31/10/2010 - 11:02

إسرائيل ستطلب من مؤتمر أنابوليس أن يكون "لطيفاً جدا"../ ماجد عزام*

إسرائيل ستطلب من مؤتمر أنابوليس أن يكون
منذ صباح اليوم التالي لإعلان الرئيس جورج بوش في حزيران (يونيو) الماضي عن مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط باشرت إسرائيل حملة منهجية ومنظمة للتخفيض من سقف التوقعات لدى الفلسطينيين والعرب أو المجتمع الدولي في شكل عام. وقبل الخوض في طبيعة الموقف الإسرائيلي والتوقعات أو الأهداف من مؤتمر السلام الذي يعقد في أنابوليس (ولاية ميريلاند الأميركية) في مطلع الأسبوع المقبل، لا بد من الإشارة إلى أن خطوة من سلسلة خفض سقف التوقعات جاءت من البيت الأبيض صباح اليوم التالي لإعلان بوش عن المؤتمر، إذ قال الناطق باسم البيت الأبيض طوني سنو: هذا ليس مؤتمر سلام كبيراً، فمثل هذا التعريف طموح أكثر مما ينبغي، سيكون لقاء، وإذ يوجد من يحاول رسم ذلك كمؤتمر للسلام كبير فهذا ليس واقعياً.

ومستفيدة من الموقف الأميركي شرعت الحكومة الإسرائيلية في حملة لتخفيض سقف التوقعات، وفي المحصلة الأولى جرى الجدال حول الوثيقة التي ستصدر عن اللقاء. الرئيس محمود عباس طالب باتفاق إطار يضمن حلولاً مفصلة وجداول زمنية محددة وواضحة، بينما أشار إيهود أولمرت إلى إعلان مبادئ على طريقة اتفاق أوسلو، أي إعلان مبادئ تحتاج كل جملة فيه إلى اتفاق مفصل حولها.

وعندما قبل الطرف الفلسطيني إعلان مبادئ يضع ولو في شكل عام الخطوط العريضة للحل النهائي، غير أولمرت موقفه فطالب ببيان مصالح قبل أن ينتقل إلى الحديث عن مجرد بيان ختامي أو وثيقة سياسية مختصرة قدر الإمكان وربما في صفحة واحدة فقط.

الجانب الفلسطيني الذي وافق تحت ضغط موازين القوى والأزمة الداخلية لم يمانع من خروج المؤتمر بوثيقة سياسية شرط أن تتضمن حلولاً لقضايا الحل النهائي الست: القدس والحدود واللاجئون والدولة والأمن والمياه، وإن خلت من جدول زمني للتفاوض وللتنفيذ، لكن الجانب الإسرائيلي أصرّ على وثيقة سياسية عامة وغامضة لا تضع أي حلول بل تكتفي بعرض المشاكل أو القضايا على الحوار والنقاش، وطبعاً جاء هذا الأمر بعيد تمنع ورفض لأي نقاش للقضايا النهائية، وجاءت الموافقة الفضفاضة والغامضة مشفوعة بربط تنفيذ أي اتفاقات أو تفاهمات بالعودة إلى خريطة الطريق وتحديداً البند الأول فيها الذي يطالب الطرف الفلسطيني بتفكيك البنى التحتية للمقاومة ونزع سلاحها ومنع أي عمليات أو فعاليات لها ضد إسرائيل، بينما يلزم هذا البند إسرائيل بتجميد الاستيطان وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية وفق المصطلح الإسرائيلي والتي أقيمت بعد آذار (مارس) 2001 – بحسب حركة «السلام الآن» يبلغ عددها 100 – وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما وراء خطوط 28 أيلول (سبتمبر) وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية.

دوف فاسيغلاس، مستشار رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، صرح مرة أن خريطة الطريق تطالب بتحول الفلسطينيين إلى فنلنديين، وحتى يتحقق ذلك لن يطالب أحد إسرائيل بأي شيء لا في الشق السياسي ولا الأمني. السلطة الفلسطينية لم تمانع من العودة إلى خريطة الطريق لكنها أشارت إلى أنها قامت بتنفيذ المطلوب منها، خصوصاً في الضفة الغربية، غير أنها قوبلت مرة أخرى بالتعنت الإسرائيلي الذي يعتبر أن السلطة لم تنفذ ولا حتى 1 في المئة مما هو مطلوب، منها بحسب تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي في جلسة الحكومة الاثنين الماضي، ليس هذا فقط بل ربطت إسرائيل أي اتفاق بتنفيذ السلطة تعهداتها ليس في الضفة الغربية فقط وإنما في قطاع غزة أيضاً، وهو شرط يبدو تعجيزياً في الواقع الفلسطيني الحالي، فإسرائيل تطالب الرئيس محمود عباس وحكومته بإنجاز ما عجزت هي عن تحقيقه، والمقصود طبعاً وقف عمليات المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات.

