31/10/2010 - 11:02

اعتقال سعدات ورفاقه يجب ان يمهد لتعامل وثقافة جديدين/ الأسير راسم عبيدات

اعتقال سعدات ورفاقه يجب ان يمهد لتعامل وثقافة جديدين/ الأسير راسم عبيدات
بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الاخيرة، تعرضت لحملة واسعة من الضغوطات فلسطينية سلطوية-اسرائيلية-امريكية-اوروبية-عربية، تطالبها بالاعتراف والالتزام بالاتفاقيات السابقة، وضرورة الاعتراف باسرائيل من اجل التقدم بما يسمى بالمسيرة السلمية، والا واجه الشعب الفلسطيني العقوبات بكل اشكالها عقاباً له على خياراته وديمقراطيته.

وهذا المنطق والمنهج المقلوب يفترض ان الشعب الفلسطيني ومن ضمنه حماس، هو الذي يحتل ارض الغير، ويفرض عليه كل اشكال العقوبات، وليس العكس حيث ان اسرائيل هي دولة الاحتلال والمتنكرة لكل قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات المشمولة بالرعاية الدولية، وعلى الرغم من ان اسرائيل داست كل هذه الاتفاقيات واعلنت تخليها عنها محضونة برعاية وحماية امريكية ودولية، فان السلطة الفلسطينية وحزبها الرئيسي والتي كان رهانها على هذا النهج والمنطق المدمر، احدى النتائج المباشرة لخسارتها الثقيلة في الانتخابات التشريعية، وهي لم تلجأ لاستخلاص العبر والنتائج من ذلك، بحيث استمر التآكل والتراجع في حضورها، نفوذها وشعبيتها.

وحتى لا يستمر البعض في العيش في احلامه واوهامه من جدوى هذا النهج وهذه الرؤيا، فان كل المعطيات تشير الى ان هناك اجماعاً اسرائيلياً بين كل الوان الطيف السياسي الاسرائيلي من "ميرتس" وحتى "اسرائيل بيتنا" على التنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واقصى ما يطرحه او يقدمه اكثر الاحزاب الاسرائيلية يسارية، والذي يعتبر ذلك تنازلاً مؤلماً هو "مبادرة كلينتون" في "كامب ديفيد" وهذه السياسة الاسرائيلية ثابتة، وبغض النظر عن ما هو موجود في السلطة الفلسطينية "حماس" او "فتح" او غيرهما.

ولعل الجميع يذكر انه بعد استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي دفع حياته ثمنا للتشبث والتمسك بالحقوق الفلسطينية كيف جرى تصويره على انه "ارهابي"، وليس شريكاً فيما يسمى بالعملية السلمية، ومع مجيء الرئيس الحالي ابو مازن، تم تصوير الامور وكأن معاناة الشعب الفلسطيني ستنتهي وحقوقه ستعود اليه، ولكن كما يقول المأثور الشعبي "المية تكذب الغطاس"، فهناك ثوابت في السياسة الاسرائيلية، ومعالم هذه السياسة الاسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، رسمها الساسة والمفكرون والخبراء الاستراتيجيون الاسرائيليون في مطبخهم السياسي، مؤتمر "هرتسيليا"، وتتمحور هذه السياسة على فرض سياسة الامر الواقع على الشعب الفلسطيني، عبر استمرار اتهامه "بالارهاب"، وعدم رؤيته كشريك في اي عملية سلمية، وتطبيق سياسة الانسحاب من جانب واحد، كما حدث في قطاع غزة، وبالتالي رسم حدود اسرائيل النهائية من طرف واحد بدعم واسناد امريكي-بريطاني تحديدا.

وبغض النظر عن الطرف الفلسطيني الموجود في سدة القرار والسلطة، ابو مازن ضعيف وغير قادر على ضبط الامور، وحماس "ارهابية" اي الحجج والذرائع جاهزة للتحلل والتخلي عن اية التزامات او اتفاقيات دولية تهدف الى انهاء الصراع وفق قرارات الشرعية الدولية، فاتفاقيات شرم الشيخ الاخيرة والتي رعتها امريكا ومصر والاردن، والتي نصت على العودة الى حدود 28/9/2000، واطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين، لم يجف حبرها حتى تنكرت لها اسرائيل، وقامت بمفاوضة الجانب الفلسطيني على حاجز هنا واخر هناك، وكذلك التهدئة عندما كانت اسرائيل تشعر انها سترتب عليها التزامات، تبادر الى انهائها من خلال سياسة الاغتيالات والاعتداءات المتكررة...الخ.

