31/10/2010 - 11:02

أيام يوليو العربية .. هرج ومرج.. ويا" للفكاهة"!../ ناصر السهلي*

أيام يوليو العربية .. هرج ومرج.. ويا
بسام أبو شريف طبعا معروف.. ومن لا يعرفه أنصحه بالتعرف على ما كتبه عن قصة معرفته بخطة التخلص من الرئيس الراحل عرفات.. أخبار أمس الأربعاء 15 يوليو حملت لنا "تحفة" من الردح "الإعلامي".. فاختلط الحابل بالنابل.. هرج ومرج.. الكل مشغول بما قاله فاروق القدومي "أبو اللطف".. حق النقاش مكفول.. أليس كذلك؟

أطل علينا البعض بديمقراطية ورقة وشفقة على "المصلحة العليا للشعب الفلسطيني".. فاكتشفـ(نا) بأن "الجزيرة" ( وليس بالضرورة أن نكون متفقين معها بكل شيء) سبب "البلاء".. وبفرمان بسيط وضعنا رؤوسنا في الرمل.. وذهب كتاب عبد القادر ياسين "فتح في مواجهة أزمتها الداخلية" مهب الهرج والمرج المسيطر.. يحترم من يغلق مكاتب قناة الجزيرة المادة 19 من القانون الفلسطيني ( ومن لا يعرفها فليراجعها)!.. لكن وبالرغم من ذلك.. هذه مشكلة عويصة.. "البيضة أولا أم الدجاجة".. قال القدومي ما قال.. ونقلت الجزيرة ما قال.. فانبرت "المنتديات الحرة" بحملة "تشقيع من الزنار وتحت" بحق وليد العمري وجيفارا البديري وشيرين أبو عاقلة.. ثم سألت نفسي ليلة أمس: هل نسي هؤلاء إلياس كرم؟.. أها.. هم قالوا: في فلسطين!

سألهم الدكتور عزمي بشارة: ماذا لو أن "الجزيرة لم تتطرق للخبر.. فهل تكون منصفة؟".. سؤال منطقي.. يحتاج لعقل يعرف ألف باء المنطق..

أية مهنية هذه التي تطلب التسبيح بحمد "القائد الملهم الفذ الشجاع الكريم الذي فطمته أمه على كاريزما قيادة التعساء والبؤساء.. ولم تلد أي من النسوة الأخريات مثيلا له".. والفرق بيننا وبين الأنظمة العربية تلك كالفرق بين البيبسي والكوكا كولا.. وصحتين يا وطن.. أهضم هالمهزلة إذا فيك تهضم..

المهزلة الأخرى أن "منظمة الصحفيين الإسرائيليين" تنتقد القرار.. لكن، هل يستطيع أحد أن يُفهمني معنى القرار؟ وكيف تكون "المصلحة العليا"؟

استسهال استهبال العقول صار شطارة سياسية وإعلامية تنقلنا من مرحلة إلى مرحلة بالفهلوة.. فمن يواجه الواقع المر في سجال الهامش.. سجال لا علاقة له بما قلناه ويقوله غيرنا عن استهبال كلينتون وأوباما لعقولنا جميعا..

حين نضع العقل جانبا فلا مناص من أن يكون المنتج ردحا ونسيانا وتناسيا ومسح جوخ انكليزي كسبا لرضا ومكانة عند الممسوح لهم جوخ مستورد من أفضل الماركات العالمية.. سأل أحدهم، أعتقد أنه فيلسوف، سؤالا عويصا: هل حقا أن أسوأ أنواع الظلم يكمن في الاعتقاد بوجود عدالة؟.. أضيف عليها ورحمة.. أسوأ ما يمارس هو أن تجد نفسك وسط معمعة من الهرج والمرج السياسي والإعلامي.. وما أكثر الشطار المنظرين للمهنية.. وحق التعبير والرأي.. لكن، ما زلت لا أفهم.. لماذا يجب أن تنعكس أزمة فتح الداخلية على الجميع؟
قبل أن أسأل عن معنى المساطيل، جاءني جواب يخلط فيه صاحبه بين الفكاكة والفكاهة.. الفكاهة أعرف معناها بالمصري.. وبالعربي حين نريد موضعتها في قالب من الظرافة .. وأحيانا السماجة.. لكنه بالتأكيد أكد لي:

أن يشعر أحد ما أنه "مسطل".. يعني "دماغه مش وياه"..

