31/10/2010 - 11:02

اسرائيل كانت هناك وجنوب افريقيا لا زالت هنا/محمد ميعاري

اسرائيل كانت هناك وجنوب افريقيا لا زالت هنا/محمد ميعاري
لقد كان الوضع مختلفًا بالنسبة للنظام العنصري في جنوب افريقيا حين اضطّر العديد من دول العالم وشعوبه ولو متأخرًا للجهر بمعاداته والصاق صفة العار واللاانسانية به، واتخاذ الاجراءات الفاعلة ضده من فرض الحصار عليه الى مقاطعته في كل مناسبة ومحفل، والتي ادت مع الموقف النضالي المثابر للشعب الاصلاني صاحب البلاد والارض من السود والملونين تحت قيادة الزعيم الفذ مانديلا وحزبه الى انهياره واقامة نظام بديل له تنتفي عنه صفة العنصرية، واذ كانت آثاره وتراكماته الفاسدة والمفسدة لا زالت تنيخ بكلكلها على الارض والشعب والتي ستمتد الى امد طويل.

ولنتذكر جميعًا ان اسرائيل كانت هناك مع ذلك النظام الاسود بحكوماتها المتعاقبة ومؤسساتها الرسمية، المدنية منها والعسكرية تدعم هذا النظام وتمده بكل العون بما فيه العون العسكري وفي المجال الذري والنووي الى حد تمكينه من اقتناء القنبلة الذرية لحمايته وارهاب الشعوب والدول من حوله، دون رادع من خلق او وازع من ضمير، تعطيه ما عندها وتأخذ منه ما عنده وعلى جميع الاصعدة، حقًا لقد انهار ذلك النظام ولم تعد اسرائيل هناك، ولكن هذا النظام لا زال هنا، في اسرائيل بمنطلقاته ومفاهيمه وممارساته معششًا في دوائر اتخاذ القرار وفي عقول ووجدان المسؤولين معبرًا عن ذاته، بالمعاملة العنصرية التي تنتهجها حكومات اسرائيل ومؤسساتها مع مواطنيها العرب، اصحاب الارض الاصليين وبالارهاب والعنف والقتل والاذلال والتجويع الذي تمارسه قوات الاحتلال مدنية وعسكرية ضد ابناء وبنات الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة، وضد دول وشعوب المنطقة بل ضد كل دول وشعوب العالم، وانكى ما في الامر ان ممارسة هذا النهج لا تتم من قبل الحكومة والمؤسسة الرسمية والعسكرية فقط، بل تمتد لتشمل قطاعات واسعة على المستوى الشعبي، حيث لا تنحصر بدائرة قطعان المستوطنين وفرق القتل والتدمير والعديد العدين من تيارات المتدينين وحاخاماتهم وبعض احزاب اليمين ورجال السياسة من مهوسي ارض اسرائيل الكبرى ودعاة الترانسفير بل تعدت كل ذلك لتصل الى جمهرة واسعة من المثقفين والكتاب ومحترفي الاعلام الموجه، وهواة كرة القدم الذين تحول هتاف «الموت للعرب» عندهم الى نشيد قومي والى الجماهير العريضة، وما الاصوات المتحفظة التي تسمع هنا وهناك بين الفينة والفينة، من منطلق الحرص على سمعة الدولة وصوتها في نظر الدول الغربية، ما هي الا اصوات شواذ لا تنفي القاعدة بل تؤكد على صدقيتها وثباتها.

واذا كان لهذا الصمت الرهيب ما يبرره من اسباب لدى البعيدين عنه ولدى الجبناء والمتساوقين معه، من اصحاب المصالح وذوي النوايا السيئة، ان كان ذلك بسبب العجز والخوار والمهانة او بسبب عقدة الذنب لارتكاب المحرقة او تخوفًا من التهمة الجاهزة التي تلصق جزافًا، كعدو للسامية ضد كل من يرفع صوتًا للاحتجاج والمعارضة او غيرها من الاسباب، الا ان كل ذلك لا يبرر عدم الاجتراء على قول الحقيقة وتوصيفها خصوصًا من قبل الضحية او من رجال فكر او مؤسسات من المجتمع المدني التي تتعامل مع قيم العدالة والشفافية وحقوق الانسان ولا تتوانى عن الاشارة الى مثل هذه القضايا اذا ما حدثت في مكان آخر من العالم غير اسرائيل.

ولكن اي جدار ومهما كان سميكًا او صلبًا لا بد له الا ان يبدأ بالتآكل وظهور الشقوق فيه، اما بفعل عوامل التعرية والتراكم والتفتيت الذاتي او بفعل فاعل، تؤهله ظروفه استنادًا الى مبررات قيمية واخلاقية وقانونية الى ان يعمل على كسر جدار الصمت هذا انطلاقًا من القول ان الساكت عن الجريمة انما يعد شريكًا فيها.

وهكذا، بدأ الغيث ينزل قطرة قطرة على أمل ان ينهمر ويتحول الى سيل جارف، وها نحن نرى أن طواحين العدالة واذا كانت تعمل ببطء قد بدأت تلاحق مرتكبي الجرائم من القادة العسكريين الاسرائيليين الذين تلطخت ايديهم واسلحتهم بالدم الفلسطيني وقتل الابرياء بالقاء قنابل من وزن الف كيلو غرام على رؤوس الاطفال ومنازل المدنيين ، بحيث ان العديد منهم رغم بزاتهم العسكرية وما عليها من نياشين لا يجرؤون على السفر خارج القلعة الحصينة التي اقاموا حولها جدارًا عازلاً خوفًا من ملاحقتهم والقاء القبض عليهم، وابقاع العقاب عليهم بزجهم في السجون جراء ما اقترفت ايديهم على ان تبقى لعنة العنصرية تلاحقهم الى يوم الدين.

وهذه طائفة من محاضري الجامعات تدعو علنًا لمقاطعة الجامعات الاسرائيلية العاملة في خدمة الاحتلال والتي تستخدم الحرم الجامعي لتبرير جرائمه المتتالية.

وقد قرأنا ان احدى المنظمات الكنسية اعلنت وقف تعاملها مع بعض الشركات التي تبعث من مصانعها آليات الهدم والتدمير الى اسرائيل. ولكن الخطورة الاكثر اهمية وتأثيرًا هو القرار الذي اتخذته منظمة المهندسين والمخططين من اجل العدالة في فلسطين ومقرها لندن بمقاطعة الشركات التي تعمل على اقامة الجدار العنصري على الارض الفلسطينية، ومقاطعة المهندسين والمخططين الاسرائيليين العاملين في خدمة هذه الشركات واقامة هذا الجدار، فهل تكون هذه الخطوات الاولية والجريئة مؤشرًا لملاحقة النظام العنصري الذي انتقل من جنوب افريقيا الى اسرائيل، نأمل ونرجو ذلك.

التعليقات