31/10/2010 - 11:02

الإعداد للسلم في مواجهة الإعداد للحرب../ د.عصام نعمان*

الإعداد للسلم في مواجهة الإعداد للحرب../ د.عصام نعمان*
قيل في تبرير تعيين برنار كوشنير وزيراً للخارجية إن الرئيس نيكولا ساركوزي توخّى للدبلوماسية الفرنسية رئيساً لا يتحدث مع العالم، لاسيما العالم العربي والإسلامي، بلغة خشبية. فكوشنير طبيب وإنساني ويساري، وصرف وقتاً طويلاً في العمل مع مؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية، ويعرف تالياً كيف يتواصل مع العرب والمسلمين.

في تصريحه الأخير حول “الخيار الأسوأ الذي هو الحرب” على إيران، بدا رئيس الدبلوماسية الفرنسية رجلاً متهوراً تنقصه اللياقة ولا يُحسن أدب المخاطبة.

لئن حاول كوشنير في موسكو تنقيح تصريحاته وترطيب لهجته فإن ما تفوّه به بخفة كشف حقيقتين ساطعتين: الأولى، أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس برهن في تصريحاته أنه أكثر اعتدالاً وتحفظاً، كون إدارة بوش لم تتخذ بعد قراراً باعتماد خيار الحرب، فيما بدا كوشنير في تصريحه داعياً إلى الإعداد لها. الثانية، أن ردة الفعل العربية الرسمية على تصريح وزير خارجية فرنسا كانت باهتة بل غائبة.

إن شنّ الحرب على إيران ليس قضية تخصّ واشنطن وطهران بل قضية تخصّ العالم كله والعالم الإسلامي على وجه الخصوص وبلدان الخليج على وجه أخص. ذلك أن مفاعيلها وتداعياتها الكارثية، السياسية والاقتصادية والبيئية، ستكون من الضخامة والسعة والفعالية التدميرية ما يجعلها نكبة كونية بامتياز. إذا كان الأمر كذلك، هل يجوز أن ينأى العرب والمسلمون بأنفسهم عن تفاعلاتها وتطوراتها ويسلّموا بسذاجة بأنها شأن أمريكي وإيراني وحسب؟

لئن بدا غيتس أكثر اعتدالاً ودبلوماسية من كوشنير فإنه حرص على تحذير إيران والعالم بأن “جميع الخيارات مفتوحة” أمام واشنطن، بما في ذلك خيار الحرب، وأن الإعداد لها ناشط على قدم وساق وإن بقيت الدبلوماسية هي “الخيار المفضل”.

لكن ما لم يقله غيتس كشفه لاحقاً قائد القيادة الوسطى الأمريكية الأميرال وليم فالون خلال جولةٍ في المنطقة تهدف الى “دفع الحلفاء العرب نحو تشكيل جبهة أكثر اتحاداً في مواجهة إيران”، على حدّ قوله. وكان مسؤولون عسكريون أمريكيون قد ذكروا، عقب اجتماع فالون الى وزير الدفاع البحريني الشيخ خليفة بن أحمد الخليفة، إن قائد القيادة الوسطى يحمل رسالةً مفادها “أن دول الخليج تمثل خط ردعٍ متقدماً ومهماً لمواجهة إيران”.

“رسالة” فالون واضحة: إن دول الخليج بصفتها خطاً رادعاً متقدماً في مواجهة إيران، ستشارك في الحرب ضدها عندما تقرر إدارة بوش ذلك.

إذ يبدو فالون وكأنه يتخذ قرار مواجهة إيران نيابةً عن دول الخليج، فإن فعلته هذه تستوجب توضيحاً مضاداً من المسؤولين الخليجيين المعنيين بأن هذه الدول حريصة على أن تتخذ قرارات الحرب والسلم بنفسها وبما يؤمن مصالحها الوطنية العليا، وأن أحداً لا ينوب عنها في ذلك.

