31/10/2010 - 11:02

إسرائيل والمشروع النووي الإيراني (2/2)../ د.محمود محارب

إسرائيل والمشروع النووي الإيراني (2/2)../ د.محمود محارب
عقدت الحكومة الإسرائيلية المصغرة (الكابنيت السياسي – الأمني) اجتماعا خصيصا لبحث تقرير المخابرات الأميركية، وفي اعقاب الأجتماع صرح رئيس الوزراء الأسرائيلي ايهود أولمرت أن موقف إسرائيل تجاه مشروع ايران النووي لم يتغير، وان ايران مستمرة في تطوير مشروعها النووي ومستمرة في نشاطها لتخصيب اليورانيوم، وأن إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها لكشف خطة إيران النووية ونشاطاتها السرية الهادفة إلى تطوير السلاح النووي.

وكرر ادعاء إسرائيل أنه إذا ما استمرت إيران في فعالياتها هذه فسيصبح لديها كميات كافية من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية في سنة 2010. وأضاف أن إيران مستمرة في تطوير وصناعة الصواريخ البعيدة المدى. وطالب أولمرت بتعزيز الضغوط الدولية على ايران وتشديد العقوبات الأقتصادية عليها والعمل على عزلها حتى تنفذ قرارات مجلس الأمن وتوقف تخصيب اليورانيوم. وشدد على أن مهمة تنفيذ فرض العقوبات ضد إيران تقع على المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، وأن "إسرائيل، التي تدعو إيران إلى إبادتها، لا تستطيع التخلي عن هذا الضغط الدولي" (هآرتس 9/12/2007).

ازدحمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتعليقات وتحليلات النخب العسكرية والسياسية والصحفية والأكاديمية حول تقرير المخابرات الأميركية. والتقت غالبيتها العظمى على أنه بات من الصعب حشد المجتمع الدولي لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد إيران، وأن عام 2008 لم يعد عام الحسم وتوجيه الضربة العسكرية الأميركية للمنشآت النووية الأيرانية، كما كانت إسرائيل تحث وتتوقع حدوثه، وأن الرئيس بوش سيسلم الملف الأيراني إلى خلفه. (انظر مثلا هآرتس 5/12/2007).

ولعل تقرير المخابرات الإسرائيلية السنوي ،الذي حلل آثار تقرير المخابرات الأميركية، عبر بدقة عن الحالة الإسرائيلية، بعد صدور تقرير المخابرات الأميركية، حيث أكد أن تقرير المخابرات الأميركية خلق وضعا سيئا لاسرائيل. فقد ابعد من إمكانية قيام المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية شديدة ضد ايران، ومن إمكانية قيام أميركا بهجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية. واستخلص تقرير المخابرات الإسرايئلية السنوي أنه "بات من الواضح الآن أنه لن يقوم أي طرف بهذا العمل لصالحنا"، وهذا يعني أن "إسرائيل ستضطر إلى الاعتماد فقط على قدرتها الذاتية العسكرية عندما تصل الخطة الأيرانية النووية إلى مرحلة النضج". (واي نت – 16.12.2007)ynet-

تسعى إسرائيل الى إزالة اضرار تقرير المخابرات الأميركية عليها بأسرع وقت ممكن وهي مستمرة في جهودها المكثفة لمنع إيران من تطوير مشروعها النووي. وتعتقد إسرائيل أنه لا زالت أمامها رزمة من الخيارات لمنع إيران من تطوير مشروعها النووي والوصول إلى القنبلة النووية. وأبرز هذه الخيارات:

أ- تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد إيران والتركيز على منع إيران من تخصيب اليورانيوم خاصة بعد حصولها عليه من روسيا. وتبذل إسرائيل جهودا مكثفة على الصعيد الدولي وداخل الولايات المتحدة من خلال سلكها الدبلوماسي والمنظمات اليهودية وجماعات الضغط المؤيدة لها، لحث الولايات المتحدة على تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية من خلال مجلس الأمن الدولي، أو فرض عقوبات مؤلمة من قبل مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في حال فشل مجلس الأمن الدولي من استصدار قرارات تفرض عقوبات جديدة ضد إيران.

ب- حصار النظام الايراني والسعي للإطاحة به: يطالب العديد من القادة الإسرائيليين والمختصين بالشأن الأيراني بوضع مسألة حصار النظام الايراني والعمل على الإطاحة به في أولويات الأجندة الإسرائيلية والأميركية، ويدعون إلى تخصيص الأموال الملائمة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية كي تعمل لتحقيق هذا الهدف بالتعاون مع المخابرات الأميركية، والعمل على الاتصال مع كل من يعارض النظام الايراني من أجل اسقاطه. بيد ان نجاح هذا الخيار يبدو ضئيلاً من المنظور الاسرائيلي.

