31/10/2010 - 11:02

استحقاقات العام 2008 كيف نواجهها ونسددها؟../ د.عصام نعمان*

استحقاقات العام 2008 كيف نواجهها ونسددها؟../ د.عصام نعمان*
أمام العرب في العام 2008 استحقاقات عدّة يقتضي احتسابها ووفاؤها. كيف ترانا نواجه مفاعيلها ونسدد موجباتها؟

إنها، في الواقع، استحقاقات قديمة مؤجلة التنفيذ. لكن “الفوائد” والأعباء المترتبة عنها عالية وباهظة ولا مصلحة تالياً في استئخار وفائها. إلى ذلك، فإنها ذات طابع قومي وقطري في آن، تواجهنا مجتمعين كأمة ومنفردين كأقطار بمقادير متفاوتة من الإلحاح والفاعلية، ولا سبيل إلى التهرب منها.

لعل أول الاستحقاقات والتحديات الاحتلالُ الصهيوني الاستيطاني الاقتلاعي لفلسطين وتداعياته الخطيرة المتناسلة على أقطار الجوار وبالتالي على الأمة جمعاء. إنه احتلال سرطاني لا يكفّ عن التمدد والتجذّر والفتك بخلايا الاجتماع العربي. وهو، إلى ذلك، ظاهرة دولية كونه امتداداً للنظام الرأسمالي العالمي، الأوروبي والأمريكي، ويتوفّر له دعم غير محدود، سياسي واقتصادي وعسكري، من الولايات المتحدة خاصةً ودول أوروبا عامة.

هذا الاستحقاق، بل هذا التحدي الاستراتيجي الخطير، وضع شعب فلسطين والعرب أجمعين، بعد مؤتمر انابولس، أمام مفترق مفاوضاتٍ يُراد لها ان تعالج قضايا الوضع النهائي. غير ان “إسرائيل” تباشر المفاوضات مع حرصٍ نافر على التمادي في استيطان مناطق في القدس وعمق الضفة الغربية. وكانت الولايات المتحدة تعهدت في مؤتمر انابولس برعاية المفاوضات بين الطرفين وإزالة العوائق من طريقها من دون أن تُبادر إلى ردع “إسرائيل” عن توسعها الاستيطاني. فما موقف السلطة الفلسطينية وسائر الدول العربية التي وفّرت بحضورها مؤتمر انابولس غطاء لسياسة إدارة بوش الممالئة لمخطط “إسرائيل” التوسعي؟

إن تمادي الكيان الصهيوني في تنفيذ مخططه الاستيطاني التوسعي المدعوم من الولايات المتحدة يملي على الفلسطينيين، مسؤولين ومواطنين وسياسيين ومقاومين، الواجبات الآتية:

(أ) العمل بقوة ومثابرة على استعادة الوحدة الوطنية بعدما تصدّعت بقيام حكومتين في رام الله وغزة.

(ب) القيام بجهد محلي وعربي ودولي لوقف الاستيطان بكل الوسائل المتاحة.

(ج) تفعيل المقاومة ضد الاحتلال على مستوى فلسطين التاريخية كلها.

(د) وضع خطة متكاملة لتأمين معيشة الشعب الفلسطيني وحاجاته الضرورية خلال مراحل تصعيد المقاومة.

ثاني الاستحقاقات والتحديات الاحتلال الأمريكي للعراق وتداعياته المحلية والإقليمية. فقد بات واضحاً ان الولايات المتحدة تسعى الى إقامة وضع تقسيمي في العراق يمكّنها من سحب معظم قواتها منه مع الاحتفاظ بقواعد عسكرية في إطار معاهدة تعقدها مع الفئة الحاكمة الموالية لها. كل ذلك من اجل الهيمنة على احتياط النفط العراقي الذي يقدره بعض الخبراء بأنه الأكبر في العالم. إزاء هذه التحديات يقتضي تصعيد المواجهة ضد الاحتلال من خلال:

(أ) إقامة جبهة وطنية سياسية وعملانية لتفعيل المقاومة على مستوى العراق بأسره.

(ب) تعطيل ما يسمى العملية السياسية والتركيز على إنهاء الاحتلال بالسرعة الممكنة.

(ج) وضع خطة متكاملة لمعالجة مشكلة التهجير والهجرة محلياً وقطرياً وقومياً.

(د) الحؤول بكل الوسائل المتاحة دون إقرار مشروع قانون النفط الذي أعدته سلطات الاحتلال وتحاول تسويقه في إطار العملية السياسية.

ثالث الاستحقاقات والتحديات تدخلُ الولايات المتحدة السافر لبناء نظام سياسي في لبنان يدور في فلكها ويمالئ “إسرائيل” ويسعى إلى تجريد المقاومة من سلاحها. هذا المخطط يتطلب، على ما يبدو، إقصاء قوى المعارضة على المشاركة في الحكومة الجديدة والمحافظة على حكومة فؤاد السنيورة تجنباً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قد يعرقل المخطط المرسوم. ذلك كله يلقي على عاتق القوى الوطنية الحية مهمة تفعيل المقاومة السياسية والمدنية ضد المخطط الأمريكي بالتدابير والإصلاحات الآتية:

(أ) بناء جبهة وطنية عريضة من خلال مؤتمر وطني يكون له برنامج للإصلاح الديمقراطي وقيادة مركزية.