هذا يمكن أن نفهمه.. لكن العصي عن فهمي، أنا على الأقل، حالة التسطيل التي يعيشها من يحمل القلم ولزوم عدة النصب الإعلامي الدعائي بامتياز.. معتقدا أنه منشار وأننا نحن البسطاء مساطيل ونحمل بدل الأدمغة بطيخا مختوما بالعبري لدى بائع يُضحكني كلما مررت بجانبه وهو يزين "خيمته" بأعلام ورايات.. وبجانبه ملصق "قاطعوا البضائع الإسرائيلية".. .. فكيف يمكن قبول هذا النوع من الاستهبال الذي يقطر من فكاكة وتسطيل وبلطجة مناشير (جمع منشار) الأقلام الممارسة مزيدا من استغباء التاريخ الذي نحن صنعته..

23 يوليو/ تموز يصير عند "أصحابنا" من منظري الفكاكة والاستهبال .. كارثة.. والسد العالي "خرب بيوتنا".. وكمان وكمان... فعبد الناصر لا يحبه الإخوان.. ولا بعض الرفاق.. لكني شبه متأكد أنهم اليوم يقارنون.. والمقاربات جيدة لخلايا الدماغ لا شك في ذلك..

نعم لا شك إن كنت مثلي قرأت يوم 26 يونيو العنوان التالي:
"خبير مصري: السد العالي سبب انتشار الفئران في أرض الكنانة.." الخبر يتعلق باكتشاف حالات نقل الفئران للطاعون على الحدود الليبية المصرية!..
ليس هذا فحسب.. خذ التالي: بسبب السد العالي لم تعد الأرض خصبة.. يا سلام؟!

قد يستغرب البعض مني، فلماذا أحشر أنفي فيما لا يعنيني.. بينما هم يحشرون أنوفهم وأشياء أخرى فيما لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.. في كفر الشيخ مشيت في "الغيط" .. جلست مع الفلاحين.. دلوني على البحيرة والسمك.. سألت هؤلاء الذين تحيط بهم أرض خضراء لا جرداء عن رأيهم بالسد العالي فقالوا لي يكفي أن نقول لك التالي:

- زيادة نصيب مصر من مياه النيل حيث أصبح 55.5 مليار متر مكعب سنويا
- زيادة مساحة الرقعة الزراعية في مصر بحوالي 2.1 مليون فدان
- تحويل 970 ألف فدان من نظام الري الحوضي إلى نظام الري الدائم مما زاد من إنتاجية الفدان
- التوسع في زراعة الأرز إلى 700 ألف فدان سنويا
- تحسين الملاحة النهرية على مدار السنة ..

هذا إضافة إلى ما قام به عبد الناصر لمصلحتنا ووقوفه بوجه الإقطاعيين الذين كانوا يستعبدوننا وأحفادنا..

راجعت وزارة الري المصرية فوجدت تطابقا بين معلومات أهل كفر الشيخ وما تذكره الوزارة.. إضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية ووقاية البلاد من الجفاف..

إذن، كيف للطاعون أن يكون له علاقة بالسد العالي؟.. يقولون ما يقولون.. عن انتشار الجرذان.. وربما لا يعرفون أن عدد الجرذان في نيويورك يفوق عدد سكانها.. ويخفون الجشع الرأسمالي الناهب للبلاد والعباد في بلادنا.. رأسمالية تتحالف مع مثيلتها الغربية لا يمكن أن تكون إلا كما هي..

بإختصار، يبدو أن عبد الناصر، ومع اقتراب ذكرى ثورة يوليو، ستظل منجزاته وهو شخصيا عرضة لمثل هذه التحليلات "العبقرية".. وهنا لا بد من سؤال هؤلاء: هل تجدون أن فكرة ليبرمان بقصف السد العالي حالة من إنقاذ مصر؟

سؤالي ليس بريئا إلى هذا الحد.. فطالما أن هؤلاء "الخبراء" الذين يحملون كل الأحكام المسبقة الكارهة لكل ما يمت لعهد عبد الناصر يرون "كارثة" في السد العالي وتعيد الفكاكة كل صغيرة وكبيرة إلى عهد عبد الناصر.. فلا مفر من التفكير بأن ثمة أجندات يحملها ويتمناها هؤلاء لمصر ولعلاقاتها بالعرب والعروبة.. وبقية الدوائر الإستراتيجية التي رسمتها ثورة يوليو في مسألة الأمن القومي..

ربما.. لكنني لا أؤمن بأن هذا الصنف من الفكر الذي تبثه لحظة صورخة الدماغ يمكن أن يكون مقنعا بأن كوارث مصر العربية بدأت مع ثورة يوليو.. ما أسخف فكرة بتر التاريخ..



التعليقات