31/10/2010 - 11:02

إلى متى هذا الإنقسام الفلسطيني../ ماجد كيالي

إلى متى هذا الإنقسام الفلسطيني../ ماجد كيالي
ثمة أسئلة عديدة وكبيرة باتت تطرح نفسها بإلحاح في الساحة الفلسطينية، فإلى متى سيبقى الانقسام؟ وهل ستظل هذه الساحة أسيرة لحظة السيطرة الحماسية على قطاع غزة؟ وما هي تداعيات ذلك على قضية فلسطين وشعبها وحركته الوطنية؟ وكيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق وتفويت هذه التداعيات؟.

بديهي أن الانقسام الحاصل ليس وليد لحظة سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو الماضي، بقوة السلاح، فهو أسبق من ذلك وأبعد، بمعنى أنه وليد الانقسام بين مشروعين سياسيين في الساحة الفلسطينية، المشروع الأول، وهو مشروع التحرير، أي تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وهو ما كشف عنه مؤتمر المعارضة الفصائلية (الذي عقد مؤخرا بدمشق)، ومشروع التسوية التاريخية، الذي يعتقد أن الظروف الدولية والإقليمية وموازين القوى، لا تسمح للشعب الفلسطيني بتحقيق هدف التحرير، ما يعني ضرورة التحول نحو هدف مرحلي ممكن، يتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967.

وبينما يدعو التيار الأول (المعارض) إلى توسل التحرير بوسائل المقاومة المسلحة أساسا، فإن تيار الحل المرحلي يؤكد بأن خيار المقاومة المسلحة استهلك واستنفذ أغراضه، وباتت كلفته عالية، وأن الوضع يتطلب السير في مشروع التسوية، الذي بات مشروعا دوليا وعربيا (بعد أن بات العرب يعتبرون التسوية خيارا استراتيجيا)؛ دون استبعاد خيار المقاومة بأبعادها المختلفة، وضمنها الانتفاضة والمقاومة المسلحة، وهذا ما فعلته حركة فتح، في سعيها للمزاوجة بين التسوية والمفاوضة وبين المقاومة والانتفاضة، منذ سبتمبر (2000) بعد انهيار مفاوضات كامب ديفيد 2.

المشكلة أن هذا الخلاف، لو أحسنت إدارته وتم التوافق على استثماره، بين القوى الفلسطينية الفاعلة، كان يمكن ان يغني الساحة الفلسطينية، وأن يفيد في تجنيب طرفيها الضغوط الدولية والإقليمية، وأن يدعم السلطة في ضغطها على الطرف الإسرائيلي، ولكن التنافسات والعقليات والتوظيفات الضيقة والخارجية والمتضاربة في الساحة الفلسطينية حولت هذا الخلاف إلى انقسام وإلى كارثة بالنسبة للفلسطينيين وقضيتهم وحركتهم الوطنية، وهو ما تم تجسيده في الانقسام الحاصل، بعد سيطرة حماس الأحادية والاقصائية على قطاع غزة، بوسائل القوة، في خروج على كل الأعراف والتقاليد والشرعيات السائدة في العمل الفلسطيني.

هكذا فإن الجديد في الانقسام أنه لم يقتصر على الخلافات والتنافسات السياسية الفصائلية، بل تجاوز ذلك كثيرا، فثمة اليوم استقطاب واضح بين الفلسطينيين، لصالح إحدى الحركتين (فتح وحماس)، وثمة انقسام في النظام والكيان السياسيين للشعب الفلسطيني، بمعنى أنه علاوة على الانقسام الجغرافي، بين الضفة وقطاع غزة، بات الفلسطينيون اليوم أمام انقسام ديمغرافي وسياسي.

ويعتقد معظم الفلسطينيون بأن هذا الانقسام هو بمثابة هدية مجانية لإسرائيل، وأنه حقق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه، في العقود السابقة، وأنه أضر كثيرا بالشعب الفلسطيني وقضيته وحركته الوطنية، ما يفترض الخروج منه بأي ثمن، أو على الأقل تقنين هذا الانقسام وتنظيمه وإدارته بالطرق السياسية والسلمية والشرعية، بعيدا عن المنازعات العنيفة والاقتتال بالسلاح، بمعنى عدم الجمود عند لحظة سيطرة حماس على القطاع، على رغم دلالاتها السلبية والخطيرة.

أكثر من ذلك، فثمة اعتقاد بات يسود لدى قطاعات واسعة من العاملين بالشأن السياسي، بأن تحولات الأوضاع في الساحة الفلسطينية، في حال ترسخ الانقسام، لن تذهب لصالح أي من الحركتين المتنازعتين على السلطة والسياسة والقيادة (أي فتح وحماس)، وبمعنى إنها لن تذهب لصالح الوطنية الفلسطينية، وإنما باتجاهات إعادة المداخلات العربية في الوضع الفلسطيني، ربما من خلال استحضار الوجود المصري في قطاع غزة (بشكل أو بآخر)، وإحياء الخيار الأردني، وإن بصيغ معدلة، تستوجب قبل ذلك الإعلان عن قيام كيان فلسطيني في حدود مؤقتة، وفق صيغة رؤية بوش، وخطة خريطة الطريق، ربما.

