31/10/2010 - 11:02

أيها الفلسطينيون: المصالحة تناديكم../ هاني المصري

أيها الفلسطينيون: المصالحة تناديكم../ هاني المصري
تكاد الفرصة لإحياء جهود المصالحة، التي لاحت في الأفق بعد مجزرة أسطول الحرية وما تلاها من حراك دولي تتبخر رغم أنه لم يمض سوى ثلاثة أسابيع على ظهورها فقط.
فالرئيس أبو مازن أقدم على ثلاث خطوات إيجابية أشاعت أجواء من التفاؤل.
الخطوة الأولى تمثلت بتشكيل وفد قيادي في الخامس من حزيران ضم أعضاء من اللجنة التنفيذية وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح وممثلي عدد من الفصائل والشخصيات الوطنية، الأمر الذي حول الدعوة التي أطلقتها القيادة الفلسطينية إثر المجزرة إلى تحرك جدي، وذلك ظهر في أن الرئيس فوّض وفد المصالحة في كتاب رسمي صادر عنه بتذليل العقبات والعراقيل التي تحول دون توقيع وتطبيق الورقة المصرية. وهذا يعكس تحولاً في الموقف كونه يعني إمكانية استئناف الحوار لتذليل العقبات قبل توقيع الورقة المصرية وبهدف توقيعها.

الخطوة الثانية التي أقدم عليها أبو مازن هي إعطاء ورقة موقعة للنائب جمال الخضري الذي اجتمع معه في عمان في الخامس من الشهر الجاري، وهو شخصية غزاوية مقربة من "حماس" ونصت الورقة على ما يلي :
الملاحظات من الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية يتم حلها بالتوافق الفلسطيني بعد التوقيع على الورقة.
وهذا يعني تقدماً إلى الأمام لأن تطبيق الورقة سيتم بالتوافق، ولكنه تقدم بحاجة إلى استكمال بحيث يتم التوافق على الملاحظات قبل التوقيع خشية من أن لا يحدث بعدها، لأن ذلك يشكل ذريعة لـ "حماس" لعدم التوقيع .

الخطوة الثالثة التي أقدم عليها الرئيس تمثلت بموافقته على المبادرة التركية المتمثلة بعقد اجتماع في القاهرة بمشاركة ممثلين من "فتح" و"حماس" ووزيري خارجية تركيا ومصر على أن ينتهي الاجتماع بتوقيع "حماس" على الورقة المصرية مقابل أخذ الملاحظات بالحسبان عند التطبيق.

للأمانة والتاريخ لا بد من القول إن حركة حماس بدورها أقدمت على خطوة إيجابية ملموسة هامة تمثلت بالتنازل عن مطلبها السابق بفتح أو تعديل الورقة المصرية، لكي تتضمن ملاحظاتها عليها، ووافقت على استقبال وفد المصالحة المشكل من الرئيس بعد تردد، في دمشق وغزة، بعد أن أطمأنت إلى أن الوفد جدي، وأنه يفكر بحمل صيغة جديدة تتمثل بالتوصل إلى تفاهمات فلسطينية -فلسطينية يتم لاحقاً التفكير في شكلها ومضمونها وكيفية إخراجها، وهل ستكون وديعة أم لا، رسمية أم لا، ومن سيضمنها، الوفد أم الجامعة العربية أو هيئة متابعة مصرية عربية (وفد تكون بمشاركة من أطراف أخرى ) بدون فتح أو تعديل الورقة المصرية حفظاً لهيبة ودور مصر، وبما يتناسب مع توقيع حركة فتح عليها، وبما يضمن أخذ الملاحظات عليها بالحسبان عند تطبيقها.

