31/10/2010 - 11:02

إلى متى يجوز لإسرائيل ما لا يجوز لغيرها / الياس سحاب

إلى متى يجوز لإسرائيل ما لا يجوز لغيرها / الياس سحاب
مع أن الدول العربية ما فتئت منذ العام 1991، تتقدم في كل دورة من دورات المنظمة الدولية للطاقة الذرية بمذكرة تنبه فيها الى خطر التسلح النووي الإسرائيلي على منطقة "الشرق الأوسط"، وتطالب، استبعادا لهذا الخطر، بإعلان الشرق الاوسط كله، بلا أي استثناء، منطقة منزوعة السلاح النووي، مع تكرار هذا الموقف العربي منذ أربعة عشر عاما، فإن اسرائيل أصرت في هذه الدورة على وصفه بالخبيث، وبأنه مجرد مناورة تقوم بها الدول العربية، لمواجهة الضغوط الدولية على ايران في مسألة التسلح النووي.

يحق لإسرائيل ما لا يحق لأحد غيرها، ويجوز لإسرائيل ما لا يجوز لأحد غيرها. هذه هي الخلاصة المركزة للعلاقة القانونية والخلقية والعملية بين المجتمع الدولي واسرائيل، منذ قيامها وحتى يومنا هذا.

لقد تفردت اسرائيل في التاريخ المعاصر (والقديم) بأنها الدولة الوحيدة التي قامت وتأسست بموجب قرار من الأمم المتحدة (قرار تقسيم فلسطين، الذي حمل الرقم 181). ومع ذلك، ومنذ ذك اليوم وحتى يومنا هذا، سمح المجتمع الدولي (صاحب هذا القرار) وما زال يسمح الى اليوم، بأن يتم فقط تنفيذ الجزء الخاص بإسرائيل من هذا القرار (بمساحة من أراضي فلسطين تفوق ما خصصه لها القرار)، ومنع تنفيذ الجزء الخاص بسكان البلاد الاصليين (كما سماهم وعد بلفور) بأساليب غير شرعية بينها الارهاب والعنف والاحتلال.

ومسيرة اسرائيل مع بقية قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بعد ذلك التاريخ معروفة، وهي مسيرة تطورت دائما برعاية المجتمع الدولي وحمايته، وكانت دائما في اتجاه التحدي السافر لقرارات الأمم المتحدة، ورفض تطبيقها، جملة وتفصيلا.

لكن أخطر ما في هذه المسيرة، تطور هذا السلوك، بما أصبح بشكل تهديداً لأمن واستقلال دول المنطقة بأسرها، بعد ابتلاع كل حقوق شعب فلسطين، وكل أرضه.

ولقد بدأ هذا التطور يسير على خطين:

1 خط تفرد اسرائيل في المنطقة بامتلاك السلاح النووي، وهو تصرف بقيت اسرائيل فيما ينشر من معلومات علنية، مدينة به الى دعم فرنسي ساعدها في تأسيس خبرتها النووية. الى ان كشفت معلومات مؤكدة أخيرا من داخل بريطانيا، ان المساعدة البريطانية هي التي سمحت لإسرائيل بتحويل خبرتها النووية (المحصورة في البداية خارج مجال التسلح) الى إنتاج القنابل النووية. ومعنى ذلك أن قطبي الاستعمار الاوروبي القديم (فرنسا وبريطانيا) كانا في النهاية شريكين في تمكين اسرائيل من هذا التفرد النووي الذي يهدد المنطقة بكاملها، وان اختلفت الادوار بينهما.

2 خط احتلال أراضي الدول العربية المجاورة بالقوة، وهو التهديد الذي لا يمكن القول انه فقد زخمه. فحتى صحراء سيناء التي أعادتها اسرائيل لمصر بموجب اتفاقيات كامب دافيد، فرضت اسرائيل جعلها منطقة منزوعة السلاح (من الطرف المصري وحده، وليس في مقابل منطقة اسرائيلية منزوعة السلاح ايضا) مما يعتبر في القانون الدولي انتقاصاً واضحاً للسيادة المصرية الوطنية على ما استعادته من أراضيها المحتلة. أما الجولان والضفة الغربية وغزة فما زالت ترزح في قيود الاحتلال الاسرائيلي المباشر، تحت نظر وسمع (بل ودعم) المجتمع الدولي، تحدياً لكل قراراته ذات العلاقة.

فإذا عدنا الى المسألة النووية، وهي غرضنا المباشر في هذا المقال، فإننا نكتفي بالتذكير بالجهود والضغوط التي بذلتها دول الغرب، منفردة ومجتمعة، لعدم تمكين أي بلد عربي مجاور لإسرائيل من الاقتراب من أي درجة من درجات امتلاك الخبرة النووية، حتى لو في المجال السلمي. وكلنا يذكر الحرية المطلقة التي تمتعت بها اسرائيل لضرب المفاعل النووي العراقي، وهو الامر الذي قوبل بتصفيق المجتمع الدولي، بدل عقابه. ولنا طبعاً أن نتصور تصرف مجلس الامن (وخاصة دوله الدائمة العضوية) لو قامت دولة أخرى، غير اسرائيل، بهذا التصرف، ولو كانت الادوار مقلوبة، أي لو قامت مصر (أو العراق) بضرب المفاعل النووي الاسرائيلي في ديمونا.

إن هذا المنطق عينه، هو الذي يحكم ازدواجية المعايير الدولية (والاميركية خاصة) إزاء المسألة النووية في ايران، والمسألة النووية في اسرائيل. علما بأن اسرائيل في مرحلة الامتلاك الكامل للسلاح النووي (إضافة الى عقيدة توسعية أسطورية مخيفة)، فيما ايران ما تزال في طور التجارب العلمية النووية الاولية.

ولو كان منطق القانون الدولي هو الذي يحكم، وشرعة الأمم المتحدة، لحق لنا أن نعتبر الاقتراح المصري الذي يطرح اعتبار منطقة الشرق الاوسط كلها منزوعة السلاح، بما في ذلك اسرائيل وايران، اقتراحاً عاقلاً وقانونياً وأخلاقياً من الطراز الاول، غير أن معايير من نوع آخر هي السائدة في المجتمع الدولي، خاصة منذ تأسيس دولة اسرائيل، التي لم يكن المجتمع الدولي مسؤولا فقط عن إيجادها كدولة، بل إيجادها كدولة متفردة في طبيعتها، بحيث يجوز لها ما لا يجوز لغيرها.

إنه الامر الواقع الذي يفرض نفسه حتى الآن، لأن الدولة المتضررة منه، لا تنشط حتى الآن، لابتداع وفرض صيغة مشتركة تجعل من وزنها مجتمعة، في الميزان الدولي، موازياً لوزن اسرائيل.

"السفير"

التعليقات