31/10/2010 - 11:02

الاعتداءات الإسرائيلية بعد فك الارتباط/عباس إسماعيل

الاعتداءات الإسرائيلية بعد فك الارتباط/عباس إسماعيل
ثمة كثير من السياسة في التصعيد الأمني الإسرائيلي ضد الفلسطينيين بشكل عام ومواقع ومؤسسات حماس في قطاع غزة بشكل خاص. ذلك أن وتيرة التصعيد العسكري الإسرائيلي مرتبطة إلى حد كبير بوتيرة التوتر السائد في صفوف حزب الليكود الذي يجتمع مركزه للحسم اليوم في مسألة تقديم موعد الانتخابات التمهيدية داخل الحزب والتي ستحدد بدورها المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الحالي أرييل شارون ومنافسه الرئيسي بنيامين نتنياهو، كما ستحدد هوية الرئيس المقبل لحزب الليكود، وربما تلقي بظلالها على الحلبة السياسية-الحزبية الإسرائيلية برمتها وتلعب دورا في إعادة رسم الخارطة الحزبية وموازين القوى السياسية وطبيعة التحالفات والاصطفافات فيما لو تحقق سيناريو إزاحة وإقالة شارون عن رئاسة الليكود وانشقاق الأخير عن حزبه الذي أسسه في السبعينيات وتشكيله لحزب جديد يخوض على اساسه الانتخابات المقبلة التي من المحتم تقديم موعدها في هذه الحالة، الأمر الذي سيصيب بشظاياه ليس الليكود فحسب، بل أحزاب أُخرى على رأسها حزب العمل وحركة شينوي.

إن الكباش السياسي الحاصل بين شارون ونتنياهو، يدور بشكل رئيسي- إلى جانب العنصر الشخصي- حول الموقف من خطة فك الارتباط وتقويم جدواها وضررها، وهي الخطة التي تلقى معارضة شديدة من غالبية أعضاء مركز حزب الليكود بذريعة أنها تمس بأمن إسرائيل وتمنح جائزة لفصائل الانتفاضة وتشجعها على مواصلة كفاحها المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، استنادا إلى الخلاصة التي حددها الانسحاب من غزة ومفادها أن إسرائيل لا تنسحب إلا تحت ضغط القوة، وبما أن الأمر كذلك، فثمة علاقة حتمية بين الأوضاع الأمنية وبين اتجاهات التصويت وموازين القوى داخل مركز الليكود.

وبغض النظر عن مسؤولية إسرائيل أو عدمها عن الانفجار الذي حصل في المسيرة التي نظمتها حماس في مخيم جباليا والذي أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الفلسطينيين، إلا أنه من الواضح للجميع أن الرد الصاروخي الذي قامت به فصائل الانتفاضة، سواء ردا على استشهاد ثلاثة من أعضاء حركة الجهاد الاسلامي في طولكرم، أم ردا على الانفجار في جباليا الذي حملت حماس إسرائيل مسؤوليته، قد وضع شارون أمام معضلة عسيرة، وصب الزيت على نار المواجهة السياسية بينه وبين نتنياهو في وقت حرج جدا له وفي غير صالحه.

وتكمن المعضلة التي وقع فيها شارون في سقوط الذريعة الأمنية لفك الارتباط سقوطا مدويا وأسرع مما كان متوقعا، مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الإسرائيليين بشكل عام إزاء الوضع الأمني، ومبادرة خصوم شارون إلى استغلال ذلك في محاولة لإثبات صحة ادعاءاتهم التي عارضوا على أساسها خطة فك الارتباط، والتي يسعون بسببها لإزاحته عن رئاسة الليكود.

هذا الواقع يضع شارون امام واحد من خيارين تكمن المفاضلة بينهما بين السيء والأسوأ بالنسبة إليه، مع صعوبة تحديد الأكثر ضرر بينهما: إما تجاوز القصف الصاروخي الذي تعرضت له مستوطنة سديروت بهدف تجنب المزيد من التصعيد الأمني، وهو خيار ربما كان من شأنه وقف دوامة التصعيد وبالتالي إزاحة الشبح الأمني عن الواجهة، إلا أنه كان سيضع شارون في موقف ضعف كبير أمام الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، وجمهور الليكود واليمين بشكل خاص، وسيعرضه مجددا كمن يتراجع عن مواقفه وتعهداته التي وعد فيها برد عسكري قاس جدا، وهو آخر ما يحتاجه شارون في هذه اللحظات الحرجة، والثاني، اصدار أوامره إلى الجيش والشاباك للقيام بعمليات عسكرية شديدة ردا على سقوط الصواريخ في محاولة للظهور بمظهر الزعيم القوي الذي لا يساوم على أمن الإسرائيليين وكمن يفي بتعهده مراهنا على احتمال ارتداع الفلسطينيين الأمر الذي من شأنه تعويضه الأضرار التي لحقت به جراء اهتزاز الاعتبار الأمني لخطته، وهو الخيار الذي يبدو أن شارون لجأ إليه رغم خطورة عدم نجاح رهانه عليه بسبب امكانية عدم ارتداع الفلسطينيين وبالتالي حصول تصعيد متدحرج قد يجعل الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات.

ثمة إجماع إسرائيلي على أن التصعيد الأمني الأخير لا يخدم شارون بأي حال من الأحوال، وثمة من يستدل بهذه الحقيقة لنفي مسؤولية إسرائيل عن انفجار جباليا، أو على الأقل مسؤولية شارون، وثمة تقديرات كثيرة تفيد أنه هناك تأثير متبادل بين التصعيد الأمني والكباش السياسي-الشخصي داخل الليكود، لكن هذا لا ينفي أبدا وجود عوامل عديدة أُخرى تلعب دورا في تحديد سقف المواجهة ووتيرتها، وأهم هذه العناصر هو سعي الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى تكريس قواعد جديدة للعبة بما يتناسب وطبيعة المرحلة القادمة من المواجهة، وهي قواعد تقوم على اساس سعي كل طرف لإيجاد نوع من الردع تجاه الطرف الآخر على غرار ما شهدته طبيعة لمواجهة بين حزب الله وإسرائيل في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

وإذا كانت الفصائل الفلسطينية تسعى بالطبع إلى محاكاة هذه المعادلة والربط بين الضفة والقطاع في المواجهة واعتبارهما جبهة واحدة، فإن المستوى السياسي الإسرائيلي بشكل عام، والمؤسسة العسكرية بشكل خاص تسعى جاهدة لإجهاض المحاولة الفلسطينيية في تكرار او نسخ المعادلة اللبنانية، كما فعلت طوال سنوات الانتفاضة، وعليه يمكن القول أنه رغم العنوان السياسي للتصعيد الأمني الإسرائيلي، فإنه ثمة عنوان آخر للاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة لا يقل أهمية عن الاعتبار السياسي، وهو تحديد قواعد اللعبة مع الفلسطينيين في مرحلة ما بعد فك الارتباط.

التعليقات