31/10/2010 - 11:02

إني أتهم../ سليم الحص*

إني أتهم../ سليم الحص*

إني أتّهم، لا لمجرد الإدانة بل حضاً للمتهمين على دحض اتهامي بإظهار عدم صحته، وذلك خدمة لهذا الشعب وهذا الوطن. إني أتهم الطبقة السياسية بزرع الألغام في طريق العهد الرئاسي الجديد، وأتهم الدولة العظمى، أمريكا، برعاية المكيدة، وأتهم أهل القرار بمحاولة نسف مشروع قانون الانتخابات النيابية.

السنة الأولى من عهد رئاسي جديد تكون عادة هي سنة الزخم في الإنتاج والعطاء، فهي التي تحدد هوية العهد برمته. انتخاب العماد ميشال سليمان كان إيذاناً بفاتحة عهد جديد يبشّر بالخير العميم، نظراً لما تنضح به شخصية الرئيس المنتخب من صفاء وطيبة واستقامة وصدق ووطنية. إطلالته كانت إطلالة إصلاح وتغيير بعد ثلاث سنوات من الأزمة المستحكمة رثت فيها الأوضاع العامة في كل مجال وعلى كل صعيد. فإذا بهذه الصورة المشرقة تواجه انتكاسة بتسمية رئيس أول حكومة في العهد الجديد، وهو، مع احترامي له شخصياً، وجه تلازم وجوده مع استحكام الأزمة. فمسح اختياره عن صورة العهد المشرقة تباشير الوعد بالإصلاح والتغيير، ثم أخذ ما تبقى من هذا الوعد بالتآكل مع تعثر تأليف الحكومة على خلافات تافهة تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية.

هكذا قتلوا إشراقة العهد الرئاسي الواعد مرتين: مرة من حيث إن وجه الرئيس المكلف تأليف الحكومة لا يمنّي بالإصلاح والتغيير، ومرة ثانية بالمماطلة المتمادية في تأليف الحكومة. والدولة العظمى ليست بريئة كلياً مما حصل. فالرئيس السنيورة كان مطلب الإدارة الأمريكية بلا منازع، وقد ألفت آذاننا ترداد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش دعمه الشخصي له، ثم جاءت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس إلى بيروت لتصرح أن ما كانت الإدارة الأمريكية تطالب به في لبنان تحقق بانتخاب رئيس للجمهورية ثم بتسمية الرئيس السنيورة رئيساً لأول حكومة.

ثمة شبهة أخذت تتركز على احتمال أن يكون لفريق من ساسة لبنان مآرب في عدم تأليف حكومة وحدة وطنية أي في التخلي عن بند أساسي في اتفاق الدوحة. والواعز المفترض مرتبط بنظرة الإدارة الأمريكية إلى حزب الله الذي تعتبره، تماماً كما تعتبره حليفتها “إسرائيل”، حركة إرهابية. ويهم إدارة الدولة العظمى تالياً ألا ينضم حزب الله إلى الحكومة العتيدة، ظناً منها أن مشاركته سوف تسبغ عليه شرعية دولية هي تنكرها عليه. إلا أن استبعاده من شأنه أن ينزع عن الحكومة صفة الائتلاف أو الوحدة الوطنية. وهذا يعني أن استبعاده لن يكون إلا بالتخلي عن إقامة حكومة وحدة وطنية. والسبيل إلى ذلك عملياً قد يكون في تعقيد عملية التأليف والمماطلة في تشكيلها حتى اليأس من إمكانية تأليفها. عند ذاك يطرح احتمال بديل هو إقامة حكومة انتقالية من المحايدين لتصريف أعمال الدولة خلال الأشهر القليلة المتبقية من ولاية مجلس النواب القائم. هكذا تقصى الجهات السياسية كافة عن الحكومة العتيدة ومعها حزب الله.