حتى لو افترضنا أن فالون كان يقصد في تصريحه ما تعتزم أمريكا تحديداً اتخاذه من تدابير رادعة ضد إيران في منطقة الخليج، وأنه لم يقصد أن ينوب عن دول الخليج في اتخاذ قرار المشاركة في ردع إيران، فإن مسألةً أخرى بالغة الأهمية تبقى بحاجة إلى توضيح. إنها مسألة الأضرار البشرية والمادية الفادحة التي ستلحق بدول الخليج جراء حرب أمريكا على إيران وردّ هذه الأخيرة عليها. ذلك أن دول الخليج ودولاً أخرى في الجوار وفي المنطقة ستتضرر بالضرورة من مضاعفات الحرب وتداعياتها ولو لم تشارك فيها، بل حتى لو كانت ضدها.

مهما كانت أمريكا متقدمة عسكرياً وتكنولوجياً فإنها لا تستطيع أن تضمن قهر إيران أو منعها من الردّ الانتقامي على ضربتها الحربية مهما كانت قوية وفاعلة. ثم إن أحداً لا يستطيع أن يضمن إنهاء الحرب في مدى زمني محدود. ها هي حرب العراق تقدّم المثل والأمثولة. فقد ظنت إدارة بوش أنها تستطيع كسبها وإنهاءها في ثلاثة أسابيع. ماذا كانت النتيجة؟ دخلت الحرب سنتها الخامسة وقد تطول، بشكل أو بآخر، خمساً أخرى.

الحرب في عصرنا تجربة كارثية على مستوى كوني، أياً كانت أطرافها وأغراضها. إن تكلفتها تتجاوز بما لا تقاس مكاسبها المزعومة. لا إيران ولا حتى أمريكا عموماً، ولا دول الخليج ودول الجوار خصوصاً، لها مصلحة في اندلاع الحرب. ففي عصر العولمة، كل حربٍ مرشحة لتصبح معولمة وآثارها ذات قابلية، بل ذات وجهة حتمية، لتصيب العالم كله بأضرارها ولو بدرجات متفاوتة.

إذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز أن يترك العالم، أقلّه الدول والمجتمعات المرشحة لتكبّد أضرار فادحة، لدعاة الحروب وتجارها ولقصيري النظر الذين لا يستفيدون من دروس تجاربها الكارثية المؤلمة، أن يتخذوا بدم بارد قرار شنها بالرغم عن المتضررين منها؟

ثمة إعداد للحرب ضد إيران، فلا أقلّ من أن ينطلق إعداد للسلم في مواجهتها. المتضررون من الحرب أَولى وأجدر من غيرهم في مباشرة حملة تعبوية، إقليمية وعالمية، ضد الحرب.

لا يكفي أن ترفض دول الخليج ودول جوارها الإسلامي الانخراط في جبهة تصوغها أمريكا تحت عنوان “ردع إيران”، بل يقتضي أن تقتنع بأنها ستكون ميدان هذه الحرب وأشد المتضررين منها، الأمر الذي يستوجب رفضها والامتناع عن التعاون مع أمريكا، في أي شكل من الأشكال، إن هي شنت الحرب على إيران بذريعة الحؤول دون امتلاكها سلاحاً نووياً أو غيرها من الذرائع الكاذبة التي روجتها إدارة بوش عشية حربها الظالمة على العراق.

غني عن البيان أن دول الخليج، كما دول الجوار، لها من الموارد والطاقات والمصالح والثروات والمزايا والقدرات ما تمكّنها من أن تقول لأمريكا: لا نريد الحرب، ولن ننساق معك فيها، ولن نكون وقودها بأي حال من الأحوال.

موقف صارم كهذا كفيل بتعطيل الإعداد للحرب وتعزيز الإعداد للحوار والتفاوض والسلم.

موقف تاريخي كهذا كفيل بردع الحكام المجانين حتى لو كانوا من طراز جورج دبليو بوش.
"الخليج"

التعليقات