31/10/2010 - 11:02

إبحار ضد جماعة 194../ ظافر الخطيب*

إبحار ضد جماعة 194../ ظافر الخطيب*
يستعرض البعض منا عضلات الواقعية الهزيلة اللابسة رداء الشرعيات الدولية، فيفترض أنه يصيب حكماً، يقنع نفسه، و يحاول جاهداً أن يقنع الآخرين بجدوى فعله، لكنه لا يعرف، أن ما هو فاعله هو حقا جاهله، بالشكل كما في المضمون، هنا يصح فيه قولة قائل: "ألا إن فنّ البغاء هو حقا محض بغاء"، أما النضال والثورة، أما التحرير والعودة فتلك مسألة أخرى، لا ينفع فيها هذا النمط المسخ بل في العودة الى الأصل في الحق، الأصل في العدالة، وهي أصول لا ينفع معها إلا فن البحث عن انتصار ليس معه أي انتصار..

وكأنه لم يكفنا، هذا الدرك الوضيع من النص السياسي الذي يركب كل ماهياته على شرعيات غير عادلة أصلا، حتى تأتينا ماهيات ( انجوزية ) غير برئية فتسوّق لقرارات متواطئة، ظالمة، تستبيح الحق، وتسيله في صورة تنازلات لها أرضيات قانونية، وفي توقيت تمتاز فيه الخصوصية الفلسطينية بالاستقالة للمستويات السياسية من مهماتها، لتأخذ بعداً سياسياً بامتياز، دون النظر للأشكال الإنسانية المدنية المركبة بطريقة ذكية جاذبة، لكنها في حقيقة أمرها أم المصائب، ومن نكد دهرنا أننا نقبل ولا نملك خيار الرفض أو حتى الإعتراض.

و أكثر ما يثير الإستغراب هذا التشيّع للقرار 194 الشهير، الذي يتخذه ساستنا على اختلاف مشاربهم تقريباً كسند قانوني للمطالبة بالحق (العودة)، والذي يطرح بطريقة استجدائية متهافتة، في وقتٍ تتعرض فيه فكرة المقاومة في النص السياسي الى اغتيال متعمد، من خلال اسقاطها من البيان السياسي، فيتم إعادة تعريف حق العودة، وهو بالتالي إعادة تعريف العدالة بشكلها النسبي المتوافق مع موازين القوى، وهي بشكل أو آخر إعادة إنتاج فكرة نأخذ ما يعطى لنا، فإذا كان المعطي قوياً ويتسم بالبخل الشديد، فإن ذلك يعني إعادة تعريف العدالة على مستوى صفات المعطى، وهو ما يعني عكس الحق تماماً، لكنه هذه المرة ليس بشرعية دولية، أدهى من ذلك، بشرعية قول أهل الحق و بغطاء دولي وعربي.

إن تطبيع الفكرة في وعي الناس، وتحويلها الى ثقافة وبالتالي إلى نضال يومي بأشكال مختلفة وحرفها عن مسارها إنما يخدم حكماً مخططات العدو في الشطب والالغاء، خاصة إن هذا التركيز المستغرق في القرار الـ(العادل جدا)، هو تركيز ملغم، لأنه لا يستند الى قراءة فعلية للقرار ويستمد قوته من (البرنامج الواقعي) لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ما يسمى بالـ(قراءة واقعية) لواقع الحال، وهي هنا رديف لمقولة (المقاومة المدنية)، المطروحة كبديل عن المقاومة بوجهها الحالي.