ولعل ما جرى في قطاع غزة مؤخرا، من فتح للمعابر وتدفق للغزيين على الأراضي المصرية وطريقة التعامل الرسمية المصرية مع كل ذلك، ترجّح نوع من خيار أو دور مصري أكبر في إدارة قطاع غزة، بالتعاون مع الفرقاء المحليين. ويخشى أن إسرائيل تحاول أن تلقي همّ، أو عبء القطاع على غيرها، وتحديدا مصر للتخلص منه نهائيا (360 كلم2 لمليون ونصف مليون فلسطيني).

هكذا فإن الاقتتال والانقسام الفلسطينيين لا يدعم تيار ضد آخر بقدر ما يشي بإخفاق تيار الوطنية أو الاستقلالية، التي عمدتها حركة التحرر الفلسطينية، منذ أواسط الستينيات مع كل التضحيات التي رافقت ذلك. أيضا فإن إخفاق خيار الدولة الفلسطينية (وإسرائيل مسؤولة عن ذلك أكثر من غيرها)، لا يعني بأن خيار التحرير بات مشرعا، بقدر ما يعني امكان العودة لخيارات أخرى من مثل الخيار الأردني، بغض النظر عن سلبيات أو ايجابيات ذلك.

على ذلك فإن الفلسطينيين اليوم معنيون بوقف مزايداتهم الجانبية، وتحمل المسؤولية عن التدهور في أوضاعهم، ووضع حد للتوظيفات السياسية الإقليمية، التي لن تفيدهم، والتوجه نحو وضع حد للانقسام الحاصل في أوضاعهم، من خلال التوافق على استراتيجية سياسية واضحة وممكنة، وتتناسب مع المعايير الدولية والعربية، وتتأسس على دحر الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع المحتلين، وعاصمتها القدس، وإيجاد حل لقضية اللاجئين على أساس حق العودة وفق القرار 194، وهذا ما تشكل المبادرة العربية رافعة له.

فهذه المعادلات السياسية هي التي يمكن أن توفّّق بينهم، بمعزل عن التباينات في الرؤى الاستراتيجية المستقبلية، من نوع التحرير أو الدولة ثنائية القومية أو الدولة الديمقراطية العلمانية، أو الخيارات الإقليمية، التي هي من حق كل تنظيم أو كل تيار عامل في الساحة الفلسطينية، ولكن يبقى من حق الفلسطينيين على قياداتهم أيضا إيجاد التوافقات والسياسات الممكنة، والتي تحقق مكاسب ملموسة.

الآن تطرح قيادة السلطة، وهي قيادة المنظمة وفتح، ضرورة عودة حماس عن "انقلابها" لبدء الحوار وإيجاد مخارج للأزمة السياسية والانقسامية، ومع أهمية ومشروعية ذلك، من النواحي السياسية والقانونية والأخلاقية وحتى لا يسجل كسابقة، فإن هذه القيادة معنية أيضا بمراجعة سياساتها وممارساتها التي دفعت حماس لهذه الخطوة وسهّلتها لها. وهي مطالبة أيضا بنبذ نهج التفرد بإدارة الوضع الفلسطيني واحتكار القرارات، وتطوير التعددية والمؤسسية والعلاقات الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، وتفعيل منظمة التحرير، ككيان سياسي موحد للشعب الفلسطيني، على أسس جديدة، تراعي التوازنات الحاصلة في هذه الساحة. بمعنى أن مسؤوليتها عما جرى لا تقل عن مسؤولية حماس، وإن كان يسجل لها عدم حسمها الخلافات بوسائل الاقتتال المسلح.

وبالنسبة لحماس فإنها مطالبة بمراجعة ما حصل، وإثبات عدم تمسكها بالسيطرة الأحادية والاقصائية على القطاع، ودراسة كيفية المواءمة بين مقاومتها تداعيات اتفاقات اوسلو، وانخراطها في سلطة ناجمة عن هذا الاتفاق، من موقع القيادة والحكومة، خصوصا أن هذه الحكومة بحاجة لأموال الدول المانحة، التي تمول عملية اوسلو، لتغطية رواتب 160 ألف موظف، ولتأمين احتياجات الفلسطينيين للعيش، لاسيما في القطاع، من الموارد الحيوية، وضمنها إمدادات الكهرباء والطاقة والمواد التموينية والصيدلانية. بمعنى أن على حماس أن تخرج من حيز الشعارات والتمنيات والرغبات، والتهويل بالقدرات الذاتية إلى حيز الممكنات والاستحقاقات في انتقالها من موقع المعارضة إلى القيادة والسلطة.

إضافة إلى ما تقدم فإن المطلوب من حركتي فتح وحماس، في حال اخفاقهما التوافق بوسائل الحوار، المدعومة بمداخلات وضغوطات عربية، التفكير جديا بالتوجه للشعب لطرح الموضوع عليه، بدلا من إبقاء الانقسام، وبدلا من تسعير الخلافات، وحلها بوسائل الاقتتال، وذلك من خلال تنظيم استفتاء شعبي، بشأن امكان الذهاب لانتخابات مبكرة، رئاسية وتشريعية، ليقول الشعب كلمته، ويحسم أمره. أليس الشعب هو من يدفع الثمن في كل الخيارات؟

التعليقات