(ب) ترميم الوحدة الوطنية للحؤول دون دفع القوى المتصارعة الى فتنة مذهبية أو حرب أهلية.

(ج) الحرص على انتخاب شخصية وطنية مستقلة لرئاسة الجمهورية وذلك في إطار اتفاق سياسي وسلّة متكاملة من التدابير والمطالب الإصلاحية، لاسيما لجهة تأليف حكومة وطنية جامعة وفق نسبة القوى في مجلس النواب.

(د) الإصرار على وضع وإقرار قانون ديمقراطي للانتخابات يقوم على أساس التمثيل النسبي بهدف ضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته.

رابع الاستحقاقات والتحديات الصراعُ الأمريكي الإيراني الذي يهدد المنطقة بأسرها. ذلك ان الولايات المتحدة يضيرها تحوّل إيران قوةً إقليمية مركزية تهدد مصالحها ونفوذها ما يدفعها إلى محاولة تحجيمها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. على الصعيد السياسي، تحاول واشنطن إيهام الدول العربية والإسلامية بأن إيران عدو يستهدفها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتسعى تالياً الى إقناعها بالاصطفاف في جبهة عريضة لمواجهتها. إن اخطر ما في هذا المسعى الأمريكي محاولتُه اعتبار “الخطر” الإيراني أولوية تتقدم على الخطر الصهيوني. من هنا تنبع أهمية تجنب العرب عموماً وبلدان الخليج خصوصاً الانزلاق إلى معاداة إيران والدخول في صراع مُكلف وغير مجدٍ معها في الوقت الذي يبقى الصراع مع “إسرائيل” ناشطاً ومحتدماً.

على الصعيد العسكري، تبدو واشنطن متجهة الى عدم التورط في حربٍ مع إيران بعدما كشَف تقرير وكالات الاستخبارات الأمريكية ال16 تخلي طهران عن برنامجها للتسلح النووي منذ العام 2003. ومع ذلك يقتضي ألاّ تكتفي دول الخليج بعدم التورط إلى جانب الولايات المتحدة في أي حرب مع إيران بل يقتضي الضغط على واشنطن للإقلاع نهائياً عن خيار الحرب. ذلك أن حرب أمريكا على إيران ستصيب دول الخليج بأضرار فادحة حتى لو لم تشترك فيها. وعليه، يقتضي ان تعالج الدول العربية مشاكلها مع إيران بالحوار والمفاوضات وتنأى بنفسها عن مخططات أمريكا العدائية التي تستهدف، في واقع الأمر، الدول الإسلامية كلها.

خامس الاستحقاقات والتحديات منظماتُ العنف الأعمى التي تضرب أنّى كان وفي كل آن. صحيح ان العنف الأعمى خطر يواجه الدول العربية والإسلامية بأسرها، إلاّ أن محاولة أمريكا ربطه بالإسلام تُشكّل سياسةً مريبة ومعادية للإسلام والمسلمين. كذلك محاولة واشنطن إعتبار كل مقاومة للاحتلال “الإسرائيلي” في فلسطين والاحتلال الأمريكي في العراق بل كل احتلال في أيّ منطقة من العالم إرهاب يقوم به إرهابيون. فالإسلام يدين الإرهاب والإرهابيين، والمسلمون الذي يقاومون الاحتلال، أيّ احتلال، إنما هم مجاهدون يمارسون الجهاد الذي هو احد أركان الإسلام. لذلك يقتضي أن توحّد الدول العربية مواقفها على هذا الصعيد وتعلن، جهاراً نهاراً، أنها ضد العنف الأعمى الذي يضرب عشوائياً ويصيب الأبرياء، وأنها في المقابل لا تعتبر الجهاد ضد الاحتلال والمحتلين من كل جنس وعرق ودين إرهاباً ولا المجاهدين إرهابيين بل هم مجاهدون في حمى الإسلام وقيمه الإنسانية، وفي حمى ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر مقاومة الاحتلال عملاً شرعياً ومشروعاً بكل المعايير.

إن الاستحقاقات المار ذكرها هي تحديات ماثلة تواجه العرب مجتمعين ومنفردين الأمر الذي يستوجب نهوض الدول العربية الى مجابهتها بسياسات ومناهج مدروسة ومتكاملة ومنسقة. ولعل مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في دمشق ربيعَ العام المقبل هو المكان المناسب لمناقشة ما يكون أهل الاختصاص قد أعدوا له من تقارير وتدابير، ولإقرار ما تيسّر منها، وللتنسيق في ما بينهم في هذا المجال. كل ذلك من اجل مواجهة الاستحقاقات الماثلة من جهة، ومن جهة أخرى من اجل التصرف حيال القوى الدولية والإقليمية المتصارعة كتكتّل عربي متميز ومستقل وحريص على حماية مصالحه القومية العليا.

وحده موقف كهذا يحول دون استضعاف العرب والتعامل معهم كملعب وأداة في لعبة الأمم.
"الخليج"

التعليقات