31/10/2010 - 11:02

اختبار الأسابيع العشرة../ محمد السعيد إدريس

اختبار الأسابيع العشرة../ محمد السعيد إدريس

انقسم الفلسطينيون وتقاتلوا في ما بينهم حول “اتفاق التهدئة” الذي وقعته حركة “حماس” بوساطة مصرية مع “الإسرائيليين”، وبدأ سريانه يوم 19 يونيو/حزيران الماضي. مآخذ السلطة الفلسطينية، ومن أيدها في موقفها الرافض لهذا الاتفاق، تركزت حول مسألتين؛ أولاهما أنه اتفاق من طرف واحد، ومن ثم فإنه لا يلزم الأطراف الأخرى (أي أن هذه الأطراف الأخرى لها الحق في نقض الاتفاق وخوض المواجهة مع قوات الاحتلال، وهي التي كانت قد توقفت عنها منذ فترة طويلة). وثانيتهما أن الاتفاق تجاوز الضفة الغربية ووضعها رهينة لعدوان قوات الاحتلال. إذا أضفنا إلى هذين السببين ذلك الاستهزاء المتعمد من قادة السلطة من حركة “حماس” لتوقيعها اتفاق تهدئة وهي حركة مقاومة، فإن المعنى المباشر الذي يمكن استنتاجه، نظرياً، هو أن السلطة باتت حزينة على التزام حركة “حماس” التهدئة مع العدو، وأنها عازمة على أن تمارس هي المقاومة، وأن ما يمنعها فقط هو تلك “التهدئة اللعينة”.

ولحسن حظ السلطة الفلسطينية فإن حكومة الاحتلال لم تلتزم بشروط التهدئة، ولم تفِ بالوعود التي سبق أن قبلتها، ومنها فتح المعابر وإطلاق الأسرى، وأن الفصائل الفلسطينية سبق أن اتفقت على منح التهدئة فترة اختبارية مدتها عشرة أسابيع، لم يبق منها غير أسبوعين تقريباً، الأمر الذي يعني أن أبواب المقاومة ستكون مشرعة أمام السلطة وقواتها لمواجهة الاحتلال في قطاع غزة الذي دفع ثمناً غالياً جراء محاولة حركة “حماس” الالتزام بشروط تهدئة لم يلتزم بها “الإسرائيليون”، فهل ستبادر السلطة باستئناف المقاومة من قطاع غزة؟

السؤال مهم في ضوء توقف السلطة عن المقاومة من الضفة التي هي باعترافها، خارج نطاق التهدئة، وكانت كل الفرص، بل وكل الظروف والمحفزات موجودة، أمام السلطة كي تستأنف العمل المقاوم في ظل احتلال وتوسع واستيطان وتهويد لأراضي القدس والضفة مستمر بلا توقف، بل إلى تصاعد.

ومنذ أيام قليلة وجهت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي انتقادات لاذعة لقيام السلطات “الإسرائيلية” ببناء وحدات استيطانية جديدة، منها 400 وحدة سكنية في جبل أبو غنيم، حيث أقامت حياً استيطانياً في القدس الشرقية المحتلة، وطرحت، إضافة إلى ذلك، عطاءات لبناء 416 وحدة سكنية في مستوطنتين أخريين.

لم تقم السلطة بأي عمل من شأنه إحباط هذا المخطط، لكنها واصلت اللقاءات مع قادة الكيان، وآخرها لقاء رئيس السلطة محمود عباس (أبومازن) مع رئيس الحكومة “الإسرائيلية” ايهود أولمرت في منزل الأخير، رغم إدراكه أن أولمرت على رحيل، وأن أفق التفاوض قد أغلق بتنصل الأمريكيين من كل وعودهم في “أنابولس”، وبالذات ما يتعلق بمشروع إقامة دولة فلسطينية قبل نهاية العام. كما واصلت المواجهة مع حركة “حماس” ومنتسبي هذه الحركة في الضفة.

لقد ذهب سلام فياض رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية إلى صنعاء للتباحث مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في اقتراح قيام “حكومة توافق وطني” من خارج الفصائل لتدير شؤون الأراضي الفلسطينية لفترة انتقالية تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، بما يعني أن هذه الانتخابات لها الأولوية الآن لدى السلطة، أما حركة “حماس” فهي حريصة، بل هي تسابق الزمن، لوقف التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس كرئيس ابتداء من 9 يناير/كانون الثاني موعد انتهاء ولايته، في حين أن دوائر التشريع وتفسير القوانين المقربة من السلطة ترد بأن ولاية أبو مازن تنتهي مع ولاية المجلس التشريعي في 25 يناير/كانون الثاني ،2010 بما يعني أن الطرفين يتصارعان حول السلطة، وأن السلطة، وليست المقاومة، هي التي تحظى بالأولوية الآن، وأن الأسابيع العشرة سوف تنتهي ولن تجد من يرد على “إسرائيل” ويسقط الهدنة ليس بإطلاق عدد من الصواريخ، ولكن ببرنامج وطني للمقاومة يعبر عن مشروع سياسي للتحرير وليس لممارسة السلطة بأسوأ أشكالها على الشعب الفلسطيني، الذي أضحى رهين محبسين، محبس الاحتلال ومحبس صراعات سلطوية كريهة.
"الخليج"

التعليقات