31/10/2010 - 11:02

"الاعتدال" العربي وإعادة النظر في الخيارات../ أحمد الحيلة*

الاختلاف السياسي بين النظم العربية، أو عدم الاتفاق على سياسة واحدة، ظاهرة لازمت المنظومة العربية طوال عقود ما بعد الاستقلال، لكن ذلك لم يمنع من التنسيق العربي المشترك تحت مظلة الجامعة العربية ولو بحدود دنيا، حسب اقتراب وتباعد المصالح المشتركة، وحسب توزع الولاء السياسي لقطبي السياسة الدولية في حقبة الحرب الباردة.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعلو شأن القطب الأمريكي الأوحد، بقيت بعض الدول العربية، كمصر، والسعودية، وسوريا، والجزائر..، تحافظ على شكل ما من التنسيق العربي في القضايا الحساسة. ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسقوط برجي التجارة العالميين في نيويورك، وشروع الإدارة الأمريكية بحملتها العالمية ضد ما يسمى بـ"الإرهاب"، على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، كذريعة لضرب الدول أو تغيير النظم الرافضة لهيمنتها على العالم وعلى مصادر الطاقة..، انتقل العرب تحت تأثير السياسة الأمريكية، من ظاهرة الاختلاف السياسي المصاحب للتنسيق العربي المشترك في حدوده الدنيا، إلى ظاهرة الانقسام، والعداء السياسي الظاهر والخفي أحياناً، وذلك لحسابات قطرية تتعلق بكل نظام على حدة، وبدفع وتحريض أمريكي ساعٍ لشرذمة الحالة العربية بعد احتلال العراق، لأجل إحكام السيطرة على المنطقة، فأصبح العرب منقسمين حسب التوصيف والتصنيف الأمريكي إلى "معتدلين" و"متشددين"، ومعيار الاعتدال والتشدد هنا، هو مدى القرب والبعد من النجم الأمريكي، أي أن الولايات المتحدة (البوشية)، أصبحت هي قوة الجذب الأساسي لمحور "الاعتدال" العربي، والموجه إلى حد بعيد لسياساته في العديد من القضايا الإقليمية الساخنة.

الآن ومع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس بوش الراعي لمحور "الاعتدال" العربي، يتساءل البعض عن مصير هذا المحور، وهل بقاؤه كان وما زال مصلحة عربية..؟

"الاعتدال" العربي في ظننا حالة ظرفية، استند على ركيزتين أساسيتين: (الأولى) شخص الرئيس بوش الجمهوري المحافظ، (الثانية) سياسات الإدارة الأمريكية الشرق أوسطية..

عند النظر في المسألتين، نرى أن الرئيس بوش يودع البيت الأبيض آخذاً معه حظ الحزب الجمهوري العاثر في الوصول إلى البيت الأبيض، على الأقل في الولاية الرئاسية القادمة، مما يعني غياب الراعي والسبب الرئيس في ديمومة محور "الاعتدال" العربي.
الأمر الأخر، أن سياسات بوش، ومواقف دول "الاعتدال" العربي، منيت بالفشل في العديد من القضايا الإقليمية، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

• على الصعيد الفلسطيني؛ شهدت التسوية السياسية فشلاً ذريعاً، وانتاب مؤيدوها خيبة أمل كبيرة في رعاية الرئيس بوش لها، خاصة بعد خطابه في الكنيست، في الذكرى الستين لقيام دولة الاحتلال، وتجاهله للفلسطينيين ولقضيتهم، في وقت كان يأمل فيه المراهنون على واشنطن أن تتوج زيارة بوش إلى المنطقة بتوقيع اتفاق إطار أو مبادئ إنقاذاً للمسار التفاوضي..، هذا ناهيك عن رفض بوش ممارسة أي ضغط على أولمرت لوقف الاستيطان الذي ينهب الأرض، ويهود القدس. في مقابل ذلك الفشل، تزايدت شعبية حركة حماس، كما فشل الرهان على إسقاطها في غزة.
• على الصعيد اللبناني؛ انكشفت أيضاً سياسة بوش، عندما تخلى عن قوى الأغلبية أثناء أحداث بيروت الأخيرة، حيث بدا مستوى العجز لدى الإدارة الأمريكية وحلفائها أمام تحركات المعارضة وحزب الله، الأمر الذي حدا باللبنانيين، موالاة ومعارضة إلى الجلوس على طاولة الحوار للمصالحة، والخروج باتفاق الدوحة.
• في الملف النووي الإيراني؛ فعلى الرغم من التهويل الأمريكي، وإثارة الفزع من إيران، إلا أن واشنطن لم تفلح لحد الآن في محاصرة إيران، أو دفعها إلى بيت الطاعة الأمريكي، حتى أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، باتت ترفض التعامل مع إيران حسب المنطق الأمريكي العدائي، وبالتالي سعت الرياض لإيجاد مساحات تعاون مشتركة مع طهران، عبر زيارات متبادلة وقد نجحت في ذلك، وبرغبة إيرانية متبادلة.

تلك الشواهد، إضافة إلى أزمة العراق، وتفاقم الأوضاع في الصومال، واحتدام الصراع الطائفي في السودان الذي يمثل العمق الجغرافي والمائي لمصر، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة، والغذاء كنتيجة مباشرة لسياسات الولايات المتحدة الخرقاء في الشرق الأوسط، وضعت حلفاء أمريكا والساعين لرضاها أمام استحقاقات عسيرة داخل بلدانها، إضافة إلى انكشافها أمام الرأي العام العربي الذي ازداد تمسكاً بالمقاومة، وبنهج الممانعة للهيمنة الصهيوأمريكية.

دول "الاعتدال" العربي الآن، باتت تحصد نتائج تحالفها العاثر مع واشنطن، بعيداً عن تطلعات شعوبها التي ازدادت كرهاً لأمريكا، ولسياساتها العدوانية. وهذا يضع الدول العربية "المعتدلة" أمام استحقاق إعادة النظر في تحالفاتها، وفي علاقاتها مع واشنطن، وإعادة النظر في مواقفها من القضايا العربية الساخنة، لأن الاستمرار في طريق التبعية لواشنطن والارتهان لسياسات أمريكا المتصادمة مع مصالح الأمة، سيزيد من عزلة تلك النظم، وسيطعن في شرعيتها، الأمر الذي سيعرضها لاحقاً للاضطراب وعدم الاستقرار.

ومن هنا فإن وقفة للتقييم، والتقويم باتجاه إعادة العمل العربي المشترك كخيار ولو بحده الأدنى، ومن ثم التنسيق مع دول الممانعة كسوريا، والجزائر، والسودان، واليمن..، انسجاماً مع رغبات وتطلعات الشعوب العربية، باتت مسألة ملحة، وأحد أهم المداخل اللازمة لحماية المنظومة العربية من الانهيار. وهذه مسألة ممكنة رغم التهديد والغضب الأمريكي، فاتفاق الدوحة والمصالحة اللبنانية شاهد على إمكانية التقارب العربي والتنسيق رغم الاختلاف السياسي وعدم رضا الولايات المتحدة، وهذا ما نرجو أن يتكرر في المصالحة الفلسطينية، إلى السودانية، إلى الصومالية.. على طريق استعادة الدور للعمل العربي المشترك بديلاً عن المراهنة على قوى خارجية.

التعليقات