ج- إجراء مفاوضات مع ايران: تدعو بعض الأصوات في إسرائيل، قبل وبعد تقرير المخابرات الأميركية، إلى إجراء مفاوضات أميركية ايرانية بهدف ثني ايران عن تطوير برنامجها النووي، مقابل رزمة من المحفزات تقدمها أميركا والمجتمع الدولي إلى إيران، تتعلق بالتكنولوجيا النووية للأهداف السلمية وبتقديم اغراءات اقتصادية هامة لايران وبحث دورها الأقليمي وجميع المسائل العالقة بين أميركا وايران (انظر مثلا إلى مقال دانئيل ليفي "ضوء أخضر للأميركيين، هآرتس 22/10/2007).

د.الخيار العسكري: لا يزال هناك شبه اجماع في إسرائيل أنه عليها الحفاظ دوما على الخيار العسكري الذاتي لتدمير المنشآت النووية الإيرانية ، في حال وصلت ايران إلى مرحلة القدرة على إنتاج القنبلة النووية. وتبذل إسرائيل جهودا جمه على جميع المستويات لاستكمال الأستعدادات اللازمة لانجاح ضربة عسكرية اسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وتمتلك إسرائيل القدرة العسكرية للقيام بعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، باستخدام سلاحها الجوي وطائراتها الأميركية الصنع وصواريخها البعيدة المدى.

وتقف أمام مثل هذه العملية العسكرية تحديات ومشاكل عديدة ، أهمها : بعد المنشآت النووية الايرانية عن إسرائيل والذي يتراوح ما بين 1200-1500 كم ، وانتشار هذه المنشآت في أماكن مختلفة في ايران، الأمر الذي يتطلب التنسيق لضرب عدة أهداف في نفس الوقت لضمان المفاجأة، وضرورة التزود بالوقود في الجو، مرة واحدة إذا مرت الطائرات من الأجواء الأردنية والعراقية ، ومرتين إذا مرت عبر البحر الأحمر فالمحيط الهندي، الأمر الذي يعقد العملية ويزيد من خطورتها بسبب سهولة أمكانية إسقاط طائرات التزويد بالوقود.

ولكون المنشآت النووية الايرانية محصنة جيدا، وجزء كبير منها تحت الأرض ولديها دفاعات من الصواريخ والمدافع والطائرات، فان ذلك يوجب أن تكون القوة المهاجمة الإسرائيلية كبيرة نسبيا تشمل طائرات هجومية وطائرات اعتراض وطائرات تزويد الوقود في الجو. وتقوم إسرائيل منذ عدة سنوات بالاستعدادات العسكرية من حيث التزود بالطائرات الأميركية اف16 وتجهيزها بالمعدات اللازمة وتدريب الطيارين وجمع المعلومات الدقيقة عبر قمرها الصناعي، الذي أطلق أساسا لهذا الغرض، وعبر أجهزة مخابراتها، والتزود بالقنابل الذكية المناسبة، ذات القدرة على اختراق المواقع المحصنة تحت الأرض، وبالقنابل ذات القدرة التدميرية الهائلة والتي يصل وزنها إلى طنين. ويسود الاعتقاد في إسرائيل أنه لا يمكنها أن تقوم بالعملية العسكرية بدون الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية لما يترتب عليها من نتائج وردود فعل ايرانية قد توجه ضد الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

ايران النووية: على أثر صدور تقرير المخابرات الأميركية، واحتمال وصول إيران إلى القنبلة النووية، خرجت مجددا الدعوات من إسرائيل لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق اقترح يورام بن زئيف نائب مدير قسم أميركا الشمالية في وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي كان مسؤولا في السبع سنوات الماضية عن ملف العلاقات الأسرائلية الأميركية في وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة قبل نهاية فترة حكم الرئيس بوش. (هآرتس 21/12/2007).

وكانت قد جرت قبل سنوات محاولات لبحث توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، بيد أن الحرب على العراق وأزمة تصدير الأسلحة الإسرائيلية التي تحتوي صناعات اميركية، جمدت هذا الأمر. على أية حال، هناك توجه عام في إسرائيل أنه إذا فشلت جميع الجهود في منع إيران من الوصول إلى السلاح النووي، فان على إسرائيل اتخاذ جملة من الخطوات أهمها:

1- تعزيز قدرة الردع النووي الإسرائيلي وخاصة تقوية مركبات قدرات "الضربة النووية الثانية" الإسرائيلية.
2- توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
3- انضمام إسرائيل إلى الحلف الأطلسي.
4- إعادة النظر في سياسة إسرائيل النووية الضبابية، والاعلان في الوقت المناسب، بعد التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، عن إسرائيل دولة نووية.
5- إقامة قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة مع القيادة الأيرانية للتفاهم معها حول السياسة النووية وتوضيح "الخطوط الحمراء" (انظر افرايم كام، إيران النووية، تل أبيب: معهد الأمن القومي في جامعة تل أبيب، 2007.)

التعليقات