وبعدما وافقت السلطة الفلسطينية نظرياً على العودة إلى خريطة الطريق – وللتذكير فقط وصفها ذات مرة المحلل الإسرائيلي ناحوم برنياع بأنها صيغت بأيد ليكودية - عادت إسرائيل لتطرح مسألة يهودية الدولة وضرورة إقرار السلطة بهذا الأمر كمدخل لأي مفاوضات حول الوضع النهائي، وهذا يعني تنازلاً فلسطينياً مجانياً ومبكراً عن حق عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي شردوا منها في العام 1948، كما يؤثر سلباً في نضالات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 للحصول على حقوق المواطنة ونزع الصفة العنصرية عن إسرائيل لتتحول إلى دولة ديمقراطية لكل مواطنيها.

قبل ذلك وبعده، أصر أيهود أولمرت على اعتبار مؤتمر انابوليس نقطة انطلاق للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية من دون تحديد النتائج وطبيعتها ولا نقطة النهاية كما أراد الرئيس محمود عباس ومعظم المسؤولين العرب الذين نظروا إلى اللقاء كمؤتمر دولي يناقش القضايا النهائية ويضع حلولاً لها مع جداول زمنية مفصلة وملزمة.

طبعاً، لا يمكن الحديث عن الموقف الإسرائيلي من مؤتمر أنابوليس من دون نظرة إلى مواقف الثلاثة الكبار في الحكومة، رئيس الوزراء أيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع زعيم حزب العمل إيهود باراك، الذين يمتلكون تصورات ورؤى مختلفة تجاه المؤتمر. أولمرت بحث من البداية عن لقاء علاقات عامة يحتل عناوين الصحف ويزيد من شعبيته المنهارة ويبين مزاياه كقائد أو رجل دولة يمتلك أجندة وجدول أعمال، وفي الوقت نفسه يطمس قضايا الفساد المثارة حوله وكذلك تقرير فينوغراد النهائي حول الأداء خلال حرب لبنان الثانية صيف 2006. وأولمرت اعتمد القاعدة الإسرائيلية التقليدية انه كلما توسعت قضايا الفساد والمشاكل الداخلية ليس أمام القائد سوى إلى الخروج إلى الحرب أو الذهاب إلى المفاوضات وعملية التسوية، وهو الذي لا يستطيع بعد حرب لبنان تبني الخيار الأول – قاربه على استحياء في قطاع غزة - لجأ إلى الخيار الثاني على طريقة معلمه آرييل شارون باحثاً عن صور لقاءات مع بعض الزعماء العرب لإثبات صوابية نهجه السياسي، وفي الوقت نفسه الزعم بتحقيق ما عجز عنه أسلافه: التطبيع مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية، خصوصاً تلك المهمة والمؤثرة.

وإذ يبحث أولمرت عن حملة علاقات عامة في لقاء دولي يطيل مدة بقائه في سدة السلطة كرئيس حكومة، فإن موقف وزير الخارجية تسيبي ليفني يبدو مختلفاً بعض الشيء، فهي التي صاغت الخطوط العريضة لبرنامج كديما السياسي وصاحبة القول إن الانسحاب من بعض مناطق الضفة يعتبر تطبيقاً للأيديولوجيا الصهيونية وليس تنازلاً أو انحرافاً عنها، وهي طالبت دائماً بمنح الفلسطينيين أفقاً سياسياً وحتى دولة، وتعتبر ذلك مصلحة حيوية لإسرائيل شرط التركيز على القضايا المرحلية والاقتصادية مثل الأسرى وحرية الحركة للمواطنين والبضائع والمشاريع الصناعية المشتركة. وتعتقد ليفني أيضاً بأن من الممكن التوصل مع الفلسطينيين إلى ما تسميه اتفاق ربط بتهيئة الأوضاع عبر القضايا المرحلية، كذلك عبر العودة إلى خريطة الطريق، لكن ليفني أسيرة للموقف الإسرائيلي العام الذي لا يثق بالرئيس محمود عباس ولا يعتبره شريكاً ملائماً وقادراً على تنفيذ أي اتفاق أو تفاهم قد يتم التوصل إليه، من دون أي مراجعة للمسؤولية الإسرائيلية عن الوضع في الضفة والقطاع في شكل عام. وأوضح الرئيس عباس وحكومة سلام فياض أن ليفني المصرة على العودة إلى خريطة الطريق هي أيضا – بالتنسيق مع إيهود باراك – صاحبة فكرة ضرورة إقرار الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، ما يعني تفجير المفاوضات وإفراغها من مضمونها.