وقد بلورت وأكدت "حماس" موقفها الجديد بإرسال مقترحات للمصالحة مع عمرو موسى، تؤكد هذا المضمون، بالإضافة إلى اقتراح من رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية بتشكيل حكومة تكنوقراط فور التوقيع على الورقة المصرية، هذه الفكرة التي طرحها أيضا الرئيس أبو مازن حين دعا في تصريحات علنية إلى تشكيل حكومة مستقلين (يمكن أن تكون تكنوقراط)، وهذا تطور لأن هذه الفكرة غير واردة في الورقة المصرية، وتمثل رغم تعقيداتها الكبيرة خطوة كبيرة إلى الأمام، لأن نقطة ضعف الورقة المصرية تكمن في أنها استبدلت فكرة تشكيل حكومة وفاق وطني أو حكومة وحدة وطنية أثناء المرحلة الانتقالية، بفكرة تشكيل لجنة فصائلية من شأنها أن تبقي على الانقسام وعلى وجود حكومتين واحدة في الضفة والثانية في غزة، لحين إجراء الانتخابات، ما ينطوي على احتمال بأن يبقى هذا الوضع طويلاً، ما يشكل تعايشاً مع الانقسام وتكريساً له، بقصد أو بدون قصد، لا يهم بل يبقى أن الانقسام سيستمر حينها حتى إشعار آخر.

بعد هذه التطورات الايجابية التي رافقها قبول مبدئي لفكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات القادمة مهما كانت نتائجها، الأمر الذي يمكن أن يطمئن الجميع انه لن يقصى بل سيشارك، مهما حصل عليه من أصوات .

كل ما سبق أشاع أجواء إيجابية وجعل الأمل بالمصالحة يحلق في السماء الفلسطينية مجدداً، إلى أن حدثت انتكاسة أعادت الأمور بسرعة إلى نقطة الصفر، حيث عاد الحديث مرة أخرى، كما شاهدنا في البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأخير، الذي نص على ضرورة قيام "حماس" بالتوقيع على الورقة المصرية أولا مقابل أن تعرض ملاحظاتها وبقية ملاحظات الفصائل على الحوار الوطني الذي سيبدأ فور التوقيع على الورقة المصرية، الأمر الذي أعاد الوضع إلى ما كان عليه قبل تشكيل وفد المصالحة، وورقة الخضري، والمبادرة التركية.

وحتى يزيد الطين بلة صرح مسؤول في حركة حماس لم يعرف عن اسمه لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 19/6/2010 بأن حركته تشترط إدراج ورقة التفاهمات التي تتضمن كيفية التعامل مع نقاط الخلاف كجزء من اتفاق المصالحة، رغم أن أوساطا قيادية في "حماس" نفت أن يكون هذا التصريح يعكس الموقف الرسمي للحركة .

إذا بيان اللجنة التنفيذية وعودة بعض قيادات "حماس" إلى التمسك بموقفها القديم، أدى إلى عودة حليمة إلى عادتها القديمة، وهذا إذا استمر يمكن أن يدفن الفرصة التي لاحت لتحقيق المصالحة رداً على مجزرة أسطول الحرية قبل أن ترى النور .
فما الذي حصل؟وما الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر؟

إن الحراك الدولي الذي حدث بعد مجزرة أسطول الحرية لم يكن كافياً وجرت ولا تزال تجري محاولات إسرائيلية بدعم أميركي وتواطؤ دولي لإجهاضه حتى لا يصل إلى رفع الحصار كلياً، وحتى لا يفتح الطريق أمام المصالحة الوطنية بدون قبول "حماس" لشروط اللجنة الرباعية الدولية، لأن رفع الحصار اصطدم بالانقسام، بحيث يبدو متعذراً بدون مصالحة، وسيؤدي بدونها إلى تكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال دائم .

كما أن الحراك الدولي المهم جداً، أشعر "حماس" بأن وضعها بات أفضل من السابق، وبالتالي أنها يمكن أن تحصل الآن على أكثر ما كانت ستحصل عليه، وبالتالي إذا كان هناك احتمال بأن توقع على الورقة المصرية بدون أخذ ملاحظاتها بالحسبان قبل التوقيع، فأن هذا الاحتمال بعد التطورات الأخيرة تراجع كثيراً .

إن بعض عناصر قيادة "حماس" بالغت بأهمية التطورات السياسية ومدى انعكاسها على بقية الملفات من الاعتراف العربي والدولي بدور "حماس" إلى صفقة تبادل الأسرى وإعادة الإعمار، إلى ملف المصالحة الوطنية، لدرجة أن تصريحات صادرة عن عناصر قيادية في "حماس" لم ترحب في البداية باستقبال وفد المصالحة، ووضعت شروطاً لتحقيق ذلك، ودعت إلى تأجيل قدومه إلى غزة لأنه إذا ذهب إلى هناك يمكن أن يحرف الأنظار عن الجريمة الإسرائيلية والحراك الدولي في مواجهتها .

