31/10/2010 - 11:02

إيران "الشيعية" و"الأنظمة السنية جدا"../ ناصر السهلي*

إيران
مدهش، حتى لغير العرب، هذا المشهد الرسمي العربي العاجز عن الإجابة على أسئلة واقعه المتجه نحو الاعتراف الصريح بأنه منهزم لا شك في التوافق على إستراتيجية جماعية، أو على الأقل الاعتراف بهذا الفشل الواضح، أقله على الصعيد الرسمي الموغل في نظرته القطرية المتفائلة وهما، في ظل سياسات عالمية تتجه نحو المزيد من التكتل للحفاظ على المصالح والبقاء المستقبلي المشترك.

إذا كنا في هذا العالم العربي شهدنا ولسنوات طويلة الخطابين السياسي والإعلامي يركز على مركزية القضية الفلسطينية، فقد أثبت هذا المشهد مدى زيفه حين اتضحت صورة هذه القضية في المعنى الحقيقي لغياب أية سياسة تطبيقية للشعارات والنظريات و"القرارات" التي يتخذها العرب في الجامعة العربية.

ما من شك بأننا لا نضيف الكثير إذا قلنا بأن عدد الدول العربية التي ترى في القضية الفلسطينية مسألة هامة ومركزية في البعد القومي العربي يكاد أن يصل إلى نصف عدد أصابع الكف الواحد.. هذا ما يُعاكس تجذر الوعي العالمي بأهمية هذه القضية (على الأقل عند الأحزاب والقوى وبعض الحكومات غير العربية في قارات مختلفة)..

ما يدفعني للحديث عن هذا المشهد العربي هو توسعه وامتداده أفقيا وعموديا من خلال شواهد كثيرة وجريئة حد الوقاحة في التعاطي مع القضية الفلسطينية كمسألة وجب التخلص منها بعد افتضاح وهم مركزيتها وكذبة العمل الجماعي للوقوف إلى جانبها.

إن حفلات الردح التي ينضم فيها "المثقف" و"الإعلامي" وصحافتهما الصفراء إلى دهاليز قصور الحاكم العربي في تعامله مع هذه القضية من منظار تحالفاته الدولية تذكرنا بحقيقة جلية عن خديعة كبرى في التماهي والتمني بانتهاء هذه القضية كيفما شاء!

تتكرر هذه اللعبة السمجة كل عقد من هذا الزمن الرسمي العربي مع قضية ساهموا هم بأنفسهم في تعميق مأساتها، وقد لا نحتاج للكثير من الأدلة سوى الربط بين ما سبق من حملة التشويه الرسمية للنضال الفلسطيني نحو الوصول إلى "تسوية"، و شعارات تتهم القضية الفلسطينية بأنها سبب عدم إقدام بعض هذا النظام العربي على خطوات التقدم والديمقراطية في بلاده.. وها نحن اليوم نعيش بداية عقد آخر من فتح النار على الفلسطينيين قولا وعملا.. ولم يعد هناك استثناء في تزييف الواقع وتفاصيله عند عتبات "الاعتدال"..

فإيران هي الشيفرة.. نحوها تتجه أنظار "أزلام" النظم الرسمية المعتدلة جدا.. صارت إيران هي القضية المركزية وهي المحتلة لفلسطين والمهددة لقدس العرب والمسلمين وهي المهددة للأمن "القومي" العربي..
إيران "الشيعية" تهدد الأنظمة والشعوب "السنية" (لاحظ: الأنظمة "السنية جدا" التي تلعب بنار المذهبية حفاظا على العروش والمصالح).. وبالتالي تتحول معركة كبريات الدول العربية إلى تكرار اسطوانة غربية مشروخة عن منع "التهديد النووي الإيراني"..

شخصيا لا شك عندي بأن إيران تبحث عن مصالحها في هذه المنطقة كما لتركيا بحثها الدائم عن تعزيز هذه المصالح وتحقيق طموحاتها.. لكن في العقل الرسمي المعتدل لا أحد يطرح أسئلته بعمق عما يفعله و فعله العرب لتعزيز وتوكيد وجودهم ومصالحهم.. مثل تلك الأسئلة ستعري الواقع العربي وتكشف حقيقته المغيبة وتفضح خيبته وزيف إدعاءاته.. لا يتساوى الخطاب الداعي لعدم خلق عداوات مع المحيط وهذا التخندق في الصف الأميركي ضد إيران.. وإذا كانت بوصلة الفلسطينيين هذه الأيام قد فقدت اتجاهاتها فلا ينبغي أن يفقد العرب عقولهم وقراراتهم والاصطفاف لقراءة اتجاهات البوصلة الأميركية ليصير هوغو شافيز وتحالفاته اللاتينية أيضا عدوا للعرب..

يجند بعض النظام الرسمي العربي كل طاقاته وأدواته في "الحرب على الإرهاب"، وإلى جانبه تتجند أقلام وأصوات النخب العربية والفلسطينية في الحملات القالبة للحقائق على رأسها لتصير غزة المصدر الأول للتهديد القومي لأكبر بلد عربي بل وهي منطلق تهريب الحشيش والسلاح .. والجديد- القديم " بؤرة إيرانية".. و"القاعدة"!

**********
ماذا لو سألنا عن عنتريات البعض ممن يطالبون في حفلات الردح بـ"رد عسكري" على قطاع غزة بعد مقتل الجندي أحمد شعبان في رفح ( 150 نائبا!) فيما يتعلق بعشرات الحالات من المصريين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد، ومنهم من هم أطفال وضباط وجنود، في ذات الجغرافيا وأثناء حفلات الدم ضد غزة أيضا؟

**********

وبينما يجد قادة الحرب الإسرائيليين أنفسهم عرضة للملاحقة القانونية في أكثر من بلد غربي، نجدهم في هذا الزمن العربي " المعتدل" حتى الميوعة يصولون ويجولون المدن العربية وتقام لتسيبي ليفني الحفلات.. وبينما يستمر ليبرمان في تهديداته وعنجهيته وعوفاديا يوسيف في تحريضه العلني ضد العرب وتهويد القدس الذي لم توقفه شعارات "إن القدس خط أحمر"، يستمر الخطاب الرسمي العربي في التأكيد على "مبادرة السلام" ( منذ قمة بيروت 2002، وتحول المفاوضات عند البعض الفلسطيني إلى نمط حياة) وتوسيع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل.. والخطوات الأخرى القادمة " لتشجيعهم" على السلام.. يستمر أيضا مشهد الردح ورفع سقف الاتهامات والتهديدات البينية العربية والتشدد في متابعة آخر اتجاهات بوصلة البنتاغون والبيت الأبيض..

هكذا يستمر المشهد العربي في بحثه الدائم عن تحالفات لا تخرجه من أزمته بل تعمقها وتزيد من تراكماتها وتخلق ذاك النوع من التشوهات التي لا يمكن التخلص منها بالمزيد من الترقيع وشدة الخطاب الناري الفاقد لمصداقيته في غياب العمل المتكئ على وضوح الأهداف.

التعليقات