أمر آخر يستحوذ على تعاطي ليفني مع مؤتمر أنابوليس، هو موقفها الشخصي من إيهود أولمرت، فهي كوريثة محتملة لزعامة كديما ورئاسة الوزراء تعتبر أن أولمرت غير جدير بمنصبه وانه ساقط حتماً سواء بسبب قضايا الفساد أو بسبب تقرير فينوغراد النهائي، وبالتالي لا داعي – من وجهة نظر ليفني – لمساعدته في تحقيق أي إنجاز سياسي أو دبلوماسي لن يفيده في أي حال وقد يعود أيضا بالضرر عليها.

موقف باراك أو «مستر أمن» مختلف نسبياً عن موقف ليفني، فباراك غير مقتنع بفتح أي آفاق مع السلطة الفلسطينية لا في السياسة ولا في غيرها، وهو يعتقد بأن الرئيس محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض غير قادرين على تحقيق أي شيء لإسرائيل، خصوصاً في البعد الأمني، وهو في جلساته الخاصة يشيد على المستوى الشخصي بأبي مازن وفياض، ولكن يرى المشكلة في كونهما غير متمرسين وحتى غير راغبين في الضغط على الزناد، والمقصود بالطبع قمع المعارضين بالقوة المسلحة، كما أن باراك يزعم أن ليس في مقدور إسرائيل الانسحاب من مساحات واسعة من الضفة الغربية إلا بعد تطوير منظومة صاروخية مضادة للصواريخ، ويعتقد بأن الخطوات الإسرائيلية يمكن أن تتم في شكل أحادى وفق قاعدة اللاشريك التي ينسبها لنفسه.

وزير الدفاع الإسرائيلي باراك وزميلته وزيرة الخارجية ليفني يتفقان على أن أولمرت ميت سياسياً وانه راحل لا محالة وان المنافسة في الانتخابات المقبلة، (يرى باراك أنها ستجرى في النصف الثاني من عام 2008) ستكون مع زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو، وهذا قد يفسر المواقف اليمينية الأخيرة لباراك التي وصفها رفاقه لـ «يديعوت احرونوت» (الأربعاء 21/11) بأنها متشددة أكثر من مواقف افيغدور ليبرمان.

ولفهم أشمل للموقف الإسرائيلي تجاه مؤتمر السلام، ينبغي إلقاء نظرة على مواقف ورؤى الشريكين الآخرين في الائتلاف الحكومي «شاس» و «اسرائيل بيتنا»، فزعيم «شاس» ايلي يشاي طالب وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بالتركيز على القضايا الاقتصادية والمعيشية. واعتبر أن مجرد طرح قضية القدس للنقاش في أنابوليس ستعني خروج «شاس» من الحكومة وبالتالي انهيار الائتلاف. أما زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان فيجدد مشروعه الخاص بشطب حق العودة والقدس من ملف المفاوضات وتبادل أراض وسكان مع السلطة، يشمل التخلص من جزء كبير من المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وكل ذلك يرتبط بتهيئة الأرضية الاقتصادية والأمنية وحتى الثقافية والأيديولوجية للفلسطينيين باعتبار أن الديمقراطيات لا تتنازع وهي تفضل دائماً الوصول إلى حلول عبر الطرق السلمية والحوارية.

بما أن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل تملك سياسة داخلية فقط - بحسب التعبير البليغ والشهير لهنري كيسنجر - فإن مؤتمر أنابوليس لن يكون أكثر من منصة لإلقاء الخطابات وتبادل الصور ومحطة من محطات كسب الوقت والمناورة لتكريس سياسة الأمر الواقع على الأرض، خصوصاً القدس والضفة، غير أن أكثر ما يلفت النظر عن مؤتمر السلام الكلام الذي نقلته «هآرتس» عن الرئيس جورج بوش (18/10/2007) الذي قال لأحد سائليه عن ماهية المؤتمر وجوهره: «أعدك بأن يكون هذا حدثاً لطيفاً جداً».
ذلك بالضبط ما يريد الإسرائيليون. حدث لطيف جداً من دون تقديم أي تنازلات أو إرجاع أي من الحقوق الشرعية والمشروعة للشعب الفلسطيني.

التعليقات