وقد يكون للقابضين على القرار مأرب آخر هو الحؤول دون صدور قانون انتخاب جديد. فلقد تلاقى ساسة لبنان من فريقي الموالاة والمعارضة في الدوحة على اعتماد القضاء دائرة انتخابية. هذا مع العلم أن هذا التوجه يتعارض مع اتفاق الطائف الذي نص على المحافظة دائرة انتخابية. ثم إن القضاء لا يصلح دائرة انتخابية إذا شئنا، كما قضى اتفاق الطائف، مباشرة عملية تجاوز الحالة الطائفية على مراحل. فاعتماد القضاء كان على هذا المستوى قفزة إلى الخلف، تعيدنا إلى قانون العام 1960 أي خمسين سنة إلى الوراء. كأنما قدرنا التقدم إلى الخلف. أما وقد تمّ التوافق على القضاء في الدوحة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إلا أن مبادرة لافتة سرعان ما برزت لتعويض هذه الانتكاسة ولو بعض الشيء بالدعوة إلى تضمين قانون الانتخاب الإصلاحات التي نص عليها اقتراح القانون الذي وضعته الهيئة الخاصة التي كانت الحكومة أنشأتها برئاسة الأستاذ فؤاد بطرس لوضع نص لنظام انتخابي جديد.

استبشرنا خيراً. فبين الإصلاحات المقترحة ما يمني بتحسين جذري في أداء العملية الانتخابية، من ذلك إنشاء هيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية بدلاً من ترك الأمر لحكومة قد تضم مرشحين بين أعضائها، أو لوزير الداخلية الذي قد لا يكون منزهاً من المآرب الخاصة. ومن ذلك أيضاً تحديد سقف للإنفاق الانتخابي كي لا يبقى المال السياسي متحكماً في نتائج الانتخابات كما كان دوماً في الماضي. ومن ذلك تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين تحقيقاً لتكافؤ الفرص بين المرشحين في بلد تتحكم حفنة من الأثرياء فيه بمعظم وسائل الإعلام والإعلان. ومن ذلك أيضاً خفض سن الاقتراع من 21 سنة إلى 18 سنة من أجل إتاحة الفرصة أمام الشباب للقيام بدور أكبر في إخراج التمثيل النيابي.

إني أتهم ساسة لبنان، وهم القابضون على القرار السياسي بطبيعة الحال، بأنهم غير راغبين في تبني هذه الإصلاحات لكونها لا تصب في مصلحتهم. ففي حال تطبيقها فإنها يمكن أن تطيح بقطاع لا يستهان به من ساسة لبنان الحاليين.

إني أتهم ساسة لبنان بأن وراء مماطلتهم المتمادية في تأليف الحكومة الوصول إلى مرحلة يستطاع القول فيها إن الوقت لم يعد مناسباً أو كافياً لاستصدار قانون جديد للانتخابات النيابية وبالتالي لا مناص من الإبقاء على النظام الساري المفعول حالياً، أي قانون العام 2000. وكثير من ساسة لبنان يجدون مصلحتهم في الإبقاء على القانون الذي جاء بهم نواباً في آخر انتخابات عقدت عام 2005.

هكذا إنني أتهم الطبقة السياسية في لبنان باغتيال عهد الرئيس العماد ميشال سليمان بإجهاض سنته الأولى، وأتهمها بالعمل على نسف أية محاولة لاستصدار قانون جديد للانتخابات النيابية يكون من شأنه تجديد الحياة السياسية.

وأختتم كما بدأت بالقول: إنني لا أوجه الاتهام ههنا لمجرد الإدانة، بل اقصد حض أهل السياسة على دحض ما أدعي وإثبات العكس، أولاً بتسريع خطى التأليف للحكومة، وثانياً بتأكيد تصميم أهل القرار على استصدار نظام جديد للانتخاب يتضمن الإصلاحات المنشودة وقد أضحت معروفة ومحددة. بعبارة أخرى أتمنى، لا بل سأكون سعيداً، لو يظهر سريعاً أنني خاطئ كلياً في اتهاماتي فيكون البلد على عتبة الخلاص من أزمة محنة طال استعصاؤها وباتت تنعكس صدامات أليمة دامية متنقلة بين المناطق على خلفية عصبيات وانفعالات فئوية متفجرة باتت تقض مضاجع اللبنانيين الشرفاء من كل الفئات.
"الخليج"

التعليقات