ماذا بعد؟
ما الفرق بين فكرة العدالة بتعريفها الفلسطيني المدفوع فيه تضحيات جسام، وبين العدالة بتعريفها الدولي الجديد، المتغير بشكل دائم، و بقوة الاخر مشفوعاً بضعفنا وانقسامنا؟
ما الفرق بين الحق العادل للفلسطيني و بين الحل العادل وفق مصطلحات البعض؟
وهل القرار الدولي الشهير هو البوصلة للنضال الفلسطيني؟

النص النضالي الفلسطيني، هو نص حق العودة، كحق مقدس و ثابتة من الثوابت التي لا جدال فيها و ليس معذوراً أي مفرط فيها، تحت طائلة المسؤولية، وحق العودة وفق أبجديات النضال الفلسطيني هي عودة الى الأراضي التي هجر منها أهلها، وإلا فلماذا هذا البذل وذاك العطاء على مدار عقود من الزمن؟

أما في القرار الشهير الذي نجتره بشكل دائم (194) فإنه يتحدث عن (عودة من يرغب من اللاجئين الفلسطينيين)، و(التعويض على من لا يرغب)، ويضيف ذلك القرار جملة (إعادة توطين من يرغب بالعودة من اللاجئين)، ولما كانت فلسطين التاريخية هي فلسطين بـ27 كلم مربعا، ولما كانت فكرة إعادة التوطين مطروحة كحل من الحلول المشتقة من أوسلو، فإن هذا يعني أن من يعمل على تسويق القرار 194، والحل العادل بمقاييس التوازن والزمن الإسرائيلي، يعملان على نفس الهدف، وهنا حقا أم المصائب، فتثكل فلسطين بعبقريات أبنائها.

من المتعارف عليه في الفكر السياسي هو أن التكتيكات السياسية تمثل ضرورة في العمل السياسي، وقد اصطلح في الفكر السياسي الفلسطيني على استخدام تعبير (البرنامج الواقعي)، الذي بنيت عليه سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، وبغض النظر عن مدى انحدار العلاقة بين التكتيكي و السياسي وتحول التكتيكي إلى استراتيجي (إمارة غزة ودويلة سلام فياض)، فإن الرافعة الحقيقية لذلك التكتيك كانت تتمثل في طرح برنامج واقعي يحظى بتأييد دول العالم وبشكل أساسي دول الغرب، و خلق رأي عام مساند للقضية الفلسطينية و لفكرة الحق الفلسطيني.

هذا يعني إبقاء هذا التكتيك ضمن هيئات القرار السياسي، والتمثيل السياسي، على أنه لا يعني أن يتحول الى أسلوب وحيد وأساسي في العمل الفلسطيني، ولكن الإصرار على طرح القرار بمعزل عن القرارات الأخرى، والاكتفاء به دون غيره، مع تجاهل الحق بالمقاومة وباتباع كافة أساليب النضال، و أحياناً نبذه كحق طبيعي، ناهيك عن إسقاط مفردات التحرير والعودة، فإن ذلك يؤدي حكماً الى تشويه المنطلق والهدف و حرف البوصلة عن مسارها.

يخطئ من يعتقد، أنه قادر على فهم أو استشراف مستقبل الصراع، فدائما كانت فكرة الحل موجودة، ودائما كان هناك من يروج الى فكرة الحل القريب والتسوية الداهمة، لكنه كان يفاجأ دائماً بأن الصراع يتخذ منحى تصاعدياً أكثر، بحيث يتحول الى مزيج مركب معقد.

ماذا يعني ذلك ؟
ذلك يعني حكماً أن كل الإحتمالات قائمة، هذا ما أكدت عليه الانتفاضتان الأولى والثانية مع كل الملاحظات عن البعض على الثانية، وهذا ما طرحه أيضاً عدوان تموز ونتائجه، والعدوان على غزة ونتائجه، فكما أن الهزيمة تحولت الى قاعدة قدرية تحكم منطق جماعة الـ194، فإن احتمال الإنتصار كان وسيظل قائماً كاحتمال نظري قائم على أرضية أن البرنامج النضالي الفلسطيني لم يستثمر حتى اللحظة كل الطاقات والامكانيات الموجودة.

بناءً عليه فإن فكرة تكسير الحلم عبر آليات المستوى السياسي مشفوعاً بأفكار البعض الانجوزي مدمرة، ويجب أن تكون مرفوضة، لا التعامل الخجول معها من باب الحفاظ على الحدود الدنيا من التماسك والقوة، واستيعاب حركة المجتمع الفلسطيني السلبية والايجابية، لأنها كلام حق يراد منه باطل.

التعليقات