31/10/2010 - 11:02

إدارة بوش وتحولات سياستها الفلسطينية../ ماجد كيالي

إدارة بوش وتحولات سياستها الفلسطينية../ ماجد كيالي
لم تشكّل سياسة إدارة الرئيس جورج بوش استمرارا للسياسة الأمريكية، التي خطّها سلفة بل كلينتون، في معظم القضايا الدولية والإقليمية، وخصوصا بما يتعلق بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وضمنها التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية.

مثلا فإن إدارة الرئيس كلينتون كانت اشتغلت، على الصعيدين الدولي والإقليمي، على العلاقات الدبلوماسية، وعلى تقديم الفرص والتشجيعات الاقتصادية لفرض أجندتها السياسية، كما أنها ركزت على تعزيز دور الأمم المتحدة، وصوغ الاتفاقات الدولية، وضمنها اتفاقات الحد من التسلح، وحماية البيئة، ومنظمة التجارة العالمية.

وبما يتعلق بقضية الشرق الأوسط فقد اشتغلت هذه الإدارة كثيرا على عملية التسوية، لإيجاد حل للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ونظمت لهذا الغرض المفاوضات الثنائية والمتعددة (المتعلقة بقضايا التعاون الإقليمي)، ومؤتمرات القمة الاقتصادية الشرق أوسطية، لخلق بيئة سلام بين إسرائيل والدول العربية.

لكن إدارة بوش التي حلّت بعدها في إدارة البيت الأبيض (2001) كانت جدّ مختلفة، في سياساتها الدولية والإقليمية، وفي نهج تعاملها مع القوى الدولية الأخرى، فهي انسحبت من معظم الاتفاقات الأممية، وقوضت من مكانة الأمم المتحدة، وفي كثير من الأحيان نظرت إلى حلفائها الدوليين نظرة خصومة (أوروبا القديمة أو العجوز كمثال)، ولجأت إلى الضغوط الاقتصادية والعسكرية، وشنت حربين (أفغانستان والعراق)، وكل ذلك لفرض رؤيتها وزعامتها وأجندتها الدولية.

ويهمنا في هذا السياق، وإدارة بوش توشك أن تنهي عهدها بإطلاق عملية جديدة للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية (في أنا بولس في نوفمبر أو ديسمبر القادمين)، يهمنا تفحّص سياسات هذه الإدارة، إزاء المنطقة العربية عموما، وإزاء قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي (بما فيها التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية) خصوصا.

وكما قدمنا فإن إدارة بوش حلّت في البيت الأبيض (2001) في مناخات إخفاق الإدارة السابقة، بشأن المساعي الدؤوبة التي بذلتها، طوال فترتي إدارة الرئيس كلينتون (1992 ـ 2001)، باتجاه إيجاد حل للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخصوصا في مناخات الفشل الذريع الذي منيت به مفاوضات كامب ديفيد2(يوليو 2000) وطابا (2001)، بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد أدّت هذه المناخات، كما هو معروف، إلى تدهور عملية التسوية على المسار الفلسطيني، واندلاع الانتفاضة (سبتمبر 2000).

وكان الرئيس كلينتون، في سياق ضغطه على الفلسطينيين لحملهم على الموافقة على خطة اقترحها للتسوية، وجه تهديدا مفاده بأن خطته كل متكامل، فإما رفضها وإما قبولها(!)، كما عطف على هذا التهديد بتهديد أخر مفاده بأن أطروحاته المقدمة، في حال رفضها لن تلزم أية إدارة قادمة.

هكذا فعندما جاءت إدارة بوش في خضم هذه المناخات الشرق أوسطية المضطربة فضلت النأي بنفسها عن عملية التسوية، وتخفيف تدخلها فيها. وهذا يعني بالمصطلحات الأمريكية ترك الأمر لإسرائيل لتدبر نفسها، والاستفراد بالفلسطينيين، حتى أن الرئيس بوش لم يعقد ولا اجتماعا مع الرئيس الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات)، في تلك الفترة.

لكن التحول المهم الذي حصل في السياسة الأمريكية، وحملها على تغيير سياستها تلك، ولكن باتجاه التدخل الفج، وغير المتوازن، وبوسائل الضغط واستخدام القوة في الشرق الأوسط، جاء بسبب من حدث 11 سبتمبر (2001)، التي أسهمت في تغيير مفهوم الولايات المتحدة الأمريكية لأمنها القومي، الذي بات لا ينظر للمخاطر خارج الحدود، باعتبارها مجرد تهديدا خارجيا، وإنما على اعتبارها تمس الأمن القومي للولايات المتحدة وللغرب عموما، داخل الحدود.

