وطنياً؟

أما المطالبة بإعلان القبول بما سبق أن التزم به فريق أوسلو، والاحتجاج بأن العرف الدولي يحتم التزام الخلف بما يعقده السلف. فاحتجاج لا يستقيم بالمطلق، خاصة في ما يتصل بالصراع العربي الصهيوني. إذ على مدى تاريخ الصراع ليس هناك من اتفاق أو بيان صدر عن صناع قرار التحالف الامبريالي الصهيوني، وفرح به العرب، جرى تنفيذ شقه العربي. والمثال الأبرز الكتاب الأبيض لسنة ،1939 الذي أقره مجلسا العموم واللوردات وأصدرته حكومة تشمبرلين مؤكدة التزام بريطانيا العظمى بتنفيذ أحكامه. غير أن تشرشل ما إن تولى رئاسة الوزراء في مايو/ أيار 1940 حتى أمر بتسليح الصهاينة في فلسطين وتحصين مستعمراتهم، وأدار الظهر تماما للكتاب الأبيض. وقد يقال ولكن تشرشل كان قد عارض الكتاب الأبيض عند إقراره. والسؤال: ألم تعارض حماس وبعض فصائل المقاومة، بل وأمين سر “فتح” فاروق القدومي، اتفاق أوسلو؟ فضلا عن أن قيادة حماس أعلنت الاستعداد لمراجعة كل ما التزمت به سلطات “فتح” وإقرار ما تجده لا يتناقض مع المصالح الوطنية المشروعة.

وبرغم أن الاشتراطات الثلاثة فاقدة المشروعية تماما، وأن القبول بأي منها يفقد حماس مصداقيتها، إلا أن رفض الانصياع للاشتراطات المملاة معناه التمرد على إرادة القوى المتحكمة بصناعة القرارات الدولية والإقليمية، وبالتالي إتاحة الفرصة لها لاتخاذ كل ما من شأنه تفشيل حماس كسلطة وطنية، والتعجيل بإعادة رموز التسوية لاستكمال مسلسل التنازلات الذي دشنه ياسر عرفات بخطابه في جنيف ،1988 استجابة لشرط وزير الخارجية الأمريكي شولتز للسماح بالتعامل مع المنظمة.

وحين يؤخذ في الحسبان ان الإدارة الأمريكية مارست ضغوطاً على الرئيس محمود عباس و”إسرائيل” لإجراء انتخابات المجلس التتشريعي في الموعد المحدد لها، وأن قيادة فتح، لأول مرة في تاريخها، لم تمارس التدخل السافر والمستفز في أي انتخابات فلسطينية تجريها، تتزايد الشكوك حول تلاقي أكثر من طرف على نصب فخ “ديمقراطي” للشعب العربي الفلسطيني لانتزاع ما لم تستطع انتزاعه آلة الحرب الصهيونية، والضغوط الدولية، والمداخلات والوساطات العربية الرسمية، و”نصائح” المسكونين بثقافة الهزيمة. وهذا هو التحدي الذي يواجه كل من تفاءل بسقوط نهج أوسلو. وهو تحد وإن كان غير يسير، إلا أن ما يختزنه الشعب العربي الفلسطيني من استعداد غير محدود للعطاء، وإرادة فذة على المقاومة والإبداع، كفيل بأن يفجر الاستجابة الفاعلة إن احتفظ قادة حماس برؤوسهم، واتعظوا بما آلت إليه حال “فتح” حين اعتمد قادتها المساومة بديلاً عن المقاومة.

التعليقات