كل هذه الخروقات الاسرائيلية، لم تفلح في اقناع الطرف السلطوي الفلسطيني بضرورة اعادة النظر في نهجه وسياسته التفاوضية، وهجر هذا النهج الضار، والعمل على اعادة ترتيب البيت الفلسطيني، واجراء اصلاحات شاملة تطال كل جوانب عمل السلطة، اجهزتها، هياكلها، مؤسساتها، وبما يقوي ويصلب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وبدلاً من ذلك وامعاناً في هذا النهج ومفاقمة له، فقد رافقه حالة واسعة من الفلتان الامني مسؤول عنها بالدرجة الاساسية، اجهزة السلطة الامنية وحزبها الرئيسي، كل ذلك، كان يؤشر ان الجماهير الفلسطينية، ملت هذا النهج المدمر غير المنتج والمجدي، والذي كان يستمر في طحن الماء، ليبيعه لجماهير شعبنا الفلسطيني على انه حليب، والنتيجة خسارة ثقيلة في الانتخابات التشريعية، مع استمرار التشبث بنفس النهج السياسي المدمر، مع محاولة دفع الكرة الى ملعب السلطة الفلسطينية الجديدة بقيادة "حماس"، وتصوير الامر وكأن الطرف الاخر مستوفي التزاماته.

ولعل الجميع يذكر انه في عام 1996م، عندما اقدمنا على تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني والاعتراف باسرائيل، ماذا كانت النتيجة؟ هدية مجانية بدون اي مقابل، وحتى تمعن اسرائيل في اذلال الطرف الفلسطيني وامتهان كرامته، قامت اسرائيل بعملية قرصنة وتدمير لاتفاق دولي يحدد شروط واجراءات اعتقال الامين العام للجبهة الشعبية، الرفيق احمد سعدات ورفاقه في سجن اريحا باشراف امريكي-بريطاني، حيث اقدمت اسرائيل على اقتحام سجن اريحا واعتقال الامين العام للجبهة الشعبية الرفيق احمد سعدات ورفاقه بتواطؤ امريكي- بريطاني، وحتى الان لم تتضح حقيقته الا من خلال لجنة تحقيق حول معرفة فلسطينية بنية بريطانيا وامريكا سحب مراقبيها، دون ان تتخد السلطة اية اجراءات تحوطية لحماية الامين العام ورفاقه، بل ان عملية القرصنة تلك وما رافقها من عرض مذل امام الفضائيات لرجال الامن الوطني الفلسطيني شبه عراة، لم يجبر او يشكل ضوءاً احمر لمؤسسة الرئاسة واجهزتها لاتخاذ اجراءات من شأنها ان تمهد لخلق ثقافة جديدة في التعامل مع هذه العنجهية والغطرسة الاسرائيليتين، والتي لم تبق للسلطة حتى ورقة توت تستر بها ما تبقى من عورتها المفضوحة اصلاً.

وانا لا افهم اذا كانت خطيئة اعتقال سعدات ورفاقه، قد اثارت سخط واستهجان كل جماهير شعبنا وقواه الثورية، فهل لهذه السلطة ان تستمر في التعاطي مع جريمة اقتحام اسرائيل لسجن اريحا واعتقال الامين العام للجبهة الشعبية ورفاقه بنفس العقلية والرتابة والمنطق؟ فبعد كل الذي حصل، وهذا الاستهتار والاذلال والتواطؤ الامريكي-البريطاني في تلك الجريمة، ما الذي يخشاه اصحاب هذا النهج ويحرصون عليه؟ ولماذا لم تتم المبادرة الى اعلان حل السلطة، ووضع القوى الاقليمية والدولية امام مسؤولياتها؟ فالذين كانوا وراء حصار ورحيل الرئيس الراحل ابو عمار، واختطفوا الامين العام للجبهة الشعبية ورفاقه وبتواطؤ امريكي-بريطاني، لا يوثق بهم ابداً، ولابد لهم مغادرة النهج السابق المدمر، والذي نرى ان هناك مخاطر في ان ينزلق اصحابه للتحالف بقصد او بدونه مع اعداء الشعب الفلسطيني ضد السلطة الجديدة، تحت يافطة ان السلطة الفلسطينية الجديدة لا تعترف باسرائيل والاتفاقيات السابقة، ووعود زائفة بتحرك سياسي جاد.

ونحن نرى انه بدلاً من هذه الرهانات والوعود البراقة التي خبرها شعبنا جيداً، ان الاوان لان تتشكل حكومة وحدة وطنية بعيداً عن المناكفات وشخصنة الامور، والالتفات لمصالح الشعب الفلسطيني من خلال استراتيجية عمل موحدة، وبرنامج سياسي موحد وخطاب سياسي موحد، وبأن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني، وانه لا اعتراف باسرائيل الا باعترافها واقرارها بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وليس الانزلاق والاستمرار في نفس النهج والرهان على اوهام لم تجلب لشعبنا الا مزيداً من الدمار والانقسام، وليكن اختطاف الامين العام للجبهة الشعبية ورفاقه واللواء الشوبكي، محطة جديدة تؤسس لثقافة ونهج جديدين في التعاطي والتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي، بعيداً عن التنازلات المجانية، والاتفاقيات المذلة والمهينة.

*سجن عسقلان


عن صحيفة "القدس"

التعليقات