31/10/2010 - 11:02

الأسرى الفلسطينيون وسياسة الباب الدوار../ راسم عبيدات

الأسرى الفلسطينيون وسياسة الباب الدوار../ راسم عبيدات
... لعل أدق وأحسن وصف ينطبق على ما يسمى ببوادر حسن النية الإسرائيلية، فيما يتعلق بالإفراجات عن الأسرى الفلسطينيين، هو ما وصفها به الأسير مروان البرغوثي، بأنها نكته وفعلاً هي نكته، حيث توقعنا من خلال التطبيل والتزمير لأنابوليس بأنه لن يبقى في المعتقلات والسجون الإسرائيلية أسير فلسطيني واحد..

كيف لا ؟ وهناك من أتحفنا بنظرية القيادة الخلاقة والمبدعة وإنجازات أوسلو، وإنجازات انابوليس ونظرية "المسامير الأربعة"، وربما صاحب النظرية نفسه، هو يعرف أكثر من غيره أن أوسلو من قبل أنابوليس، لم يجّر على الشعب الفلسطيني إلا المصائب والويلات، حيث عمق من حالة الانقسام والانشقاق في الساحة الفلسطينية، والتي لم تقتصر على الأحزاب والقوى السياسية، بل طالت المجتمع الفلسطيني بأكمله، وعززت من حالة الجهوية والعشائرية والقبلية والنهج الميليشياتي في صفوف الشعب الفلسطيني.

وزيادة على ذلك مأسسة الفساد من أعلى هرم ومستوى في السلطة حتى أصغر موظف فيها، ومسامير الانجازات الأربعة التي يتحدث عنها صاحبنا الهمام، هي فعلاً الخوازيق الأربعة، والتي لعل أخطرها هو خازوق إسقاط وشطب حق العودة، وتهجير ولجوء آخر لمن صمد ودافع عن أرضه ووجوده في مناطق عام 1948.

والقيادة المبدعة والخلاقة والتي دائماً، تتحدث عن الإنجازات الورقية، وبنفس شخوصها وأدواتها، هذه الشخوص والأدوات التي تجتر وتستدخل الهزائم على أنها انتصارات، فبدلاً من أن تستميت من أجل حضور مؤتمر أنابوليس، تحت يافطة وذريعة الممرات الإجبارية،هذا المؤتمر الذي ليس له أجندات ولا جدول أعمال ولا مرجعيات ولا آليات للتطبيق والتنفيذ، كان الأجدى بها أن تعمل على ترتيب وإعادة اللحمة والوحدة للبيت الداخلي الفلسطيني، وأن تتمترس حول مطلب صغير جداً، وهو الإصرار على الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين قبل مرحلة أوسلو، وممثلي الشعب المنتخبين والمختطفين والمعتقلين في السجون الإسرائيلية من قادة أحزاب وفصائل إلى وزراء وأعضاء برلمان، بدلاً من الاستماتة على عقد لقاءات للعلاقات العامة والصور التذكارية، ومن أجل مفاوضات"ماراثونية"عنوانها التفاوض من أجل التفاوض، لن تؤدي إلى إزالة بؤرة استيطانية واحدة، حيث أن القيادة الإسرائيلية المتباكية على السلام، والتي أكثر ما تخدع العرب والفلسطينيين بشعارات وأوهام التنازلات المؤلمة من أجل السلام، ما أن انتهت حفلة الخطابات والمصافحات في أنابوليس، حتى سارعت القيادة الإسرائيلية، للبحث في الطرق والآليات التي تشرع فيها البؤر الاستيطانية من خلال خصخصة الاستيطان، بحيث تقدم الحكومة الأموال اللازمة للاستيطان إلى المجالس المحلية، وتقوم هذه المجالس بتنفيذ المشاريع الاستيطانية، بل أن حكومة الاحتلال وجهت صفعة قوية لما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي، وبلغة ناصر قنديل مدير مركز دراسات الشرق دول "الاعتلال" العربي، عندما أعلنت عن استدراج عروض من أجل بناء وإقامة 307 وحدات سكنية في منطقة جبل أبو غنيم الواقعة في القسم الشرقي من مدينة القدس والمحتلة عام سبعة وستين..