أيضا، ووفق هذا المنظور، الذي ساهمت تنظيرات تيار "المحافظين الجدد" في الإدارة الأمريكية بالترويج له، فإن مواجهة هذا التهديد لا تقتصر على تحصين الولايات المتحدة فحسب، ولا على محاربة الجماعات المتطرفة الإرهابية، فقط، وإنما فوق هذا وذاك هي تتطلب إدخال إصلاحات (وبالأحرى تغييرات) في النظم السياسية العربية السائدة، يتساوى في ذلك النظم الصديقة للولايات المتحدة أو المتخاصمة معها.

وانطلاقا من هذه المفاهيم فإن الإدارة الأمريكية، في صوغ سياساتها إزاء الشرق الأوسط قللت كثيرا من أهمية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في إزكاء التوترات والاضطرابات في المنطقة، وأعلت كثيرا من أهمية التعبئة للحرب الدولية ضد الإرهاب، وطرح مشاريع الإصلاح ونشر الديمقراطية وإعادة هيكلة الشرق الأوسط، وفق مشروع "الشرق الأوسط الكبير".

وفي هذا الإطار من هذه الرؤية، الأحادية، جاءت عملية احتلال العراق (2003)، وغيرها من مشاريع التدخل والابتزاز للنظام الرسمي العربي، بدعوى إصلاحه وتأهيله، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.

أما في سياستها الفلسطينية، فقد قادت هذه الرؤية، الإدارة الأمريكية، إلى التقليل من شأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي في الضفة وقطاع غزة، وتبنت وجهة نظر شارون (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق)، باعتباره رجل سلام (حسب كلام بوش عنه!). على ذلك فقد نظرت إدارة بوش إلى مقاومة الاحتلال باعتبارها نوعا من الأعمال الإرهابية، وإلى القيادة الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات باعتبارها ليست شريكا بالسلام، ورفضت التعاطي معها، إلا بشروط من ضمنها، وقف الانتفاضة، وإنشاء مكانة لرئيس الوزراء في السلطة، كي يتم التعامل معه، والعمل على إصلاح كيان السلطة من النواحي السياسية والاقتصادية والإدارية؛ وكأن المسألة الفلسطينية هي مسألة إصلاح وليست مسألة احتلال.

لكن إدارة بوش لم تستطع المضي طويلا في التغاضي عن الموضوع الفلسطيني، حيث قامت بطرح خطة "خريطة الطريق" (2003)، بعيد احتلال العراق، من دون أن يعني ذلك أنها اشتغلت جديا عليها، فسرعان ما تبين أن هذه الخطة، مجرد نوع من العلاقات العامة، وأنها مجرد طرحتها لتهدئة الخواطر والمخاوف والمواقف العربية؛ بدليل أن هذه الإدارة تهاونت مع إسرائيل في التملص من هذه الخطة، ثم إنها سرعان ما أيدت خطة شارون بشأن الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد من قطاع غزة.

في مرحلة لاحقة، وبعد إخفاق ترتيباتها في العراق، التي هددت استقرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وعززت من نفوذ إيران، وأضعفت النظام العربي، وخصوصا بعد فشل الحرب الإسرائيلية على لبنان (2006)، ونجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بدا أن الإدارة الأمريكية تتحرك باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من سياساتها ومصالحها وأصدقائها في المنطقة، عبر إدخال تغييرات على السياسات التي انتهجتها طوال الأعوام السابقة.

هكذا بدا وكأن الإدارة الأمريكية تراجعت عن مشروعها بشأن إصلاح وتغيير النظم العربية، وأنها باتت معنية باستقرار منطقة الشرق الأوسط، وإعادة الاعتبار للنظام العربي، حفاظا على مكانتها ومصالحها، ومن اجل تهيئة المناخات لخروج مشرّف لها من العراق، وللحد من تزايد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الصعيد الفلسطيني فإن هذا التحول أدى بالإدارة الأمريكية للمبادرة لطرح فكرة الاجتماع الدولي، المفترض عقده بعد أسابيع في مدينة أنا بولس (ولاية ميريلاند) لبحث امكان إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الآن، ثمة أسئلة تطرح نفسها، من نوع: هل الإدارة الأمريكية جادة في حسم موقفها بشأن الضغط على إسرائيل ووضع حد لتملصاتها من استحقاقات عملية التسوية مع الفلسطينيين؟ وهل الوضع لدى مختلف الأطراف، وخصوصا إسرائيل مهيأ للمضي في تسوية حقيقية؟ ثم هل لدى الإدارة الأمريكية وقت للمضي في هذه العملية لنهاياتها، أم أن الأمر ليس سوى مجرد إدارة أزمة لتحقيق الانتقال الأمريكي السلس من إدارة إلى إدارة أخرى، أو من سياسة إلى سياسة أخرى؟ وفوق كل ذلك هل ثمة تحول حقيقي في سياسة إدارة بوش إزاء القضية الفلسطينية؟

التعليقات