31/10/2010 - 11:02

إتفاقية "فيلاديلفي" إستجابة للهواجس الأمنية الإسرائيلية / هاشم حمدان

إتفاقية
لعل من مفارقات هذا الزمن العربي الرديء أن هناك من يتحين الفرصة لإقتناص اللحظة المناسبة للتطبيع مع إسرائيل بأقل "حرج" ممكن يكفي لإزالته وإزالة أي عناء "تأنيب ضمير"، يفترض أنه وصف للحالة تجاه الفلسطينيين، أي خطوة إسرائيلية باتجاه "السلام الإسرائيلي" حتى لو كانت خطوة شكلية! حتى لو دفع الفلسطينيون ثمنها! حتى لو كانت إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من التطبيع! كأنما التطبيع هو إنجاز يجري العمل على تحقيقه! وكأنما لا تتم السعادة إلا بالتطبيع! وكأنما العلاقات مع كافة دول العالم قاطبة لا تكفي لإتمام الفرحة إلا بالتطبيع مع إسرائيل!

وكأنه لا تكفي المسافة المطردة التي تفصل بين تحقيق الإنجاز وبين ما يبدو كأنه إنجاز، مع ملاحظة أن هذه المسافة هي أول ما يرحب به في الأوساط الرسمية والمحافل الدولية، وتحتفي بها إسرائيل والولايات المتحدة ...

وتبقى من المفارقات أيضاً أن تسعى إسرائيل لفرض كيفية إدارة حدود عربية عربية وتقرر عدد الجنود الذين يحرسون هذه الحدود ونوع السلاح ونوع المركبات العسكرية وشكل التحصينات ...

ينص إتفاق فيلاديلفي، الذي وقع في القاهرة مؤخراً بين مصر وإسرائيل، على نشر 750 جندياً مصرياً، لا أكثر ولا أقل!، على طول 14 كيلومتراً، هي المحور الفاصل بين قطاع غزة ومصر، بهدف منع عمليات مقاومة ضد الإحتلال ومنع تهريب الأسلحة والتسلل على طول الحدود واعتقال "المشبوهين والكشف عن الأنفاق، كما يحظر الإتفاق على الجنود المصريين إقامة تحصينات أو مواقع محصنة! ... وسيكون إلى جانب القوات البرية المصرية أربع سفن في المنطقة الحدودية البحرية تقوم بجولات متواصلة على طول الحدود ويسمح لها باستخدام ثماني مروحيات غير مسلحة للإستكشاف الجوي. وتكون القوة المصرية مؤلفة من أربع سرايا مسلحة بـ504 بنادق اوتوماتيكية و9 بنادق قناصة و94 مسدساً و67 رشاشاً و27 صاروخ آر بي جي و31 مدرعة من المدرعات الخاصة بالشرطة و 44 جيبأً. كما ستستخدم القوة ثلاثة أجهزة رادار للكشف عن المتسللين في نقاط متفق عليها بالإضافة إلى رادار بحري.

مع توقيع الإتفاق تبرز على السطح تساؤلات عدة خطيرة من بينها، إن لم نقل أهمها، أن هذا الإتفاق يأتي وكأنه في سياق طبيعي يقود إلى أن تكون إسرائيل هي طرف في إتفاق بين قطاع غزة الفلسطيني وبين مصر! ولا أحد يتساءل لماذا لا يكون الإتفاق بين السلطة الفلسطينية ومصر، لماذا إسرائيل؟ فما دامت إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة، فمن يقرر في مسألة العلاقة الحدودية بين البلدين هم الفلسطينيون والمصريون أنفسهم ولا شأن لإسرائيل في ذلك، أم ترى ستتدخل إسرائيل في مسألة الحدود بين أي دولة تحدها وبين حدود تلك الدولة مع الدول العربية الأخرى، وتتدخل في حدود تلك الدول العربية الأخرى مع الدول المجاورة لها، كحدود الأردن مع السعودية، مثلاً، وحدود السعودية مع اليمن أو عمان أو الخليج؟!

والأنكى أن الإتفاق لم يشتمل على كيفية عمل المعابر وبالتالي لم يمنع إسرائيل من الإصرار، بوقاحة، على الإحتفاظ بحق مراقبة وتفتيش الوافدين إلى قطاع غزة من مصر، عن طريق فتح معبر "كيرم شالوم" للدخول وجعل معبر رفح للخروج فقط، على اعتبار أنها قدمت تنازلات بما فيه الكفاية وبالتالي يبقى من حقها ألا يكون قطاع غزة محاصراً من ثلاث جهات فقط لضمان ما يسمى "أمنها"!

فلماذا تم القفز عن قضية المعابر لدى التوقيع على الإتفاق، لو سلمنا بالقبول به؟
من الواضح أن إسرائيل سعت إلى جعل إتفاقية "فيلاديلفي" جزءاً من الملحق العسكري لإتفاقية "كامب ديفيد"، عن طريق إجراء التعديلات المناسبة في الملحق، حيث لا مكان للحديث عن المعابر، في ظرف كان يتيح تجنيد ضغط دولي لتمرير قضية السيطرة المصرية الفلسطينية التامة على المعابر، وهو الظرف نفسه الذي لم يكن ليتيح لإسرائيل التراجع عن الإنسحاب وتداعيات الإنسحاب خاصة وأن العملية كانت، إسرائيلياً، بحاجة لأن تكون تحت أنظار العالم أجمع!

إسرائيلياً، لا يكفي أن تكون سماء قطاع غزة مسرحاً للطيران الحربي الإسرائيلي، ولا يكفي أن ترابط القطع البحرية الإسرائيلية أمام شواطئ القطاع، كما لا يكفي محاصرة القطاع من جهة الحدود مع إسرائيل..

إسرائيلياً أيضاً، لا تنتهي الهواجس الأمنية عند حدود قطاع غزة، بل تصل إلى حدود وشواطئ وأجواء كافة أقطار الوطن العربي!

ويتبادر السؤال لماذا لا يتم رفض المقترحات الإسرائيلية بجرأة ووضوح، بدون اللجوء إلى الحلول الوسط والحلول المؤقتة، لكونها تتناقض، على الأقل، مع أبسط قواعد العلاقات الدولية، فكم بالحري العربية؟! أم ترى أننا نشهد حالة من الأخذ بعين الإعتبار الهواجس الأمنية الإسرائيلية وتفهم وتقبل مستلزمات تلك الهواجس، وبالتالي يكون إخضاع العلاقات العربية العربية للشروط الإسرائيلية هو أمر طبيعي يحتمل المناقشة وعرض وجهات النظر ويصل حد التنفيذ؟!

التعليقات