وبالعودة لموضوعة الأسرى،فإن الشيء المخجل والمحزن هنا ،أن السلطة تتحدث عن لجنة إسرائيلية- فلسطينية لمعالجة ملف الأسرى، دور الطرف الفلسطيني فيها كشاهد الزور والمشرع للإجراءات والممارسات الإسرائيلية بحق هؤلاء الأسرى ، فأنا لا أفهم لجنة الطرف الإسرائيلي فيها المقرر في كل شيء ،يحدد أسماء الأسرى المنوي الإفراج عنهم ومدة محكوميتهم ومناطقهم الجغرافية وغيرها، فهذه لجنة ليس لها أية صلاحيات والعملية إسرائيلية من ألفها إلى يائها، فحل هذه اللجنة أفضل من بقائها، كما انه في عهد الحكومة الفلسطينية الرشيدة الحالية، وكما ذكر لي الأسرى حسام شاهين وأمجد أبو لطيفة وإبراهيم مشعل وهيثم عبيدات في رسائلهم، فإنه لأول مرة من عام 1967 يمنع الاحتلال دخول الحلويات للأسرى في العيد، وكذلك يقولون أن أوضاعهم المعيشية وصلت حداً لا يطاق ويحتمل، والأنكى والأدهى من ذلك أن أعداد الأسرى المفرج عنهم فيما يسمى ببوادر حسن النية الإسرائيلية، أقل أو في أحسن الأحوال مساوية للأعداد التي يجري اعتقالها من قبل الاحتلال وأجهزته الأمنية في نفس الفترة.

وأنا بدوري أسأل جهابذة وأصحاب النظريات الجديدة من الممرات الإجبارية إلى المسامير الأربعة وغيرها ،إذا كان أنابوليس لم ينجح في حل ملف ليس كل الأسرى الفلسطينيين، حتى لا أتهم بانعدام المعرفة بموضة المصطلحات الجديدة الواقعية والعقلانية، بل الأسرى القدامى والقادة والوزراء والنواب، والذين أتوا بانتخابات ديمقراطية شهد عليها ما يسمى بحماة ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان في أمريكيا وأوروبا، فهل سينجح أنابوليس في حل القضايا الكبرى والتي تشكل مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني من اللاجئين والقدس والحدود والاستيطان؟ أم أن المؤشرات والدلائل تشير إلى تحقيق ما طرحه القادة الصهاينة بدءاً من شامير ومروراً ببيرس ونتنياهو وانتهاءاً بباراك وأولمرت، مفاوضات من أجل المفاوضات، وأمن مقابل التطبيع، فالقادة الصهاينة بمجمل ألوان طيفهم السياسي، يقولون ما المانع من مفاوضات مع الفلسطينيين دون إعطائهم أي شيء، وفي كل جولة مفاوضات أو مؤتمر نعود بهم للمربع الأول.. ففي مؤتمر أنابوليس صاحب المسامير الأربعة، المنجزات المتحققة للشعب الفلسطيني، قال القادة الإسرائيليون علناَ وجهرأ، أنه غير ملزم لهم بفترات زمنية محددة.

واستمرار إدارات المعارك مع الاحتلال بهذه العقلية والذهنية، سيجعل الأسرى الفلسطينيين تحت رحمة واشتراطات وإملاءات وتقسيمات إسرائيل وأجهزتها الأمنية، أسرى فتح وأسرى حماس، أسرى سلطة وأسرى معارضة، أسرى ما يسمى بالأيدى الملطخة بالدماء، وأسرى أيديهم غير ملطخة بالدماء، أسرى القدس، أسرى ثمانية وأربعين.. وهكذا دواليك..

ومن هنا فإنه مطلوب من الطرف الفلسطيني المفاوض، أن يرفع بنطاله "الساحل" كثيراً كحال موضة شباب اليوم قليلاً، لأنه بدون هذا الرفع، فالتسحيل المجاني المتكرر والمتواصل، به لن يحرر الأسرى، وأنا أقصد هنا الأسرى المحكومين أحكاماً عالية، وقادة الأحزاب والفصائل والوزراء والنواب وأسرى الثمانية وأربعين والقدس، وسيتحول عدد كبير من الأسرى من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين، وستستمر إسرائيل في انتهاج سياسة الباب الدوار معهم، هذه السياسة التي تحتم على كل الفصائل والقوى، البحث عن طرق وأساليب تضمن للأسرى تحررهم دون امتهان لكرامتهم، أو وصف لنضالاتهم "بالإرهاب"، فتجاربنا مع الاحتلال في هذا الجانب مريرة جدا، وهو متسلح بالعنجهية والغطرسة، وسيستمر في استخدام أسرانا كورقة ضغط وابتزاز.

التعليقات