إن الأمانة تقتضي الإشارة إلى أن بعض قيادات "حماس" تدرك أن إبداء المرونة بعد تحسن موقف "حماس" أفضل لأنه لا يبدو كنقطة ضعف وإنما صادر عن موقف قوي يتنازل لصالح الوحدة الوطنية.
كما أن الحراك الدولي أخاف فتح وجعلها تخشى من المرونة مع تحسن موقف "حماس"، لذلك نلاحظ كيف قاومت أوساط منها علناً الجهود والمبادرات الجديدة لإحياء جهود المصالحة، لأنها تتم في وقت غير مناسب لـ "فتح"، وآثرت الانتظار إلى حين توفر ظرف يكون مناسباً أكثر لها.

أما مصر، وهي القابضة على ملف المصالحة بتفويض عربي ودولي فهي قامت فور مجزرة أسطول الحرية بفتح معبر رفح حتى إشعار آخر، وقاومت المحاولات الإسرائيلية لتوظيف التطورات الجديدة لتمرير هدف إسرائيلي قديم هو رمي قطاع غزة في حضن مصر، بما يلقي المسؤولية عنه عن إسرائيل وبما يقضي على جهود المصالحة وتكريس الانقسام ويعطي إسرائيل ذريعة مناسبة لعدم التقدم بالمفاوضات وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية.

كما أن مصر، لم ولن توافق كما صرح وزير خارجيتها احمد أبو الغيط على فتح أو تعديل الورقة المصرية مهما أخذ هذا الأمر من أشكال سواء بإضافة ملاحق أو ملاحظات أو أي شيء آخر. فالمطلوب مصرياً أن توقع "حماس" على الورقة المصرية أولاً، على أن تؤخذ ملاحظاتها بالحسبان عند التطبيق .

إن مصر تعتقد أن أي تعديل أو فتح للورقة المصرية يمس بهيبة مصر، ويقوي حركة حماس، وهذا سينعكس إيجابياً على حركة الأخوان المسلمين المعارضة للسلطة المصرية. كما أن هذا سيغضب الإدارة الأميركية وإسرائيل اللتين لا تزالان تصران على ضرورة موافقة حماس على شروط اللجنة الرباعية الدولية وإطلاق سراح جلعاد شاليت قبل رفع الحصار بشكل كلي، وقبل إنهاء الانقسام وعودة "حماس" لمظلة الشرعية الفلسطينية .

تأسيساً على ما تقدم فإن الشروط والضغوط الداخلية والخارجية هي التي تكاد تجهض الجهود الجديدة لتحقيق المصالحة الوطنية قبل أن تتحول إلى أمر واقع لا يستطيع احد أن يوقفه أو يقف أمامه.

إن ضياع فرصة المصالحة مرة أخرى ينذر بأن الانقسام سيتعمق ويتحول إلى انفصال دائم، بحيث يصبح إنهاؤه أصعب وأصعب في ظل منطقة شهدت وتشهد تطورات عاصفة ستسبقنا وتفرض نفسها علينا جميعاً، إذا لم تبادر للالتحاق بها والتأثير عليها وفرض فلسطين ومصالحها وحقوق شعبها على خارطة المنطقة الجديدة .

إن الوطن يا أيها الفلسطينيون، رئيساً وقيادة وشعباً يناديكم ويستصرخ ضمائركم من اجل التحرك العاجل لتحقيق أو للمطالبة وممارسة الضغط الكفيل بفرض المصالحة. فالمصالحة تتحقق عندما تتوفر الإرادة الفلسطينية اللازمة لتحقيقها. الإرادة التي تعطي الأولوية للمصلحة الفلسطينية العليا وليس للمصالح والأولويات والأجندات الخارجية الإقليمية والإسرائيلية والدولية.
فهل يمكن أن تتوفر الإرادة الضرورية للمصالحة الوطنية. هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عليه الشعب الفلسطيني بأسره قبل فوات الأوان

التعليقات